من الطبيعي أن يستقبل السوريون خبر المصالحة الخليجية التي أنجزت في (قمة العلا) مؤخراً بتفاؤل واهتمام شديدين نظراً لأهمية هذا الحدث واليقين بانعكاساته الإيجابية على القضية السورية.
فقد دفعت الثورة والمعارضة ثمناً باهظاً بسبب الأزمة الخليجية حتى قبل العام ٢٠١٥ عندما بدأت الخلافات تعصف بين الدول الشقيقة، حيث كانت المعارضة المدعومة من محوري الخلاف ضحية ما وقع بينهما، فتوقف جزء كبير من الدعم المادي، كما تراجع الدعم السياسي والعسكري إلى أدنى مستوياته، واستفاد النظام وحلفاؤه أيما فائدة جراء ذلك، خاصة وأن هذا الخلاف تزامن مع التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا فكانت خسارة المعارضة مضاعفة.
في البيان الختامي للقمة الخليجية الأخيرة كان واضحاً الاهتمام الكبير الذي أولاه القادة للقضية السورية، وما هو مهم في هذا البيان أنه أعاد التشديد على ثوابت مرجعية جنيف وقرارات مجلس الأمن وتراتبية الحل السياسي المنشود تأسيساً على إنشاء هيئة الحكم الانتقالي.
أهمية ما سبق لا تتوقف فقط عند بث روح جديدة في هذه الثوابت التي تراجع الحديث عنها مؤخراً، بل تنسحب بالضرورة على وضع حد لخطوات التطبيع وإعادة العلاقات السياسية بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي وبين النظام، إلى حد مشاركة سلطنة عمان في مؤتمر إعادة اللاجئين سيئ الذكر الذي عقد بدمشق في تشرين الثاني الماضي، ناهيك عن المطالبة الصريحة بخروج القوات والميليشيات الإيرانية من سوريا.
قد لا يبدو البند الأخير عملياً في الواقع، إذ لا توجد أدوات تمكن من ترجمة هذا الطلب ولا أدوات ضغط مادية تدفع نحو إجبار طهران على الاستجابة له، لكن الإشارة إلى الوجود الإيراني وعدم التطرق إلى الوجود العسكري التركي في سوريا يعتبر أمراً مهماً ومؤشراً إيجابياً في صالح المعارضة بالتأكيد.
لقد كانت أنقرة، الحليفة الأخرى الأساسية للمعارضة، جزء من الخلاف الخليجي-الخليجي كما هو معلوم، وبالتالي فقد طال تأثير هذا الخلاف الدور والفاعلية التركية في الملف السوري وأجبرها على مجاراة الروس والإيرانيين طيلة السنوات الأربع الماضية، خاصة مع التخلي الغربي، عنها كأحد أعضاء حلف الناتو، لكن عودة المياه إلى مجاريها بين قطر وبقية الدول الخليجية، سيؤدي حتماً إلى استعادة العلاقات مجراها الطبيعي أيضاً بين هذه الدول وبين تركيا، ما سيعزز موقفها جميعاً على صعيد الملف السوري.
وإذا كان الجزء العسكري من الصراع في سوريا قد بلغ نهايته أو يكاد، حسب أغلب التقديرات، ولم يبق منه إلا عمليات محتملة صغيرة لاستكمال ترتيب مناطق السيطرة وخطوط التماس، فإن الجزء السياسي ومشروع الحل الشامل حكماً سيبدأ الآن، إذا لا نهاية على صعيد إلا وتعني بداية على صعيد آخر، وبالتالي فإن توحد موقف حلفاء الثورة والمعارضة، خاصة إذا ما امتلكت الإدارة الأميركية الجديدة رغبة قوية في الانخراط بشكل أكبر في المسألة السورية، سيؤدي إلى تثقيل كفة المعارضة في أي مفاوضات قادمة.
وكذلك على الصعيد الخدمي والتنموي ستكون مناطق سيطرة المعارضة مستفيدة من عودة الوئام إلى العلاقات بين الدول الحليفة للثورة، خاصة مع الحاجة الكبيرة لهذه المناطق إلى المشاريع التي تنهض بها على مختلف الأصعدة والقطاعات الخدمية والإنتاجية، بانتظار الوصول إلى الحل السياسي المنشود الذي ينتظره كل السوريين في مختلف أنحاء البلاد والذي سيعنى إطلاق عملية إعادة الإعمار المتوقفة على إنجاز هذا الحال الذي يجب أن يرضخ له النظام.
قد يرى البعض أن قطار العودة قد فات على المعارضة فيما يخص المصالحة الخليجية-الخليجية، والمصالحة الخليجية-التركية، وأن النظام وحلفاءه تجاوزوا مراحل الاضطرار لتقديم أي تنازلات مع تحقيقهم الانتصارات العسكرية السابقة، لكن لا يجب أن يفوت هؤلاء أن هذه المصالحة لم تكن لتتم بهذه السرعة لولا وجود إرادة أميركية ضغطت من أجلها، وهذه الإرادة لن تكون من دون مشروع سياسي يتم ترتيبه في المنطقة وتبدو إيران أحد أوراقه بكل تأكيد.
إن مواصلة الضغط على طهران عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لا بد أن ينعكس على النظام في دمشق وبقية أذرع إيران في المنطقة، وبالتالي خسارة الأسد لقوة كبيرة ساهمت في استمرار نظامه حتى الآن، وعليه لا بد من تغليب التفاؤل بناء على هذا التطور الذي أسفرت عنه قمة المصالحة الخليجية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت