لعل ما تسرّب عن بنود المبادرة العربية حيال الحل السياسي في سورية، لا يزال بعيداً بصورة جدية عن إمكانية تحقيق هذا الحل، فالنظام لا يزال في مربع ولاءاته لإيران وروسيا، فهما الداعمان الرئيسيان له على كل الأصعدة، وبالتالي، فهو لن يستبدل دعمها في بقائه في السلطة مقابل عودته إلى الحضن العربي، بما فيها إعادة إعمار سورية.
المبادرة العربية التي تسرّب منها بعض البنود تركّز على مكافحة عمليات تهريب المخدرات، وتطالب بإظهار خطوات جدية وملموسة لمعالجة الوجود العسكري الإيراني في سورية، كذلك تطالب المبادرة العربية بخطوات بناء الثقة مع المعارضة، يُقدمُ عليها النظام الأسدي، وفي مقدمة هذه الخطوات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والكشف عن مصير المفقودين، وتوفير ضمانات جدية لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، هذه البنود يتبعها بند تتعهد فيه دول المبادرة العربية بانخراط عربي محدود في البداية بشأن تقديم المساعدات المالية والإنسانية وفق برنامج الإنعاش المبكر.
إن هذه المبادرة، والتي ذهب بشار الأسد من أجل استيضاحها إلى الإمارات وعُمان، لا يبدو أنها مقبولة من النظام الأسدي، فصحف هذا النظام أطلقت حملة ركّزت فيها، على أن العرب بدأوا يعودون إلى سورية بعد انتصارها على المؤامرة الكبرى، وهذا يعني إن النظام ليس مستعداً للقبول بتنفيذ حلٍ سياسي وفق القرار 2254، والذي تعتبره المبادرة العربية أساس الحل في سورية.
الأردن من طرفه وبعد استقباله للسيد “غير بدرسون” المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون تيسير المفاوضات بين نظام أسد وقوى الثورة والمعارضة، خرج وزير خارجيته أيمن الصفدي ليعلن أن الأردن لديه مبادرة للحل السياسي في سورية ترتكز على مبدأ (خطوة مقابل خطوة)، هذه المبادرة كان طرحها المبعوث الأممي بدرسون منذ أشهر.
الأردن يعاني من مشكلة تهريب المخدرات إلى بلاده وعبرها من قبل أعوان إيران والفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رأس النظام الأسدي ماهر الأسد، وبالتالي فمبادرته تركزّ أولاً على خلاصه من هذه المشكلة المرعبة له، كذلك فهو يرى في الحل السياسي وإن كان عبر مبدأ (خطوة مقابل خطوة) بوابة لتغيير وضعه الاقتصادي بعد فتح الحدود بصورة طبيعية مع سورية.
إن نقاش واقع حال المبادرة العربية ومدى حدود قبولها من نظام أسد، يعكس أساساً تخوّف دول المبادرة من نتائج الصراع في سورية، فيما لو استمر هذا الصراع، والذي انتهج سياسة “تطفيش” السوريين عن بلادهم، وتحديداً المكوّن العربي السُني، والذي تبلغ نسبته في سوريا قرابة 68% من عدد السكان الإجمالي.
كذلك باتت دول المبادرة العربية أكثر قلقاً من تزايد النفوذ الإيراني والتركي في سورية، حيث تخاف هذه الدول من توسّع هذين النفوذين على حساب الهوية العربية لسورية، مما يهدّد لاحقاً هذه الدول.
لكنّ عودة العلاقات السعودية الإيرانية قد يعيد حسابات المبادرة العربية لتأخذ منحىً جديداً، فالسعوديون تعهدوا وفق اتفاقهم مع طهران برعاية صينية ألا يسمحوا باستخدام الأجواء أو الأراضي السعودية لصالح عمليات ضد إيران، كذلك وافق الإيرانيون على عدم تزويد الحوثيين بالسلاح، والدفع باتجاه حل سياسي في اليمن، مقابل أن تقوم السعودية بتقارب مع النظام بعد قطيعة سياسية امتدت لأكثر من عشرة أعوام.
التقارب السعودي الإيراني على علاقة باحتمال ضرب المنشآت النووية الإيرانية من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية أو من كليهما. السعوديون لا يريدون أن يكونوا هدفاً للصواريخ الإيرانية في حالة شنّ حرب على إيران، والإيرانيون يريدون أن يتنفسوا الصعداء من نظام العقوبات المفروضة عليهم، وهذا يتمّ من خلال فسحة العلاقة الجديدة مع السعوديين.
هذا التقارب، إضافة لمخاوف سعودية أخرى، تتعلق بتهريب المخدرات من سورية إلى دول الجوار العربية، دفع السعوديين إلى البدء بإعادة العلاقات القنصلية مع نظام أسد، مما يسمح لهم بتأثير جديد على النظام الأسدي وتحديداً بعد التقارب الإيراني السعودي.
الروس من طرفهم لا يبدوا أنهم غير راضين على التقارب الإيراني السعودي، فهم على علاقة شبه تحالفية مع الإيرانيين في سورية وفي حربهم على أوكرانيا، أما الولايات المتحدة فهي تنظر إلى هذا التقارب وانعكاساته على سياسات منطقة الشرق الأوسط بشيء من الحذر، فالسعوديون بدأت بوصلة سياساتهم الخارجية تشير إلى ضرورة عدم الركون لحليفهم التاريخي (الأمريكيون)، بعد أن فترت العلاقات الأمريكية السعودية بسبب مواقف الأمريكيين من المملكة العربية السعودية، والتي اتسمت بشيء من العداوة غير المفهومة من قبل حكومة الديمقراطيين التي يقودها جو بايدن.
إذاً وفق هذه الوقائع والتطورات، لا يبدو أن شيئاً جوهرياً قد طرأ على اقتراب الحل السياسي في سوريا، بل قد يكون هناك شيء من محاولة إعادة تعويم نظام أسد بشروط جديدة، وهذا يعني الالتفاف على جوهر القرار الدولي 2254، الذي ينص على انتقال سياسي في سورية.
إن قرار السعوديين بإعادة علاقاتهم مع إيران، يجد مبرراً له، بتجنيب أنفسهم أي ضربات عسكرية قد تلحق بهم، إذا ما شنّت إسرائيل والولايات المتحدة هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، ويجد مبرراً أن تحصل السعودية على تعهدات إيرانية بعدم تزويد طهران الحوثيين بالسلاح، ولكنه لا يجد تبريراً منطقياً بإعادة علاقاتهم مع نظام أسد على حساب دماء مئات آلاف السوريين الذين قتلهم النظام الأسدي في حربه المشنة على الشعب السوري الذي خرج بصورة سلمية مطالباً بالحرية والكرامة.
إذاً المبادرة العربية يمكن القول عن نجاحها أنه أمرٌ مشكوك به، فلن يرضخ النظام الأسدي لأي مبادرة عربية أو غير عربية تتوسل القرار 2254 كأساس للحل السياسي، فالنظام لن يرضخ لحل سياسي يجبره على انتقال سياسي وتغيير ببنية الحكم في البلاد دون أوامر صريحة تصله من موسكو وطهران، ولهذا من حقّ هذا النظام التباهي بأنه انتصر عسكرياً وأن العرب بدأوا يخطبون ودّه.
فهل الحل السياسي في سورية في ظل ظروف معاناة الروس من حربهم على أوكرانيا، وفي ظل رفض إيران التنازل في موضوعي تخصيب اليورانيوم والصواريخ البالستية ممكن وفق القرار الدولي؟
إن توافقاً على هذا الحل في ظل الظروف غير الناضجة على تحقيقه، يسمح بالقول أن زمن الحل وفق القرارات الدولية لا يزال بعيداً، هذه الحقيقة، يجب أن يعيها السوريون قبل غيرهم ويعملون وفقها على تغيير المعادلات التي تتحكم بقضيتهم.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت