الفريكة بالشمال السوري.. صناعة تشهد إقبالاً رغم تحديات الحفاظ على هذا الموروث
في شهر مايو/ أيار من كل عام، يخرج الشاب الثلاثيني مصطفى البشير، يومياً إلى الأراضي المزروعة بالقمح، حاملاً موروث آبائه في صناعة “الفريكة”، والتي تبدأ بحصاد سنابل القمح الخضراء، وتنتهي ببيعها في سوق مخصص لبيع الفريكة في مدينة إدلب.
تعتبر الفريكة منتج شعبي متوارث في مناطق شمال غربي سورية، وتتصدر قائمة الأطعمة والولائم خلال المناسبات العامة، إلا أن إنتاجها شهد تراجعاً عقب العمليات العسكرية مطلع عام 2020، نتيجة تقلص المساحات الزراعية، وسيطرة نظام الأسد على أراضٍ زراعية في المنطقة، تزامناً مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.
صناعة “مشجعة” للمزارعين
السيد زكريا الجمعة، مزراع ينحدر من جنوبي حلب، يرى أن المزارعين يلجأون إلى صنع الفريكة كونها تختصر عليهم فترة زمنية، إذ لا يُضطرون إلى الانتظار طويلاً لحين نضج القمح وحصاده.
وأضاف في حديثه لموقع “السورية نت” أن المزارع يضمن بذلك تحقيق مردود مبكر، خشية حدوث حرائق في حقول القمح، نتيجة قصف قوات النظام المتكرر في موسم الحصاد، خاصة في المناطق القريبة من خطوط الجبهة.
من جانبه، يشرح السيد مصطفى البشير، المنحدر من ريف إدلب الجنوبي، مراحل صنع الفريكة، بقوله إن صناعتها تمر بعدة مراحل، تبدأ بحصاد سنابل القمح الخضراء ونقلها إلى إحدى الساحات العامة، وبعد ثلاث ساعات تبدأ عملية الحرق، ولها طريقتان.
الطريقة الأولى تكون بوضع السنابل الخضراء على سرير حديدي، له شكل الغربال، ثم إشعال النار فيه، والثانية عن طريق أداة تسمى محلياً “الشلمون” والتي تقوم بحرق سنابل القمح مباشرة وهي على الأرض.
ويضيف مصطفى لموقع “السورية نت”، أنه بعد حرق سنابل القمح يتم نشرها مجدداً تحت أشعة الشمس، ثم تبدأ عملية عزل حبات القمح المحروقة عن السنابل، بواسطة درّاسة خاصة، ثم تتم تعبئتها بأكياس خاصة وموحدة، لتكون جاهزة للبيع في السوق.
يُشار إلى أن الفريكة طبق رئيسي في المناطق الريفية، ويتم تقديمه في المناسبات العامة على شكل مناسف يعلوها لحم الضأن، وتعتبر جزءاً من العادات والتقاليد المرتبطة بالترحيب بالضيوف والحفاوة بهم، وتنتشر صناعتها في بلاد الشام والعراق ومصر وتركيا.
عقبات تواجه هذا الموروث
يتحدث المزارع مصطفى البشير عن مصاعب عدة يواجهها خلال رحلة صناعة الفريكة، أبرزها صعوبة إيجاد أرض وضمانها لصنع الفريكة، مشيراً إلى أن أسعار ضمان الدوام الواحد يتراوح بين 250 و300 دولار.
وأضاف أن المزارعيذن يخاطرون بحياتهم، بسبب رغبة أغلب مالكي الأراضي في المناطق القريبة من الجبهات، تضمين محصول القمح للفريكة، خشية حدوث حرائق خلال فترة الحصاد، كما يحصل كل عام.
وتابع: “مع ذلك تشهد هذه المهنة إقبالاً، كونها تحقق لنا مردوداً جيداً في ظل الغلاء الفاحش في الأسعار، وانعدام فرص العمل وانتشار البطالة، فأنا مثلاً أعمل في التدريس الذي لا يحقق لي الاكتفاء الذاتي، وأضطر للعمل بمهمة ثانية تعينني على تكاليف الحياة”.
وعن تكاليف وأسعار الفريكة، يرى المزراع زكريا الجمعة، أن تعدد مراحل حصاد الفريكة وما تتطلبه من وفرة الأيدي العاملة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف البذار والأسمدة والمحروقات والمبيدات الحشرية، ينعكس مباشرة على سعر الفريكة.
ويضيف أن الناس يفضلون القمح القاسي في صناعة الفريكة لـ “زكاوة طعمه”، لكن تكلفة ضمانه أغلى من القمح الطري، في حين يفضل أصحاب المطاعم القمح الطري، بسبب لونه النقي، وعدم احتياجه إلى وقت طويل خلال الطهي.
ويصل سعر كيلو غرام الواحد من الفريكة إلى 1 دولار أمريكي، وتكون خضراء غير منظفة وغير مجففة، في حين يصل سعرها وهي جاهزة للطبخ إلى 2.5 دولار أمريكي أي ما يعادل 40 ليرة تركية، ويرتفع سعرها في فصل الشتاء وينخفض في موسم صناعتها صيفاً.
وبحسب القائمين على هذه المهنة، يستغرق موسم الفريكة فترة 20 يوماً، وتحتاج صناعتها لوجود ورشة عمل ومعدات (شلمون، اسطوانات غاز، مذاري، قواشيش، سرير حديدي)، وتصل أجرة العامل يومياً إلى 100 ليرة تركية، كما تصل أجرة الحصادة لـ 10 دولار أمريكي للدونم الواحد.
ويعاني القطاع الزراعي في مناطق شمال غربي سورية، من تدهور كبير في ظل انحسار المساحات الزراعية، نتيجة سيطرة قوات النظام على مساحات واسعة من أرياف حماة وإدلب وحلب، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الزراعة من محروقات وبذور وأسمدة ومبيدات حشرية، ما أدى إلى تراجع الأمن الغذائي في المنطقة، في ظل تقلص الدعم الذي تقدمه المنظمات الانسانية.