يتعاطى فريق الممانعة مع نتائج الانتخابات الأميركية وخسارة دونالد ترامب، وكأن الخسارة محتمة للولايات المتحدة الأميركية. يحاول هؤلاء تصوير نتائج الانتخابات وتداعياتها بأنها لا تقتصر على نهاية ترامب كنموذج غريب عن “الإستبلشمنت” الأميركي، إنما يصورون ما جرى بأنه نهاية أميركا، وهذا يصيب تصوراتهم بمقتل، خاصة أن سنوات حكم جو بايدن قد تدفعهم إلى الترحم على أيام ترامب. صحيح أن بايدن يأتي منهمكاً بجملة ملفات داخلية، ولن يكون مستعداً للغوص في الملفات الدولية سريعاً، لكن نظرة الممانعة الخاطئة قد تدفع بعض أفرقائها إلى ارتكاب خطأ معين يعيد ترتيب الأولويات الأميركية. وفي التاريخ شواهد كثيرة على ذلك.
في العام 1988 انفجر لغم بمدمرة أميركية في حرب الخليج، أدى إلى مقتل عدد من البحارة الأميركيين، حينها أعطى رونالد ريغان أمراً للبحارة الأميركية بمهاجمة البحارة الإيرانية، التي تم تدميرها خلال يومين.
أسس ذلك إلى خسارة إيران لحرب الخليج الأولى، وتم توقيع وقف إطلاق النار. ويوم انتخب جورج بوش الابن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، كان عنوان حملته العودة إلى الداخل، ووقف التدخل الأميركي في الخارج، إلا أن أحداث 11 من أيلول غيّرت كل المعادلات وفرضت استراتيجية جديدة.
يأتي جو بايدن، في وقت تعمل كل القوى الحليفة لواشنطن على إعادة تجميع قواها والبحث عن حلول لخلافاتها، فكانت المصالحة الخليجية، مع مساع لعقد مصالحات أو تحسين في العلاقات بين تركيا والسعودية، وبين تركيا ومصر، قد لا تصل إلى النتائج المرجوة لكن بالحد الأدنى، ستكون مؤشراً لتحسين هذه القوى لشروطها ومواقعها. لا بد للمصالحة أن تنعكس بشكل إيجابي على أركانها.
الخاسر الأكبر من هذه القمة هو بشار الأسد، لأن الأميركيين والأتراك والقطريين لا يمكن أن يتنازلوا في موضوع سوريا. قالها المسؤولون الأميركيون بأن نظرية فتح العلاقات مع النظام لإبعاده عن الحضن الإيراني قد سقطت، ولا يمكن أن يكون هناك انفتاح على النظام السوري، لا بل إن الضغوط ستتزايد وتستمر وتتكثف في المرحلة المقبلة، وهنا ثمة دليل أساسي بعدم مشاركة أي دولة خليجية في مؤتمر اللاجئين الذي دعت إليه روسيا قبل فترة. سيدفع ذلك روسيا إلى تغيير في وجهة تعاطيها مع النظام، إذ إن محاولات تدجينه وتعويمه عربياً لم تعد ممكنة. ستكون سنة 2021 سيئة جداً على بشار الأسد ونظامه، التقارير عن الجيش السوري تؤكد أنه غير قادر على فعل شيء، وهذا يسقط مبدأ “سعي الجيش إلى تحرير كامل الأراضي السورية.”
التمهيد للتفاهم القطري السعودي والخليجي التركي، يهدف إلى إرساء تفاهم سني سني، تركيا تواكبه أيضاً، وهي التي أعلنت أن أمن الخليج يعنيها وأنها مستعدة للمساهمة في إرساء الأمن هناك، وهي في حلف الناتو، وهذا كله سيكون مواجهاً للنفوذ الإيراني، خصوصاً إذا ما تعزز هذا التفاهم الخليجي والسني السني. والطرفان لديهما اتصال مع إسرائيل، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه لا مصلحة لتركيا في الجنوب السوري، بل هي ستراعي المصالح الإسرائيلية، وسيكون في المقابل هناك مراعاة لمصالح تركيا في الشمال السوري. لا بد من مراقبة تطورات الملف السوري مستقبلاً، فـ بايدن ضد الانسحاب من سوريا، وهنا لا يمكن الحديث عن انسحاب أميركي من سوريا.
ستنعكس هذه التفاهمات على السنة في لبنان، بحيث لا يمكن لأي طرف أن يستضعفهم أو يتعاطى معهم كما جرى التعاطي مع سنة سوريا والعراق، سيؤدي ذلك إلى وجود مظلة عربية أو سنية على السنة في لبنان الذين وجدوا أنفسهم متروكين طوال السنوات الماضية، هنا أيضاً لا بد من القراءة في زيارة رئيس تيار المستقبل اللبناني سعد الحريري إلى تركيا ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيكون هناك مدلولات بعيدة المدى لهذه الزيارة في المستقبل.
العنوان الأوسع لذلك هو استمرار التسابق على النفوذ في المنطقة، وخصوصاً بين تركيا وإيران، وسط تصورات تشير إلى أن النفوذ الإيراني لن يكون كما كان، وخاصة في سوريا، إذ أن قوى متعددة تجتمع على إضعاف طهران ووجودها هناك. بدءاً من منع إيران من إرسال المزيد من القوات إلى سوريا، وسحب حزب الله لقواته من مناطق مختلفة، بينما ضعف نفوذ النظام السوري في مناطق متعددة ليس فقط في الشمال أو في الشرق إنما في الجنوب أيضاً، ثالثاً تفاهم روسي إسرائيلي حول منع وجود إيران في الجنوب السوري، وغياب معادلة “المقاومة من الجولان” عن لسان حزب الله وطهران.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت