انعطافات جديدة في مسار “اللجنة الدستورية السورية” يجري الحديث عنها مؤخراً، تتعلق باختيار مكان جديد للاجتماعات، بعيداً عن جنيف التي ترفضها روسيا بسبب ادعاءات “الانحياز” لأوكرانيا ومشاركة سويسرا بالعقوبات المفروضة على روسيا.
وبالرغم من إعلان الاتفاق رسمياً على انعقاد الجولة المقبلة في العاصمة العمانية مسقط، كشفت التطورات الأخيرة عن استبعاد مسقط كخيار، والبحث عن دولة جديدة تستضيف هذه العملية.
أما الانعطاف الآخر ضمن هذا المسار ورد عبر إعلام النظام، الذي تحدث عن “مشروع خطير” لبيدرسون يهدف إلى استبعاد روسيا من حضور اجتماعات “الدستورية”، لتجنب رفضها لجنيف.
العودة أدراجاً نحو جنيف
ما يزيد من ضبابية المشهد هو غياب الروايات الرسمية حول التطورات الأخيرة، حيث تتصدر حالياً زيارات بيدرسون وجولاته ضمن الثقب الأسود للجنة الدستورية المتوقفة منذ أكثر من عام، دون الكشف عن فحوى تلك الزيارات.
وكانت أعمال “اللجنة الدستورية” قد تعطلت منذ يونيو/ حزيران 2022، حين انعقدت الجولة الثامنة منها في جنيف، دون أن تفضي جولاتها الثمانية عن نتائج تذكر.
وتعطّل هذا المسار بسبب القضايا التي أثارتها روسيا حول مكان الانعقاد، وتوجيهها اتهامات لسويسرا بأنها “ليست محايدة” على خلفية الحرب الأوكرانية.
إلا أن المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، أكد خلال إحاطة لمجلس الأمن قبل أسابيع، أنه تم قبول دعوة سلطنة عمان لاستضافة اللجنة الدستورية في مسقط بدلاً من جنيف.
ثم تحدثت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، عن إصرار بيدرسون على العودة لجنيف، ونقلت عن مصدر دبلوماسي عربي في جنيف، قوله إن بيدرسون مصمم على انعقاد الجولة التاسعة في جنيف، خلافاً للاتفاق السابق حول انعقادها في مسقط.
وأضاف المصدر، الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته، أن “انعقادها في مسقط بات شبه مستحيل نتيجة تصميم بيدرسون على أن يكون في جنيف”.
لكنه أشار إلى أن المفاوضات لا تزال جارية للاتفاق على “مكان محايد”، في ظل الرفض الروسي لانعقاد الجولة في جنيف.
العضو في “اللجنة الدستورية” عن وفد المعارضة، حسن الحريري، رأى أن تصميم بيدرسون على جنيف هو “أمر طبيعي”، على اعتبار أن المقصود هو تنفيذ القرار الأممي 2254.
وبالتالي فإن ذلك يفترض أن تكون الاجتماعات تحت سقف مظلة الأمم المتحدة وداخل مقرها في جنيف، وفق تعبيره.
وأضاف الحريري في حديثه لـ “السورية نت” أن أحد أسباب استبعاد مسقط هو “اعتذار سلطنة عمان عن استقبال الوفود، بسبب امتناع النظام السوري عن تقديم خطوات وفقاً للمبادرة العربية التي تجمّدت نتيجة عدم التزام النظام”.
ومع ذلك، قال الحريري إن لم يكن هناك اتفاق مع المعارضة السورية حول انعقاد الجولة التاسعة في مسقط.
وأضاف: “كان ذلك عرضاً من النظام ولم يتم تقديمه رسمياً للمعارضة السورية”.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي السوري حسن النيفي أن سبب إصرار بيدرسون على جنيف يعود لعدة أسباب، أبرزها “ذو طابع شخصي”.
موضحاً في حديثه لـ “السورية نت” أن بيدرسون “يحرص على أن يبقى ممسكاً بهذا الملف باعتباره هو من قام بهندسة المسار الدستوري، وبالتالي لا يريد له أن ينتهي بالفشل”.
وأضاف استمرار هذا المسار “يتيح للسيد بيدرسون مردوداً نفعياً مالياً لا يريد التفريط به”.
وكذلك، أكد العضو في اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة، طارق الكردي، أن المعارضة “لم تتلقَ أي كتاب رسمي من مكتب السيد بيدرسون يقترح عقد الجولة التاسعة لأعمال اللجنة، أو أي مقترح حول نقل أعمالها من جنيف إلى أي مكان آخر”.
مضيفاً في حديثه لـ”السورية نت”: “نحن بالتأكيد نعلم ونسمع أن هناك مقترحات ومناقشات حول مكان وتاريخ انعقاد الجولة التاسعة، ولكن تركيزنا الأكبر على مضمون هذه الجولة وعلى وجود تحضير جيد وضمانات بعدم السماح لاي طرف بممارسة التعطيل”.
هل تضع القاهرة بصمتها؟
بحسب الصحيفة الموالية، فإن مصر تسعى لدعوة الأطراف السورية لعقد الجولة المقبلة من اجتماعات “الدستورية” في عاصمتها القاهرة، بدلاً من مسقط وجنيف.
ونقلت الصحيفة عن مصادر عربية أن “الجهود المصرية لا تزال في بداياتها ومن غير المعروف مدى قابلية الأطراف على الموافقة على الطرح المصري”.
ولفتت إلى أن دولاً عربية أخرى قد تبادر لاستضافة الجولة المقبلة من اجتماعات “اللجنة الدستورية”.
مشيرة إلى أن انعقادها في جنيف أو مسقط “بات مستحيلاً”.
ولم يتم الكشف رسمياً عن وجود تحركات مصرية لاستضافة الجولة المقبلة، إلا أنه جرى الحديث سابقاً عن هذا الطرح، على اعتبار أن القاهرة هي مقر “الجامعة العربية”.
وبهذا الصدد، تحدث المحلل السياسي حسن النيفي عن وجود مسعى مصري، يرغب بانعقاد الجلسة المقبلة في القاهرة.
لكنه قال “إن ذلك مستبعد، ولعل فرص انعقادها في مسقط هي الأرجح في حال وافق نظام الأسد على ذلك”.
أما عضو “اللجنة الدستورية” حسن الحريري فقد أكد أنه لم يتم الحديث علناً عن وجود مشاورات في القاهرة حول عقد الجولة القادمة.
وقال: “في حال تم عرض الأمر بشكل رسمي على هيئة التفاوض العليا، ستقوم الهيئة بدراسة العرض وإجراء المشاورات بين مكونات هيئة التفاوض السبعة، ومن ثم الخروج بقرار ينسجم مع مصالح الشعب السوري المكلوم”.
فيما أشار عضو اللجنة طارق الكردي أن “مكان انعقاد اللجنة مهم، لكن الأهم هو استكمال منهجية العمل وقبول كل الأطراف بهذه المنهجية، ووجود إرادة حقيقية لدى نظام الأسد لتنفيذ القرار 2254 بكل بنوده”.
مردفاً: “لا نعتقد بوجود رغبة لدى النظام بذلك، وخير دليل ما جرى خلال الأيام الماضية من قصف لقوات الأسد على المناطق المدنية شمال غرب سورية، والذي أدى لسقوط ضحايا مدنيين”.
هل ينجح بيدرسون بإقصاء روسيا؟
في تقرير آخر لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، تحدثت عن “مشروع خطير” لبيدرسون، يهدف إلى استبعاد روسيا من مسار “اللجنة الدستورية السورية” لضمان استئناف عملها في جنيف.
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية في جنيف، الخميس الماضي، أن بيدرسون يدرس مشروع إرسال دعوة لوفدي النظام والمعارضة للمشاركة في الجولة التاسعة من “الدستورية”، دون حضور أي دولة أجنبية.
وأضاف المصدر أن هدف المشروع هو “القفز فوق الفيتو الروسي” بسبب رفض موسكو انعقاد الاجتماعات في جنيف.
مردفاً أن المشروع “لن يحظى بموافقة موسكو ولا دمشق وداعميها”.
واعتبرت المصادر أن بيدرسون “يغامر من خلال مشروع القرار هذا بمصير هذه اللجنة، ومن خلال تصميمه على انعقادها في جنيف”.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سورية حول استبعاد روسيا والدول الأجنبية من اجتماعات اللجنة الدستورية.
وتعليقاً على ذلك، قال الكاتب والمحلل حسن النيفي إن بيدرسون يحرص على أن يجمع وفدي النظام والمعارضة فقط، لعله يستطيع تحقيق اختراق ولو جزئي حيال الجمود المسيطر.
مضيفاً أن “من شأن هذا الاختراق الشكلي أن يعطي فرصة ماراتونية أخرى لبيدرسون، كما يعطي فرصة لنظام الأسد لاستثمار المزيد من الوقت وإيهام المجتمع الدولي بأنه يتفاعل مع المسار السياسي”.
ومع ذلك استبعد النيفي إمكانية نجاح بيدرسون بتحقيق ذلك، وإبعاد روسيا عن هذا المسار.
وقال: “لا أعتقد أن بيدرسون سيخرج عن الرؤية الروسية، لا بخصوص المكان ولا بخصوص المخرجات، ذلك لأن مسار اللجنة الدستورية بالأصل هو منتج روسي من مخرجات سوتشي”.
أما عضو اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة، حسن الحريري، رأى أن نظام الأسد أخرج هذه العملية منذ البداية عن كونها “سورية- سورية”.
وأضاف لـ “السورية نت” أنه من المفترض أن تكون روسيا خارج مسار جنيف وخارج العملية الدستورية، “لكن عملياً هي من تقوم بجلب النظام جبراً على مدار الجولات السابقة”.
وختم بالقول إن “العملية منذ الأساس هي عملية جناحها الأول الشعب السوري، والجناح الآخر روسيا وإيران ومن ثم النظام”.
خيارات أخرى للجولة التاسعة
تعتبر “اللجنة الدستورية” من مخرجات مؤتمر “سوتشي” الذي عقدته روسيا، في مطلع عام 2018.
ويعوّل عليها في إصلاح الدستور أو وضع دستور جديد لسورية، وتحظى بدعم ورعاية من الأمم المتحدة، والتي تراها الطريق الوحيد للوصول إلى الحل السياسي، بحسب رؤية مبعوثها إلى سورية غير بيدرسون.
وعقدت ثمان جولات سابقة للجنة الدستورية منذ انطلاق أعمالها عام 2019، إلا أنه لم يصدر عنها أي شيء، وغالباً ما يصفها بيدرسون نتائجها بـ”المخيبة للآمال”.
وكان من المقرر أن تنعقد الجولة التاسعة من “الدستورية” أواخر يوليو/ تموز 2022.
إلا أن المبعوث الأممي إلى سورية، جير بيدرسون، قال إنه أُجبر على التأجيل بعد أن أثارت موسكو قضايا بشأن مكان الانعقاد.
واقترحت روسيا سابقاً نقل محادثات “اللجنة الدستورية”، التي تستضيفها عادة مدينة جنيف بين المعارضة ونظام الأسد، إلى خمس دول أخرى.
وهذه الدول هي: الإمارات والبحرين وسلطنة عمان والجزائر، إضافة إلى العاصمة الكازاخية أستانة.
وبعد الأنباء غير المؤكدة حول استبعاد سلطنة عمان من الخيارات والبحث عن مكان “محايد”، يبدو أن الأنظار قد تتجه نحو الدول الأربع الباقية.