مضى العام 2021 صعباً وثقيلاً على صدور السوريين، سواء في الداخل السوري أم في دول الشتات والمهجر، في ظل استمرار معاناتهم، وغياب أفق حلّ سياسي لقضيتهم، واستمرار الكارثة الإنسانية التي سببتها حرب نظام الأسد، التي بدأها منذ أكثر من عشر سنوات ضد غالبية السوريين، وبدعم متعدد الأشكال من طرف حليفيه في النظامين الروسي والإيراني.
وشهدت القضية السورية خلال العام 2021 أحداثاً وتطورات سياسية عديدة، توجتها على المستوى السياسي مهزلة انتخابات الأسد الرئاسية، ثم شحنه إلى موسكو كي يتبلّغ رسائل مباشرة من رئيس النظام الروسي فلاديمير بوتين، إضافة إلى هرولة بعض الأنظمة العربية باتجاه تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، تحت ذرائع الواقعية التي تسلم ببقاء نظام الأسد، وتدعي محاولة جرّه إلى الحضن العربي، لكن الأسد الذي فاز بانتخاباته بقي فاقد الشرعية، أما قطار التطبيع فما يزال يمرّ بمحطات من التعثر والتوقف، بالنظر إلى المواقف الأميركية والأوروبية، وخاصة بعد التأكيد على “التزام الولايات المتحدة بالسعي لتحقيق العدالة والمساءلة عن فظائع النظام”، وأنها لم ترفع عقوباتها عن نظام الأسد، مع التلويح بتطبيق عقوبات على خطوات تطبيع الأنظمة العربية، ثم جاء موقف السعودية على لسان سفيرها في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، ليؤكد على فشل محاولات تلميع النظام وإعادة تأهيله، وعلى أن بشار الأسد مجرم “يقف فوق هرم من جماجم الأبرياء، مدعياً النصر العظيم، فكيف لنصر أن يُعلَن بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساكن”، وطالب العالم بأن لا يصدق نظام الأسد لأن “الحرب لم تنتهِ بالنسبة لألفي شهيد أضيفوا هذا العام إلى قائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على 350 ألف شهيد”.
وبالرغم من أحاديث ساسة القوى الدولية المتدخلة في الشأن السوري حول عدم وجود حلّ عسكري في سوريا، إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم يذكر باتجاه إيجاد حل سياسي للقضية السورية خلال العام 2021، وذلك بعد أن تمكن النظام الروسي من إيجاد بديل لمفاوضات جنيف التي بدأت في 2014 برعاية الأمم المتحدة، ومن حصر العملية السياسية برمتها في المسار الذي اجترحوه خلال اجتماعات أستانا بالتفاهم مع إيران وتركيا، ولم تجد المعارضة السورية سوى الانخراط في المسعى الروسي. وبناء عليه، تواصلت اجتماعات أستانا بعقد جولتها السابعة عشرة في 22 و23 من الشهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، والتي جاءت مخرجاتها كسابقاتها في مصلحة نظام الأسد، لذلك لم يفوّت مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الفرصة للإشارة إلى الليونة في مواقف وفد المعارضة المشارك فيها، ولعله لم ينس بالتأكيد الشكر الذي سبق أن وجهه رئيس وفدها، أحمد طعمة، إلى روسيا، التي لم تتوقف قواتها عن قتل السوريين منذ تدخلها العسكري المباشر في 2015 إلى جانب نظام الأسد في حربه ضدهم.
والمفارقة أن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، لم يتمكن من الحصول على موافقة نظام الأسد من أجل عقد جولة جديدة للجنة الدستورية، بعد أن عقدت جولتيها الخامسة والسادسة خلال العام 2021، من دون أن تحقق أي نتائج تذكر، واعترف بيدرسون بفشلهما، لكنه اكتفى بالتعبير عن خيبة أمله، وراح يتحدث أمام مجلس الأمن عن وقوع أطراف النزاع في “مأزق استراتيجي على الأرض، بدأ منذ 21 شهراً”، للدلالة عن أن “حلّ الأزمة السورية ليس بالضرورة بيد السوريين وحدهم”، بل بيد القوى الدولية، وبالتالي أكتشف أن “أياً من اللاعبين أو تحالفاتهم لا يستطيع حسم النزاع، وأن الحل العسكري يبقى وهمياً”.
غير أن المبعوث بيدرسون، الذي بدأ مهمته في السابع من كانون الثاني/ يناير 2019، بعد أن استقال المبعوث السابق ستيفان دي ميستورا، لا يقوى على تحميل نظام الأسد مسؤولية فشل اجتماعات اللجنة الدستورية، بل عوضاً عن ذلك، يحاول استمالته ومكافأته عبر طرحه نهجاً جديداً، سبق للأميركيين أن اتخذوه مع الروس، يقوم على مقاربة “خطوة بخطوة” من أجل بناء الثقة والتوصل إلى حل تفاوضي، والتي بناها على نتائج لقاءاته بمسؤولين عرب وأميركيين وأوروبيين لمس عندهم إمكانية للانفتاح على النظام السوري.
ويبدو أن بيدرسون أراد التغاضي عن أن نظام الأسد يرفض القيام بأي خطوة تدخل ضمن “إجراءات بناء الثقة”، مثل إطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين في سجونه، وكشف مصير المغيبين، على مدى أكثر من عشر سنوات، لذلك فإن الشك يطاول مقاربته الجديدة، من جهة أنها تهدف إلى الالتفاف على القرار الأممي 2254، الذي حدد بالفعل خطوات واضحة لإيجاد حل تفاوضي للقضية السورية.
ميدانياً، لم يحدث خلال 2021 أي تغير في حدود مناطق السيطرة وخطوط التماسّ بين قوى وسلطات الأمر الواقع على الأرض، وبقيت نِسب السيطرة ثابتة كلياً بينها في سوريا، الأمر الذي يشي بعدم حدوث تغيير في موازين القوى بين قوى الاحتلال الخمس في سوريا، وباكتمال الصراع ولو بشكل مؤقت في سوريا وعليها، بوصفه صراع نفوذ إقليمي ودولي بين كل من روسيا وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وتركيا. وعليه ما تزال سلطات وقوى الأمر الواقع تتحكم في مختلف أجزاء سوريا، حيث يتحكم نظام الأسد بالقسم الأكبر من الأرض السورية في ظل وجود قوات روسية وإيرانية وميليشيات طائفية متعددة، فيما يتحكم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومخرجاته العسكرية والمدنية بمناطق في الجزيرة السورية أو ما يسمى شرقي الفرات. وتتحكم هيئة تحرير الشام بإدلب المدينة وبعض المناطق حولها، كما تتحكم فصائل الجيش الوطني وسواها ببعض أجزاء من محافظة إدلب وريف حلب الغربي والشمالي والمنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين مع وجود قوات تركية.
وشهدت مناطق الجنوب السوري فرض تسوية جديدة على أهالي محافظة درعا، وذلك بعد أن انقلبت روسيا على تسوية 2018 التي رعتها، وتمكنها من إيجاد قوة موالية لها تسيطر على مناطق مهمة من ريف درعا، ولا تسمح للنظام ولا إيران وميليشياتها من دخولها، لكن ذلك لم يمنع إيران ومن خلفها حزب الله اللبناني من التغلغل في المنطقة الجنوبية، نظراً لأهميتها الجيوستراتيجية.
وعلى المستوى المعيشي والإنساني، تفاقم تردي أوضاع السوريين، خاصة في مناطق سيطرة النظام، حيث أشار تقرير أعده برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى أن أكثر من 12,4 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وإلى أنها تعيش “أسوأ حالة أمن غذائي في تاريخها”، حيث يعاني 1,3 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% عن العام الماضي، إلى جانب أن مناطق سيطرة النظام تشهد ترد غير مسبوق في الأوضاع الأمنية، إلى جانب تحولها إلى مناطق لإنتاج وتهريب المخدرات، خاصة حبوب الكبتاغون.
والحاصل هو أن معاناة السوريين زادت خلال العام 2021، وليس هناك ما يشير إلى أن العام المقبل سيكون أفضل، إذ لا يلوح أي بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم، بالنظر إلى عدم اكثرات ولامبالاة المجتمع الدولي بالكارثة السورية، وإصرار النظام وحلفائه في النظامين الروسي والملالي الإيراني على التغول في هدر دماء السوريين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت