في الافق ما يوحي بأن معركة إنتخابات الرئاسة السورية المقررة بعد ستة أشهر، قد بدأت بالفعل، وبشكل مبكر وغير مألوف في ظل النظام الاسدي. وهي حتى الآن لا تزال من دون مرشحين جديين ومن دون ناخبين مسجلين، وربما تجرى من دون صناديق إقتراع شرعية..
إشارة الإنطلاق لتلك المعركة كانت بالتحديد في مؤتمر إعادة اللاجئين الذي نُظِم في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني الماضي، والذي شهد تصعيد النزاع الروسي الاميركي على تلك الكتلة البشرية المقدرة بأكثر من نصف عدد السوريين، والموزعة في مختلف أنحاء العالم، وحقها في التصويت لإختيار إسم الرئيس المقبل، حسب قرارات وتوجهات الشرعية الدولية، التي نصت على وجوب أن تشمل الانتخابات جميع اللاجئين السوريين من دون إستثناء، في مراكز إقتراع تفتح لهم في مراكز هجرتهم وتخضع لإشراف ومراقبة الامم المتحدة.
في ذلك المؤتمر، قالت موسكو ان اللاجئين ليسوا في رصيد أميركا ولا سواها من الدول المضيفة، وهم بالتالي لن يسمح لهم بأن يصنفوا ككتلة ناخبة لمصلحة المرشح الرئاسي المفترض لتلك الدول، وذكّرت بأن الحرب السورية إنتهت وباتت الابواب مفتوحة لعودة اللاجئين.. ولم تأبه للشروط التي حددها الرئيس بشار الاسد، للسماح بعودتهم، ومنها ضمان السيطرة الكاملة للنظام على جميع الاراضي السورية لاسيما المنطقة الشمالية، وتوفير مليارات الدولارات لتغطية نفقات معيشتهم وإعادة بناء مساكنهم ومشافيهم ومدارس أولادهم.
وفي حينه جددت واشنطن الموقف الذي تتبناه الامم المتحدة بمختلف مجالسها ووكالاتها، لا سيما تلك التي تعنى بشؤون اللاجئين السوريين، حول ضرورة توفير شروط العودة الطوعية والآمنة للاجئين، والكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين لاسيما الذين غامروا بالعودة، في العامين الماضيين الى المناطق الآمنة نسبياً، والذين يقدر عددهم بما يزيد على ثلاثين ألفاً، أضيفوا الى نحو 150 ألف معتقل او مفقود منذ العام 2011 وحتى اليوم.
على هامش مؤتمر دمشق كررت موسكو تمسكها بإجراء الانتخابات الرئاسية السورية في موعدها، وهو موقف تتبناه طهران رسمياً أيضاً، وقد أبلغه الرئيس الايراني حسن روحاني قبل أيام الى وزير الخارجية السورية فيصل المقداد في طهران.. بغض النظر عن حصيلة إجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي لا تزال تدور في حلقة مفرغة، من دون أي أمل في ان تصل يوماً الى صياغة دستور سوري جديد، أو حتى الى تفاهم على آليات العملية السياسية في المرحلة المقبلة.
وكان من أهم نتائج مؤتمر دمشق، إعلان الحكومة اللبنانية عن نيتها إستضافة الجولة المقبلة من ذلك المؤتمر في بيروت، في موعد أقصاه نهاية الشهر المقبل، من أجل تأكيد شراكة لبنان في ذلك الجهد السياسي الروسي-السوري، لضمان الاحتفاظ بورقة اللاجئين السوريين في لبنان، وإسقاطها في صناديق الاقتراع السورية التي ستفتح في موعد الانتخابات الرئاسية، لتتلقى نحو نصف مليون صوت سوري، لصالح الأسد، على غرار ما جرى في العرس الديموقراطي الاخير في العام 2014، عندما كانت حافلات النظام وحلفائه تنقل الناخبين السوريين من جميع المناطق اللبنانية، الى السفارة السورية في اليرزة، لتعلن الفوز الساحق للأسد على جميع منافسيه، غير المعروفين.
المشهد نفسه يجري التحضير له منذ الآن، كمقدمة للقيام بخطوات روسية-سورية مشابهة في بلدان اللجوء السوري، لا سيما الاردن والعراق، وربما تركيا وألمانيا، حيث بدأ التواصل مع الحكومات، ومع المفاتيح الانتخابية السورية، ومع الناخبين السوريين المحتملين، للمشاركة في تلك “المعركة الديموقراطية”.. سواء بالعودة الى الوطن والتصويت داخله، او البقاء والتجاوب مع دعاية النظام وضغوطه وتهديداته.
الائتلاف السوري المعارض الذي شعر كما يبدو بتلك الحركة الروسية-السورية، بادر، بناء على نصيحة غربية مباشرة، ومتسرعة، الى تشكيل هيئة للانتخابات، تتولى التواصل مع الناخبين في بلدان اللجوء وتوجيههم وتدريبهم على خوض مثل هذه التجربة، أو على الأقل تحذيرهم من محاولات النظام لإختراق صفوفهم. لكن ذلك القرار المتسرع سقط على الفور تحت وطأة ضغوط الجمهور السوري المعارض، الذي لم ولن يتقبل أبداً فكرة المشاركة في عملية إنتخابية بوجود الاسد في السلطة.. والاهم من ذلك أنه ليس مستعداً لتحمل فكرة أن سقف المجتمع الدولي إنحدر الى مستوى دعوة اللاجئين الى الإدلاء بأصواتهم في الخارج، على وعدٍ بأن يتم إسقاط الأسد من خلال فرز تلك الاصوات!
وبناء على ذلك، تحرك عدد من أعضاء مجلس النواب الاميركي قبل أيام من أجل الدفع بمشروع يدعو إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن الى عدم الإعتراف بشرعية نظام الاسد وحقه في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، في الوقت الذي يبدو فيه ان الادارة الاميركية الجديدة تتجه نحو زيادة الضغوط على الروس والنظام، من أجل توفير قاعدة ملائمة لتسوية ثنائية تؤدي الى إنهاء الحرب السورية.
التراشق السياسي بين موسكو وواشنطن يتصاعد يوماً بعد يوم، تحت عنوان معركة الرئاسة السورية، وما إذا كان يمكن، أو يجب إشراك اللاجئين في عملية التصويت، وما إذا كانت الامم المتحدة مؤهلة لتنظيم تلك العملية في بلدان اللجوء، عدا لبنان طبعا، حيث أصبحت النتائج جاهزة من اليوم، مثلها مثل النتائج المضمونة في مناطق سيطرة النظام.
وهي أسئلة مطروحة جدياً الآن، وإن كان لا يزال يسبقها سؤال جوهري، حول ما إذا كان يحق للاسد الترشح، وهل يمكن العثور على مرشحين منافسين له في الخارج..من بين أولئك المعارضين السوريين، الذين بدأوا يحلمون بالعودة الى حضن الوطن على حصان رئاسي..
هي معركة أسابيع، أو أشهر قليلة، لكي يُبتّ أمرُ الرئاسة السورية، لأن أحداً لا يريد التلهي ب”الفراغ الدستوري” في دمشق في صيف العام المقبل!
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت