بعد 11 عاما من الحرب، لعل خير توصيف سياسي يطلق اليوم على النظام الجاثم على قلب دمشق، أنه نظام مفلس. فهو مفلس سياسيا لأنه يتوجس خيفة من أية خطوة إلى الأمام خشية أن تكون بداية النهاية له، فيعمد إلى المراوغة والتسويف وإضاعة الوقت، كما يفعل منذ سنوات في جنيف وأستانة وغيرهما من المحطات.
وهو مفلس اقتصاديا، حيث همه اليومي هو تأمين ما تحت الحد الأدنى من الخدمات الأساسية التي انهارت بشكل شبه كلي خلال السنوات الماضية، من كهرباء ووقود وصحة، وفتات رواتب لا تسمن ولا تغني، بينما توقفت عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي في ظل فقدان معظم موارد النفط والغاز، وحالة المقاطعة الدولية للنظام بسبب سياساته القمعية مع شعبه.
وقبل هذا وذاك، فهو مفلس أخلاقيا إلى درجة البلادة التامة، فلا يرف له جفن حيال الدماء الكثيرة التي سفكها، والبيوت والمدن التي هدمها، والملايين الذين هجرهم، ولا يجد غضاضة حتى في التغاضي عن جرائم مفضوحة، مثل مجزرة التضامن.
وهذه الحقيقة، أي إفلاس النظام التام، وعدم قابليته للتبدل أو الإصلاح بأي شكل من الأشكال، حاول بعض العرب القفز عنها في بعض المراحل، والتسويق لمقولة الانفتاح على النظام تارة بحجة مساعدة الشعب السوري إنسانيا، وتارة أخرى، بحجة تشجيع النظام على سلوك درب الحل السياسي، أو إبعاده عن أحضان إيران، وغير ذلك من الذرائع التي تثبت الوقائع بشكل دائم بطلانها.
وبعد أن سعى طوال شهور مديدة لتسويق ضرورات الانفتاح على النظام في دمشق، ها هو الأردن يكتشف عدم جدوى هذه الجهود، ويتيقن بالعين واليد أنه أمام حالة مستعصية (فالج لا تعالج) حيث قابل النظام جهود الأردن على الساحتين الإقليمية والدولية بكثير من عدم الاكتراث، ليس لأنه يرفض انفتاح العالم عليه، بل لأنه بات محكوما بواقع جديد، حيث لا سلطة مركزية واضحة في الداخل بعد أن تغول أمراء الحرب وبات كل منهم يعمل ضمن “قطاعه” لحساب الخاص، بينما القرار الخارجي تتنازعه كل من روسيا وإيران.
وخلال الشهور الماضية عقدت الكثير من الاجتماعات في دمشق وعمان، وعلى طرفي الحدود من أجل تحقيق السيطرة المشتركة على الحدود، لكن في النتيجة خرج مسؤول أردني رفيع للقول إننا لا نجد شريكا على الطرف الآخر لضبط الحدود التي باتت مكرسة بالكامل لتهريب المخدرات باتجاه الأردن، ومنه إلى دول الخليج، بعد أن نقل النظام وحزب الله بعض مصانع إنتاج حبوب “الكبتاغون” إلى ريف السويداء، قرب الحدود مع الأردن.
وبطبيعة الحال، ليس النظام بأجهزته الأمنية وقواته العسكرية عاجزاً عن ضبط الحدود إن أراد، لكن الحقيقة هي أن المكلفين بضبط الحدود، أي قادة الأجهزة الأمنية في الجنوب السوري، منخرطون هم أنفسهم بعمليات تهريب المخدرات، بل يشرفون عليها، ليس لحساب نظام الأسد وحزب الله فقط، بل لحسابهم الشخصي أيضا، وهي تجارة تدر مئات ملايين الدولارات سنويا.
ولن يمر وقت طويل حتى تكتشف دول أخرى مثل الإمارات أنها تجري في علاقاتها مع نظام الأسد خلف سراب. فأبو ظبي التي كانت الوحيدة ما عدا طهران وموسكو، التي تستقبل بشار الأسد منذ عام 2011، تبرر ذلك بضرورة السعي لإبعاده عن إيران، لكن الحقيقة الملموسة هي أن النظام يقترب يوميا أكثر من إيران، خاصة بعد انشغال الروس بالحرب مع أوكرانيا، ما جعل طهران هي ملاذه الآمن.
وحتى روسيا نفسها، قد لا يطول الزمن حتى ترمي هذا الحمل عن أكتافها، وتقتنع أنها تورطت في دعم نظام غير قابل للحياة، ولم تعد تربطه بمعظم الشعب السوري أية روابط، ولا يمكن إعادة تأهيله أمام شعبه، ولا أمام المجتمع الدولي.
وفي النتيجة، لن يبقى للنظام سوى إيران و”محور المقاومة”، القائم على قواعد طائفية ودعائية توظيفية، وليس لدى هذا المحور ما يقدمه لنظام الأسد المفلس، لأنه هو نفسه مفلس ماليا وسياسيا وأخلاقيا، يتستر بشعارات المقاومة ومحاربة إسرائيل، وهي ورقة بدأ يخف بريقها، وتبطل فاعليتها بعد أن شهد العالم كيف يواجه الشعب الفلسطيني الأعزل وحيدا إسرائيل، دون أي مساندة من هذا المحور المقاوم المزعوم.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت