رغم أن المسار الذي سلكته دول عربية اتجاه النظام السوري، خلال الأيام الماضية كان متوقعاً، إلا أن الوتيرة المتسارعة التي تكشفت بشكل مفاجئ وبالتدريج لم تكن كذلك، وخاصة بالنسبة لمن كان يستبعد أي نوايا تقارب في المدى المنظور، رابطاً العملية بشروط ومحددات و”إجماع” وحل سياسي وفقاً للقرارات الأممية.
وكانت مسألة عودة “دمشق” أو النظام السوري إلى الحضن العربي قد طرحت قبل الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا بسنوات وأشهر، وفي أعقاب الكارثة عادت هذه المسألة لتتصدر المشهد السوري، في وقت ترجمت على الواقع بزيارات واتصالات ولقاءات، وتصريحات مستجدة حملّت نفساً مغايراً عن الماضي، ووضعها مراقبون ضمن إطار “دبلوماسية الكوارث”.
وبينما زار وزير الخارجية الإماراتي العاصمة دمشق والتقى بالأسد في الأيام الأولى من الزلزال، وبعده وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي ولأول مرة، أجرى رأس النظام السوري اتصالاً هاتفياً مع نظيره المصري، عبد الفتاح السياسي والعاهل الأردني وزعماء آخرين، وصولاً إلى إقدامه على زيارة سلطنة عمان ومن ثم موسكو وأبو ظبي، كمحطة أخيرة.
وما بين هذه المواقف التي صدّرها النظام السوري على نحو كبير في أعقاب الكارثة لم ينقطع ذكر “عودة سورية إلى الجامعة العربية والحضن العربي”، وخاصة من جانب دولة الإمارات التي توصف بأنها “حاملة راية التطبيع مع الأسد”، فيما بدا موقفها القديم الجديد لافتاً، بعدما انخرطت بشكل كبير بعمليات إرسال المساعدات الإنسانية.
وسرعان ما اتضح مشهد المحيط العربي المرتبط بسورية، بعدما تصدّرت فكرة “العودة إلى الحضن العربي من جديد”، لتطلق تصريحات سعودية ولأول مرة عن ضرورة البحث عن مقاربة جديدة مع النظام السوري، وصولاً إلى التأكيد رسمياً على وجود مباحثات، لفتح أولى أبواب استئناف العلاقات.
ولا يعرف بالتحديد حتى الآن إلى أين ستصل علاقة الدول العربية المستجدة مع النظام السوري، وما الأهداف الأساسية التي تسعى إليها، وما إذا كانت تنطلق في ذلك على شروط وتنازلات، لطالما دار الحديث عنها. وفي غضون ذلك لا يعرف موقف الدول التي تواصل التأكيد على مواقفها السابقة، وما إذا كانت ستنضم إلى الركب أم ستبقى بعيدة ومستقلة.
ويستعرض فريق “السورية.نت” في هذا التقرير أبرز مواقف الدول العربية من النظام السوري خلال السنوات الماضية، وصولاً إلى المسار الذي تسلكه حالياً حيال العلاقة مع نظام الأسد.
“بيدها أبرز المفاتيح”
أبرز الدول العربية التي كان ينظر إلى موقفها من النظام السوري بعين الاهتمام خلال الأيام والسنوات الماضية هي المملكة العربية السعودية، وكثيراً ما وصفت بأنها تمسك بأبرز مفاتيح فتح أبواب إعادة التطبيع مع الأسد.
وبعدما كانت على قطيعة معه استمرت لـ12 عاماً أكد مصدر رسمي في وزارة الخارجية فيها، قبل يومين، وجود مباحثات بين الرياض والنظام، من أجل استئناف الخدمات القنصلية، على أن يتم الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة فتح الأجواء أمام الطيران، حسب صحيفة “الشرق الأوسط”.
سحبت الرياض سفيرها لدى دمشق عام 2011، وجمدت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، على خلفية قمع قواته للمظاهرات الشعبية السلمية، ما خلف أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى.
وتبعتها بذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي عام 2012.
لكن ووفقاً لتقارير إعلامية كانت السعودية قد أعادت في مايو/أيار الماضي 2021 فتح قنوات مباشرة مع النظام، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، خالد الحميدان لدمشق، وهو ما نفته الرياض حينها.
وبينما بقيت هذه المعلومات مثار تكهن وشكوك، جاء الإعلان الرسمي عن وجود مباحثات حالية ليؤكد حدوث انعطافة من جانب المملكة، وذلك بعدما مهّد وزير الخارجية، فيصل بن فرحان مراراً عن ضرورة وجود مقاربة لحل الملف السوري، وأنها يجب أن تكون بالحوار مع النظام السوري.
“الإمارات تحمل الراية”
تستحوذ دولة الإمارات على النصيب الأكبر من العلاقة المستجدة عربياً بخصوص النظام السوري، ومع أنها فتحت سفاراتها في دمشق عام 2018، إلا أن تحركاتها خلال الأسابيع الماضية شرعّت الأبواب على نحو أكبر، وحتى أنها “حملت راية التطبيع”.
وكان بشار الأسد قد أجرى زيارة هي الثانية من نوعها إلى أبو ظبي، وسبق ذلك استقباله لوزير خارجية الإمارات في دمشق، لثلاث مرات، آخرها في أعقاب كارثة الزلزال المدمّر.
وأكد رئيس الإمارات، محمد بن زايد، لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد استقباله في أبوظبي على ضرورة عودة دمشق “إلى محيطها العربي”، وكتب على “تويتر”: “أجرينا مباحثات إيجابية وبناءة لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها”.
ويسود غموض بشأن المسار الذي تمضي من خلاله الإمارات مع النظام السوري، وما إذا كانت خطواتها مرتبطة بباقي الدول العربية، مثل السعودية أو الأردن ومصر، أم أنها تعمل بشكل منفرد ومستقل.
“المبادرات أردنية”
يعتبر الأردن من أبرز الدول التي أصرت في وقت مبكر على ضرورة إعادة فتح العلاقات مع النظام السوري، تمهيداً لعودته إلى الجامعة العربية، فيما اتجه مؤخراً لقيادة فكرة “المبادرة العربية” الخاصة بالملف السوري.
وفي آخر التطورات على هذا الصعيد ناقش وزير الخارجية، أيمن الصفدي مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون “المبادرة”، وأوضح أنها تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل “الأزمة” ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية، بحسب ما نقلت وكالة “عمون”.
وقال الصفدي إن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيل هذه المبادرة، مشيراً إلى استمرار التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها.
وسبق وأن اعتبر مراقبون أن فرص الحل الخاصة بـ”المبادرة” تبدو ضئيلة في ظل الظروف الحالية على الأرض، حيث تمكنت إيران من بناء إمبراطورية اقتصادية في سورية، وخاصة في الجنوب قائمة على صناعة وتهريب المخدرات.
لكن متغيرات عدة طرأت على المشهد السوري والإقليمي عقب الزلزال الذي ضرب سورية الشهر الماضي، وتجلت من خلال التقارب العربي مع نظام الأسد تحت ذارئع تقديم المساعدات لمتضرري الزلزال.
وكذلك، فإن الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، قد يسفر عن فتح أبواب عودة العلاقات بين السعودية ونظام الأسد، بحسب محللين.
“انضباط مصري”
في أعقاب كارثة الزلزال كان وزير الخارجية المصري، سامح شكري أبرز المسؤولين العرب الذين وصلوا إلى دمشق للقاء رأس النظام السوري، بشار الأسد.
ورغم أن هذه الخطوة كانت الأولى من نوعها من أكثر من عقد، إلا أن القاهرة لم تتبعها بأي خطوات أو تصريحات أخرى، حتى الآن.
وبدا الموقف المصري، خلال الأيام الماضية وكأنه يسير ضمن “إطار منضبط”، فيما لا يعرف الدور الذي من الممكن أن يلعبه في المرحلة المقبلة.
وكان موقف القاهرة الرسمي الداعم للثورة السورية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد قد تبدل منذ صيف 2013، حيث أطاح الجيش بإدارة محمد مرسي، وأصبح عبد الفتاح السيسي القائد الفعلي لمصر.
وسبق وأن أكد السيسي في 2013 دعم بلاده لقوات الأسد، وقال إن :الأولى لمصر أن تدعم الجيش الوطني في ليبيا وكذلك في سورية وأيضاً العراق، من أجل فرض الأمن في هذه البلدان”.
من جانبه أكد بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة “الوطن” شبه الرسمية في نهاية 2016، إن العلاقة مع مصر بدأت تتحسن “بعد زوال حكم الاخوان في مصر، وهي مازالت في طور التحسن”.
ورغم أن مصر كانت ترغب بإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، إلا أن ذلك واجهه تعقيدات، حسب ما وصفه وزير الخارجية، سامح شكري، في حديث لصحيفة “الأهرام” المصرية سنة 2021، إذ قال: “إن ما تعرض له الشعب السوري من كوارث ونزوحه خارج سورية، وتفاعلات السياسات الدولية، تضع قيودًا على الحركة الإقليمية تجاه سورية”.
وأضاف أن “الجميع يتعاطف مع سورية كدولة وشعب”، ولكن مسألة عودة العلاقات “أمر فيه بعض التعقيد”.
“قطر تدعم المبادرات”
لم يتغير موقف قطر من النظام خلال السنوات الماضية، بحسب حديث المسؤولين القطريين، على رأسهم وزير الخارجية، والذي سبق وأن تحدث عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين.
في الوقت الحالي تشير آخر التصريحات الرسمية إلى أن الدوحة “تدعم جميع المبادرات التي تهدف إلى إيجاد سلام شامل في سورية يحقق تطلعات الشعب السوري”.
وقال الناطق باسم الخارجية، ماجد الأنصاري، قبل أيام: إن “دولة قطر منخرطة في العديد من المبادرات والجهود، التي تسعى لحل الأزمة السورية”، مضيفاً أن “هناك اتصالات تجري في هذا الشأن”، وأن بلاده “مع أي جهد سيؤدي إلى تحقيق السلام الشامل في سورية، وحل الأزمة السورية من خلال تطبيق بيان جنيف 1، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
وقبل ذلك أكد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن قرار استبعاد سورية من جامعة الدول العربية كان لأسبابٍ وجيهة لكنّ تلك الأسباب لم تتغير.
وأعرب عن استعداده “للمشاركة في أي محادثات، في حال كان لدينا عملية سلام حول مستقبل سورية ومطالب شعبها”، متسائلاً ما إذا كان العالم “مُجبراً على قبول رئيس قهر شعبه وارتكب المجازر ضدهم وهجر الملايين كما فعل نظام الأسد في سورية”.