اللاجئون السوريون وزيارة مناطق سيطرة النظام..حق شخصي أم “انتهاك”؟
تُثير قضية زيارة لاجئين سوريين، خاصة الموجودين منهم في أوروبا، لمناطق سيطرة نظام الأسد، حفيظة كثير من السوريين، ممن يعتبرونها “تجاوزاً” و”انتهاكاً” لحقوق اللجوء، ويمكن أن تحمل الضرر لأقرانهم السوريين في الخارج.
خطوة الحكومة الدنماركية العام الماضي، باعتبار دمشق وريفها الخاضعتين لسيطرة النظام، مناطق آمنة لإعادة لاجئين إليها، من الأسباب التي يرددها رافضو زيارة اللاجئين السوريين لبلدهم، خاصة أن السلطات الدنماركية بررت قرارها، بأنها رصدت سفر لاجئين سوريين في الدنمارك إلى بلادهم، وعودتهم إلى الدنمارك “دون تعرضهم للخطر”.
زيارات “تجارية”
فؤاد الخليف، يقول لـ”السورية نت”، إن أغلب من يزور سورية من أبنائها اللاجئين في أوروبا، غرضهم زيارة أقاربهم ومعارفهم، لكنها مؤخراً تحولت لأغراض تجارية، أو ما وصفها بـ”تجارة شنطة”.
ومع رأيه الذي لا يمانع من زيارة السوريين لبلادهم “لكونها حق شخصي”، إلا أنه بالمقابل يطلب ممن يقدمون على هذه الخطوة تحمل المسؤولية، مذكراً بحالات سوريين سافروا للزيارة “ظناً منهم أن أمورهم سليمة مع النظام، لكن تم اعتقالهم والتحقيق معهم، وابتزازهم مالياً، ومنهم ما زال ضمن المغيبين قسرياً”.
ويشدد الخليف، المقيم في ألمانيا، على أن للزيارة “ايجابيات محدود”، مثل جلب أوراق رسمية للمحتاجين إليها، أو إرسال دواء لمريض، لكن هذه الإيجابيات تحولت اليوم إلى “تجارة فاحشة الربح، من خلال استغلال حاجة الناس إليها، ليصبح إحضار ورقة بيان ولادة من سورية يكلف 20 يورو، وأحياناً أكثر”، وفق قوله.
ونوه أخيراً، إلى أن الحال الآن أصبح في خطر جدي، مع فتح الدنمارك باب ترحيل السوريين الزائرين لمناطق سيطرة النظام، والخشية اليوم أن “تدق ألمانيا هذا الباب رسمياً، وتتجاوز مرحلة التصريحات والتلميحات إلى القرارات”. وفق تعبيره.
خدمة لروايات الأسد
خلال العامين الأخيرين، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيسبوك”، إنشاء عشرات الصفحات والمجموعات التي اتخذت طابعاً تجارياً خدمياً، من بينها: “نازل عالشام”، “نازل على سورية”، “مسافر عالشام”، ويطرح فيها بعض السوريين المسافرين إلى بلدهم الأصلي، خدماتهم للسوريين الراغبين بجلب أوراق أو بضائع محددة، مقابل أجور مادية متفاوتة.
ويرى أحمد الصالح الرافض لهذه الزيارة، أنها تسوق بشكل كبير لرواية النظام المتعلقة بـ”مناطقه الآمنة”، وبالتالي “قرار زيارة مناطق سيطرة النظام، له تبعات ليست شخصية، وتحمل الضرر لجميع اللاجئين السوريين في أوروبا، وحتى للسوريين المقيمين في الدول المجاورة مثل تركيا”.
ويضيف الصالح اللاجئ في ألمانيا منذ 5 سنوات خلال حديثه لـ”السورية.نت”، أنه من خلال متابعته لصفحة يُطلق عليها اسم “مسافر”، وتهتم بتقديم المعلومات للراغبين بالنزول إلى دمشق أو غيرها من المدن السورية الأخرى، فإن ما يُثير استغرابه، تساؤلات لاجئين مقيمين في أوربا منذ سنوات طويلة، ونالوا جنيستها، حول “دفع البدل النقدي”، في إشارة إلى بدل الخدمة العسكرية في قوات النظام، والمقدر بنحو 8 آلاف يورو.
ويرى أحمد، أنه يحترم الحق الشخصي للراغبين بزيارة بلدهم، لكن “عندما تخدم هذه الزيارة روايات نظام الأسد، أو تكون أداة لضخ المزيد من المال لخزينته، وعندما تفتح الباب أمام قرارات دول لإعادة سوريين لديها، فهو بالتأكيد لن يكون معها”.
تركيا.. سجال مختلف
قضية أحقية السوري بالنزول إلى بلده، من عدمها، حملت في تركيا سجالاً مختلفاً، بدأ عبر سوريين رافضين لما أطلقت عليه السلطات التركية تسمية “إجازة العيد”، ومن بينهم عدد من الناشطين والحقوقيين، وبين آخرين اعتبروها من حقوق السوريين الراغبين بزيارة بلدهم.
الاعتراض هذه المرة لم يكن بسبب ما رفضه أقرانهم في أوروبا، وإنما لأسباب أخرى، تتمثل في تصاعد غضب المعارضة التركية من هذه الزيارة، قبل أن تشهد هذا العام تصاعداً كبيراً، أدى إلى رضوخ الحكومة التركية لمطالب المعارضة، ومنعها زيارة السوريين إلى مناطق شمال غرب البلاد بشكل رسمي.
الرافضون لـ”زيارة العيد” من السوريين سابقاً، ومن بينهم ابراهيم الحسين المقيم في أوروفا، برروا موقفهم بعدم استغلال هذه الورقة من قبل أحزاب وشخصيات تركية معادية للاجئين، ووجدوا في إلغاء السلطات التركية “حق الزيارة”، دليل على صحة نظرهم.
ويضيف الحسين لـ”السورية نت”، أن “معاييرنا نحن تختلف حكماً عن معايير الشعوب التي تستضيفنا، سواء في تركيا أو غيرها، وبالتالي رفض مبدأ الزيارة ليس من باب أحقيتها من عدمها، بقدر ضررها على قضية اللجوء السوري بشكل عام”.
رصد الزائرين
يذكر أنه ورغم التقارير الحقوقية الدولية المنددة بالقرارات الدنماركية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة “العفو الدولية”، لا تزال حكومة كوبنهاغن، تتجاهل كافة الأصوات المحذرة من العودة لمناطق سيطرة النظام السوري، موثقةً تعرض العائدين لانتهاكات “خطيرة”.
ويبين محمد كاظم هنداوي، مدير “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، أن الحكومة الدنماركية استندت في قراراتها إلى بحث شامل وموثق، توصلت خلاله إلى أن دمشق وريفها “آمنة”، ولا يستحق قاطنوها الحصول على اللجوء.
وأوضح هنداوي في حديث سابق لـ”السورية نت”، أن البحث الحكومي رصد سفر لاجئين سوريين مقيمين في الدنمارك إلى سورية، وعودتهم للدنمارك دون تعرضهم للخطر.
كما رصدت وجود لاجئين ليس لديهم مشاكل أمنية مع نظام الأسد، وآخرين يملكون عقارات في دمشق، ما دفع الحكومة إلى اعتبار ذلك “استغلال” لحق اللجوء، من أجل تحسين الوضع المعيشي فقط.
وأشار هنداوي، إلى أن بحث الحكومة الدنماركية مبني على معلومات وشهادات وأحداث واقعية، ما دفعها إلى “قوننة” عمليات الترحيل وفقاً لحساباتها، موضحاً أن تلك الإجراءات تأتي بإطار إرضاء اليمين المتطرف، والحصول على أصوات الأحزاب المطالبة بترحيل السوريين.
“تحذير” ألماني
زيارات سورية من قبل لاجئين، لم تثير حفيظة السلطات الدنماركية فقط، بل دفعت دول أوروبية أخرى إلى “التلمح” للنهج ذاته، وعلى رأسها ألمانيا، التي بدأ بعض مسؤوليها منذ سنوات، الحديث عن الأمر ذاته.
وكان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر،قد اقترح ترحيل طالبي اللجوء السوريين إذا تبين أنهم عادوا إلى بلادهم في زيارات خاصة منتظمة بعد فرارهم منها.
واعتبر زيهوفر، أن “من يزور بلده بانتظام بعد هروبه منه لا يمكن أن يدعي أنه تعرض للاضطهاد”.
وقال زيهوفر في تصريح لصحيفة “بيلد آم زونتاغ”، في 18 أغسطس/ آب 2019: “لا يمكن أن يدعي أي لاجئ سوري يذهب بانتظام إلى سورية في عطلة، بجدية أنه تعرض للاضطهاد، وعلينا حرمان مثل هذا الشخص من وضعه كلاجئ”
وأكد السياسي المحافظ، أنه إذا كان المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين على علم بسفر طالب اللجوء إلى البلد الأصلي، فستدرس السلطات على الفور إلغاء وضعه كلاجئ، عبر بدء إجراءات سحب اللجوء.