الركبان.. حكاية مخيم قاطنوه يُطاردهم الاعتقال والموت البطيء
وسط ظروف معيشية بالغة السوء، وفي منطقة صحراوية تغيب عنها متطلبات العيش، يجد ما تبقى من السوريين القاطنين في مخيم الركبان على الحدود الأردنية أنفسهم، بين خياري السيء والأسوأ، متمثلاً في البقاء والموت “ببطء”، أو الرحيل، والتعرض لخيار “الاختفاء القسري” لدى من يحاصرهم.
وأعادت قضية تخفيض منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، كمية المياه الموردة إلى “الركبان” منذ نحو أسبوع، الحديث عن مأساة مخيم، ما زال يعاني ويلات الحصار والجوع والعطش، بعد نحو 8 سنوات من إنشائه، فما هي حكايته؟ ولماذا وصل إلى الحال الذي يعيشه اليوم؟
الركبان: مخيم للنازحين السوريين عند مثلث الحدود الأردنية العراقية السورية، يُحاصره النظام السوري ويتهم قاطنيه بالإرهاب، قامت منظمة اليونيسيف والأردن بتخفيض حصتهم من موارد المياه، حيث تضخ بواقع ساعة يومياً فقط لأكثر من عشرة آلاف إنسان.#أنقذوا_مخيم_الركبان pic.twitter.com/YGbXLy7NVZ
— Rami Assaf (@R_D_Assaf) August 2, 2022
أُنشئ مخيم الركبان منذ نحو 8 سنوات، بهدف أن يكون نقطة عبور للعائلات التي فرت من قصف وهجمات قوات الأسد لمناطقها، والحرب التي دارت بينه وبين تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأرادت الوصول إلى الأردن، وينحدر معظم قاطنيه من أرياف حمص وحماة والرقة ودير الزور.
يقبع هؤلاء في المخيم، منذ أن قرر الأردن إغلاق حدوده أمامهم، بعد تفجير في يونيو / حزيران 2016 أودى بحياة 7 جنود أردنيين، وتبناه “تنظيم الدولة”، إذ اعتبرت المملكة حدودها الشمالية والشمالية الشرقية مناطق عسكرية مغلقة.
من يدير المخيم..؟
تدير المخيم فصائل معارضة مدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ويعتبر “جيش مغاوير الثورة” الفصيل العسكري الوحيد الذي يتركز نشاطه في قاعدة التنف الحدودية، ويتولى أيضاً مهام إدارة مخيم الركبان المجاور أمنياً وعسكرياً.
المخيم عبارة. عن عن 70 بالمئة بيوت طينية، سقوفها شوادر بلاستيكية، والبقية خيام تغرق حين تسقط الأمطار، ومعظم سكانه يعملون داخله منذ شروق الشمس حتى مغيبها، حيث يحاول نازحون، بينهم مدرسون وممرضات وحلاقون، تأمين دخل مالي، وإن كان قليلاً، عبر ممارسة أعمالهم في المخيم.
يحصل المخيم على المياه من الأردن، ويتلقون قاطنوه سلالاً غذائية غير منتظمة من الأمم المتحدة، وبعض الطعام يصل عن طريق التهريب من مناطق النظام بأربعة أضعاف سعره.
برنامج الغذاء العالمي يستخدم رافعات لإيصال المساعدات لخمسين الف لاجئ في مخيم الركبان على الحدود الأردنية السورية بسبب إغلاق الحدود https://t.co/xNPD4AYtM8
— Mahmoud AlKen محمود الكن (@mmalken) February 10, 2018
حتى عام 2018، وصل عدد سكانه إلى حوالي 70 ألف نسمة، قبل أن تدفع ظروف الحصار من قبل النظام وحليفه الروسي، وتدهور الأوضاع المعيشية داخله، إلى إلى رضوخ عدد كبير منهم، والمغادرة بشروط النظام وحلفائه، ليتقلص إلى نحو 10 آلاف نسمة.
وفي تصريحات لـ”الأناضول“، في 3 أبريل/ نيسان الفائت، عبر ينس لارك، المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي، عن القلق حيال الأوضاع الإنسانية والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها سكان المخيم، وأوضح أن أكثر من 20 ألفاً و700 فرد غادروه منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، مشيراً إلى أن قوافل المساعدات الإنسانية لم تصل إلى المنطقة منذ سبتمبر/ أيلول 201
وترفض هيئة العلاقات العامة والسياسية بالمخيم أي تسوية أو مصالحة تحتّم عودة النازحين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، وتؤكّد أن قاطنيه يخشون من عمليات انتقامية تنفّذها في حقهم قوات النظام والمليشيات الموالية لها، أو الاقتياد إلى الخدمة العسكرية.
المقذفون..
الواقع المعيشي المأساوي الذي يعيشه المخيم، لم يمنع الأردن من ترحيل عائلات سورية إليه، بينهم 16 عائلة خلال شهري مارس/ آذار 2021، وأبريل/ نيسان من العام ذاته.
وتعليقاً على حادثة ترحيل هذه العائلات، أشار عبد الرزاق المحيا مسؤول المكتب الإعلامي لـ”جيش مغاوير الثورة”، في حديث سابق للسورية نت، إلى “تكاثر” حالات “القذف” من الجانب الأردني إلى مخيم الركبان، دون أن يصدر أي بيان من الجانب الأردني عن الأسباب.
عمليات “القذف” كما يسميها الأردن، كانت تتم إلى المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة سابقاً في الجنوب السوري، وبدأت بهذه الإجراءات، بعد اتفاق “التسوية” الذي شهده الجنوب السوري، في أواخر عام 2018.
معاناة مخيم الركبان، زادت مؤخراً مع تشديد قوات نظام الأسد الحصار، ومنعها دخول الاحتياجات الأساسية كالغذاء والأدوية وحليب الأطفال والوقود.
الهدف من تشديد الحصار، هو دفع ما تبقى من أهالي المخيم إلى الهجرة، يساعده تشديد أردني جديد في منح المياه، وتقليص كمياته، ما يجعل الحال ينذر بمزيد من التدهور.
رغم ذلك يستمر سكان الركبان في مقاومة ما يعانوه من ظروف معيشية بالغة السوء، رافضين المصير المجهول خارجه في حال القبول بخيار الذهاب إلى مناطق النظام، على أمل أن يحمل المستقبل القريب لهم، خيارات أخرى بديلة، تكون أقل سوءاً من الموت البطيء أو المصير المجهول.