في نيسان من عام 2011 ومع حالة الغليان الشعبي التي شهدتها محافظة درعا، التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة السورية، عيّن رأس النظام السوري، بشار الأسد اللواء محمد خالد الهنوس محافظاً خلفاً لفيصل كلثوم، والذي أقيل من منصبه في 24 من آذار العام ذاته، في خطوة لم تجدِ في احتواء الاحتجاجات الشعبية، التي اندلعت بعد مقتل أطفال ومدنيين على يد قوات الأمن التابعة لنظام الأسد.
تعيين “الهنوس” في تلك الفترة جاء في محطة فاصلة في تاريخ درعا، ومع مرور السنوات وتبدل السيطرة على الأرض، من نفوذ شبه كامل على المحافظة من جانب فصائل “الجيش الحر”، وصولاً إلى سيطرة قوات الأسد على الجزء الأكبر منها، في عام 2018 بموجب اتفاق “التسوية”، حافظ الهنوس على منصبه، ليفقده في الوقت الحالي، إثر مرسوم أصدره الأسد.
وكما هو الظرف الذي عيّن فيه “الهنوس” كمحافظ لدرعا، في محطة تعتبر فاصلة، أقيل بشكل مفاجئ، وفي محطة فاصلة أيضاً، وسط محاولات من جانب نظام الأسد بسط السلطة الأمنية كاملةً على المحافظة، ولاسيما مع حالة فوضى كبيرة شهدها، منذ اتفاق “التسوية”، تمثلت باغتيالات وعمليات قتل، طالت شخصيات معارضة وأخرى تتبع لنظام الأسد.
ويعتبر الهنوس أقدم محافظ في سورية تتم إقالته ضمن سلسلة المراسيم التي أصدرها الأسد، والتي أفضت إلى تغيير أربعة محافظين، في كل من الحسكة والقنيطرة ودرعا وحمص.
قيام السيد اللواء محمد خالد الهنوس محافظ درعا بجولته على شركة كهرباء درعا
Gepostet von الشركة العامة لكهرباء محافظة درعا am Montag, 13. März 2017
“عميد محافظي سورية”
نظراً للفترة الطويلة التي أمسك بها “الهنوس” بمحافظة درعا لقب بين الأوساط الموالية لنظام الأسد بـ”عميد محافظي سورية”.
ورغم محاولات تخفيف حالة الاحتقان الشعبي في درعا، مطلع 2011، من جانب نظام الأسد بتعيين “الهنوس”، إلا أنها لم تفضِ إلى أي نتيجة، بل على العكس توسعت رقعة الاحتجاجات، ولاسيما أن المطالب كانت تركّز حينها على محاسبة عاطف نجيب رئيس الأمن السياسي لدرعا إلى جانب المحافظ فيصل كلثوم، دون أي استجابة فعلية من جانب الأسد.
عرض “الهنوس” بعد توليه منصب المحافظ رؤية نظام الأسد، في التعامل مع المحتجين، مؤكداً بذلك على عدة مسارات، أبرزها “العمل تحت سقف الوطن” وتحت “قيادة الرئيس بشار الأسد”.
وفي تصريحات له، في تموز 2011، أي بعد ثلاثة أشهر من تعيينه قال لوجهاء درعا: “نلتقي تحت سقف الوطن والالتزام بحب الوطن من أجل بناء وترميم ما تم تخريبه في الأحداث الأخيرة، من صيانة الكهرباء والماء ومعالجة الحالات التي تعطل عجلة الإصلاح من فوضى وفساد”.
ولدى سؤاله حول المظاهرات في يوم “جمعة التحدي“، أجاب الهنوس، حينها: “إذا كان لديهم إذن ولم يكونوا مسلحين، ليست هناك أي مشكلة”.
تسيير الأمور عن بعد
وكغيره من المحافظين الذين خرج جزء كبير من محافظاتهن عن سيطرة نظام الأسد لصالح فصائل المعارضة، استمر “الهنوس” بالإطلالات بين الفترة والأخرى، مؤكداً فيها على التزام “الجيش السوري” بـ”محاربة الإرهاب”، من أجل البدء بإعمار المناطق، وتأهيل البنى التحتية فيها.
وعلى مدار مدار خمس سنوات، من انسحاب قوات الأسد من مناطق واسعة من درعا، أطلق “الهنوس” عدة تصريحات، أكد فيها أن محافظة درعا بجميع مؤسساتها الخدمية “لن توفر جهداً في تحسين الواقع الخدمي رغم ما تتعرض له البنى التحتية من اعتداءات إرهابية”.
كما التقى في عدة مرات ممثلين من منظمات دولية، من الأمم المتحدة ومنظمة “يونيسف” والبرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة أيضاً، وهو أمر شابه فيه طلال البرازي، والذي تحرك في ذات السياق في أثناء خروج أحياء حمص عن سيطرة نظام الأسد.
نشاط واسع بعد 2018
بعد توقيع اتفاق “التسوية” في درعا، في 2018، برز “الهنوس” على الواجهة بشكل لافت، مطلاً بذلك من عدة مسارات، سواء في الشق العسكري والأمني الذي تشهده محافظة درعا، أو الشق الخدمي والإداري، والذي روّج له بشكل كبير.
وفي أثناء انسحاب فصائل المعارضة إلى الشمال السوري، وتسليم مناطقها لقوات الأسد والشرطة الروسية، ومع المطالب التي تجددت في درعا لإخراج المعتقلين وكف يد “الأجهزة الأمنية”، نشر حديثٌ لـ”الهنوس” خلال اجتماع مع وجهاء المحافظة، للوقوف على مطالب الأهالي والضائقة الاقتصادية التي تعيشها المحافظة قائلاً: “هذا الموجود والي مو عاجبو الحدود بتفوّت جمل، الله معاكن عندي شغل”.
وفي سياق تحركاته بعد اتفاق “التسوية” أيضاً التقى، في تشرين الأول 2018، بـ”أبو الفضل الطباطبائي”، ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، في سورية.
ونشرت صفحة “حزب البعث- فرع درعا” عبر “فيس بوك”، حينها، صوراً أظهرت لقاء الطباطبائي مع “الهنوس” وأمين فرع درعا للحزب، حسين صالح الرفاعي، وقائد شرطة المحافظة اللواء محمد رامي.
وأرجعت سبب الزيارة إلى “تقديم الطباطبائي التبريكات والتهنئة بانتصارات قوات الأسد في محافظة درعا وعودة الأمن والأمان بعد السيطرة عليها وتحريرها من الإرهاب”.
وحاول “الهنوس” تصدير نفسه أيضاً، بالإضافة إلى ما سبق في محاولات نظام الأسد لإعادة اللاجئين من الأردن إلى محافظة درعا، وعملية إعادة فتح معبر نصيب، لكسب منافع اقتصادية، بعد سنوات من تجميده.
محافظ برتبة لواء
يعتبر “الهنوس” محافظ برتبة لواء، أي أنه يجمع العسكرة مع العمل الإداري والمدني المناط بمنصبه، وبحسب مرسوم الإقالة الذي أصدره الأسد، جاء خلفاً له محافظ برتبة لواء أيضاً وهو “مروان إبراهيم شربك”.
وينحدر شربك من محافظة اللاذقية، وكان قائداً لسلاح الإشارة في “الحرس الجمهوري”، أحد التشكيلات العسكرية البارزة في قوات الأسد.
وتأتي التغييرات التي أقدم عليها الأسد في محافظة درعا، في ظل تطورات متسارعة تشهدها، وخاصةً الريف الغربي لدرعا، والذي تحاول قوات الأسد بسط سلطتها الأمنية فيه، وسحب السلاح من يد العناصر، الذين دخلوا في اتفاق “التسوية”، مؤخراً.