ما من شك في أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط سوف تتغير مع خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من البيت الأبيض، وحلول الرئيس جو بايدن مكانه. فمؤشرات التغيير بدأت ترتسم في العديد من الملفات، لا سيما من خلال أولى المراسيم التي أصدرها الرئيس الجديد لحظة بلوغه “المكتب البيضاوي”: إلغاء منع السفر من عدد من الدول الإسلامية الى الولايات المتحدة، ووقف الأعمال في الجدار الحدودي مع المكسيك. ومن المتوقع أن يعيد بايدن بلاده الى معاهدة المناخ العالمية التي خرج منها ترامب خلال ولايته. وأكثر من ذلك، ثمة حراك حاصل على صعيد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، خصوصاً مع توارد معلومات دبلوماسية تفيذ بحصول اجتماع بين شخصيات من حملة بايدن (قبل انتقال السلطة) وممثلين عن النظام الإيراني في نيويورك، للبحث في مسار العلاقات المقبلة بين الولايات المتحدة وإيران، في ضوء إصرار إيران على رفع العقوبات وعودة واشنطن الى الاتفاق النووي شرطاً لعودة طهران الى الالتزام بمندرجات الاتفاق، ثم البحث في ملفات أخرى يتحدث محيط الرئيس بايدن عن أنه سوف يضعها على الطاولة للتفاوض مع إيران.
ثمة اتجاهان في محيط بايدن المعني بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط: الأول يريد الإسراع في العودة الى الاتفاق النووي من دون شروط، ويرى أن الحديث عن قصر السقوف الزمنية بالنسبة الى الالتزامات ليس في مكانه، وأن إدارة الرئيس السابق ترامب هي التي دفعت إيران الى خرق الاتفاق، وما إن تعود واشنطن الى ما قبل ترامب فسوف يعود الإيرانيون تلقائياً الى الالتزام كما كان عليه الوضع بعد التوقيع على الاتفاق سنة 2016.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن الأمور تغيّرت في السنوات الأربع الأخيرة، وأن موضوع العودة الى الاتفاق النووي صار أسير شروط مسبقة لا بد من فرضها على إيران، قبل رفع العقوبات والعودة الى الاتفاق معدّلاً. فتعديل الاتفاق بنظر أصحاب هذا الاتجاه أمر ضروري جداً، نظراً الى ترابط أكثر من ملف ساخن بالاتفاق نفسه، من برنامج الصواريخ البالستية، الى السياسة التوسعية الإيرانية المهددة لأمن الحلفاء في المنطقة واستقرارهم، وصولاً الى صلب الاتفاق نفسه الذي يرى هؤلاء أن سقفه الزمني قصير جداً لضمان عدم امتلاك إيران قنبلة نووية بالمطلق.
صحيح أن لإيران “لوبي” قوياً في واشنطن، وأقول في محيط الرئيس بايدن، وهو مؤلف من العديد من الشخصيات التي كانت تدور في فلك الرئيس الأسبق باراك أوباما، وقد عاد العديد منهم الى الإدارة الجديدة، وسوف يلعبون دوراً مهماً جداً للتأثير في قرار الرئيس في ما يتعلق بالعلاقات بإيران. ولكن الأصح أن واشنطن تحت إدارة الرئيس بايدن مدعوة قبل أي شيء آخر الى التنسيق مع الحلفاء في المنطقة، وخصوصاً بعدما ظهرت ملامح تمرّد على مقاربات أوباما السابقة، من هذه الدول المركزية التي تمثل حجر الرحى للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. فإذا كانت إيران مهمة، فإن مجموعة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من دول عربية مركزية وإسرائيل وتركيا أهم بأشواط من حلم باراك أوباما بأن تصبح إيران حليفاً للولايات المتحدة من دون أن يتغير نظامها جذرياً. وهنا سؤال أساسي يطرحه حلفاء أميركا: هل عاد أوباما الى البيت الأبيض؟ أم أن بايدن سيخلق المفاجأة التي يخشاها الإيرانيون فيبني على المكاسب التي حققها ترامب في مقاربته للتهديد الإيراني، ويستغل نظام العقوبات الذي ورثه عن سلفه، لكي يجلب الإيرانيين الى طاولة مفاوضات من موقع أضعف؟
في مكان آخر، وفي سياق مراقبة التغييرات التي ستحصل وفهمها، لا بدّ من انتظار استكمال بايدن التعيينات في المؤسسات المعنية بالسياسية الخارجية، ولا سيما في الشرق الأوسط. كما لا بدّ من تلقف أي موقف يصدر منذ اليوم من الشخصيات المعنية بالسياسة الخارجية لمحاولة فهم ما يفكّر به بايدن. فعلى سبيل المثال، ثمة تصاريح متناثرة من هنا وهناك تتعلق بالموقف حيال العودة الى الاتفاق النووي، تؤشر الى أن العودة لن تكون تلقائية أو سهلة، وأن لا بدّ من التفاوض على الملفات المتصلة، والتنسيق مع الحلفاء الذين تعرف إدارة بايدن أنهم لن يرضخوا بسهولة لأي توجه للعودة الى مرحلة أوباما بالنسبة الى العلاقة مع إيران.
انطلاقاً مما سبق، سيكون من المثير متابعة تضارب رهانات القوى المتصارعة في المنطقة على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن التي لا تزال غامضة في أيامها الأولى!
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت