بينما يستعد الأتراك للتوجه إلى صناديق الاقتراع لإجراء جولة الإعادة الرئاسية، يراقب ملايين اللاجئين السوريين في البلاد بقلق، وهم غير متأكدين من الكيفية التي يمكن أن تشكل بها النتيجة مستقبلهم.
وسيواجه الرئيس رجب طيب أردوغان زعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، يوم غد الأحد، في جولة التصويت الثانية والنهائية، التي ستحدد نتائجها اسم الرئيس الثالث عشر للبلاد.
وكانت الهجرة واللجوء قضية مركزية في الانتخابات، وشهدت الحملة تعهد العديد من السياسيين المعارضين بطرد اللاجئين والمهاجرين بينما سلطت الحكومة الضوء على خططها للمضي قدماً في ما تصفه بالإعادة “الطوعية”.
ووفقاً للأمم المتحدة استقبلت تركيا 3.7 مليون لاجئ، أي أكثر من أي دولة أخرى في العالم.
وفي السنة التي سبقت الانتخابات، تزايد الضغط على اللاجئين والمهاجرين، ولا سيما السوريين، خلال أزمة اقتصادية مع ارتفاع معدلات التضخم وانهيار الليرة وتفاقم أزمة تكلفة المعيشة.
وترك هذا الوضع العديد من السويين قلقين للغاية بشأن مستقبلهم في البلاد.
ويقول حبيب، 23 عاماً، الذي تم تغيير اسمه لحماية هويته: “لا أعرف ماذا سيحدث بعد الانتخابات”.
ويضيف: “[السياسيون] يقولون إنهم يريدون إعادة جميع السوريين. نعاني جميعاً من القلق في هذه الفترة”.
“تصاعد القومية”
وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، الغالبية العظمى من اللاجئين في تركيا – 3.6 مليون – سوريون يعيشون تحت “وضع الحماية المؤقتة”.
في غضون ذلك حصل نحو 200 ألف سوري على الجنسية التركية منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، بحسب أرقام حكومية.
وفي حين رحبت تركيا في البداية باللاجئين، ووفرت لهم المأوى والوصول إلى التعليم بمليارات اليورو من تمويل الاتحاد الأوروبي، نمت المشاعر المعادية للاجئين في السنوات الأخيرة.
وأصبح اللاجئون كبش فداء لمشاكل تركيا الاقتصادية، والتي أدت في بعض الأحيان إلى العنف.
ويقول محمد صديق يسار، الذي يدير جمعية تضامن “Tarlabaşı”، وهي مجموعة تضامن مع اللاجئين في اسطنبول، إن المشاعر المعادية للاجئين اشتدت في الفترة التي سبقت الانتخابات.
ويضيف لموقع “الجزيرة“: “كونك لاجئاً يعني أنك هنا اليوم، لكن ليس لديك أي ضمانات ليوم غد”.
“الناس يسألوننا ماذا نفعل. إنهم يخشون أن تزداد العنصرية بعد الانتخابات. أنا أعمل مع اللاجئين منذ سنوات عديدة، ولم أر قط شيئاً مثل هذا العام”.
وتجلت المشاعر المتزايدة المعادية للاجئين في صناديق الاقتراع في الجولة الأولى من الانتخابات حيث قدم القوميون أداءً قوياً، ولا سيما المرشح الرئاسي القومي اليميني المتطرف سنان أوغان، الذي فاز بنسبة 5.2 في المائة غير متوقعة من الأصوات.
وترشح أوغان كمرشح لتحالف “الأجداد” بقيادة حزب النصر القومي المتطرف المناهض للمهاجرين. ومنذ ذلك الحين أيد أردوغان.
وأوضح سونير كاجابتاي مدير برنامج البحوث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن “أوغان ظاهرة مثيرة للاهتمام ومهمة في السياسة التركية”.
ويقول: “لقد احتشد حول قضية واحدة فقط، برنامج مناهض للاجئين والمهاجرين”.
ويضيف كاجابتاي: “مع عدم وجود وصول لوسائل الإعلام، لا مسيرات ولا أموال بشكل أساسي، حصل على 5 في المائة”.
ومنذ الجولة الأولى، ضاعف كيليتشدار أوغلو، المدعوم من تحالف واسع من أحزاب المعارضة، موقفه بشأن عمليات الترحيل.
وقال الأسبوع الماضي مخاطباً أردوغان: “أنت لم تحمي حدود بلادنا وشرفها. بمجرد أن أتولى السلطة سأعيد جميع اللاجئين إلى ديارهم”.
“الإعادة الطوعية”
وفي مواجهة هجمات المعارضة على الهجرة، مضت الحكومة قدماً في المحادثات مع النظام السوري، فيما يبدو أنه يشير إلى دفء العلاقات.
واجتمع وزراء خارجية تركيا والنظام وإيران في موسكو هذا الشهر في إطار جهود الكرملين للتوسط في التقارب بين الحكومتين التركية والتابعة للأسد بعد سنوات من العداء، والعمليات العسكرية التركية المتعددة في شمال سورية.
من جهته، طالب الأسد بانسحاب تركيا من الأراضي الخاضعة لسيطرتها في شمال غرب سورية.
وعقدت المحادثات في وقت تحرك العديد من قادة المنطقة لتطبيع العلاقات مع الأسد.
وفي منتصف مايو/أيار الحالي، أعيد قبول النظام السوري في جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويته لأكثر من عقد من الزمان.
وقال كيليجدار أوغلو إنه يعتزم إعادة العلاقات مع الأسد، بينما قال أردوغان في وقت سابق إنه قد يلتقي بالأسد لإجراء محادثات.
وإلى جانب التحركات نحو التقارب المحتمل، مضت حكومة أردوغان في خطتها للاجئين “لإعادة التوطين طوعياً” في مناطق في سورية، تحت السيطرة الأمنية التركية.
وأوضح أردوغان هذا الشهر في اجتماع للشباب في حزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعمه: “لقد بنينا أكثر من 100 ألف منزل [للاجئين] في شمال سورية. تدريجياً بدأ اللاجئون السوريون في الاستقرار في هذه المساكن”.
وأضاف أردوغان أنه “لا يوجد حد زمني لهذه القضية”، و”نحن نبذل قصارى جهدنا لدعمهم ومساعدتهم في هذا الصدد”.
“لا يوجد حل سهل”
ووفقاً لوزارة الداخلية التركية، عاد ما يقرب من 58 ألف سوري إلى وطنهم من تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 إلى تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.
وفي تقرير صدر عام 2022، وثقت هيومن رايتس ووتش مئات عمليات الترحيل من فبراير / شباط إلى يوليو / تموز من العام الماضي، والتي قالت الحكومة إنها مغادرة طوعية.
ويشعر العديد من السوريين بالقلق من احتمال العودة إلى وطنهم مع استمرار الحرب هناك، إذ قال حبيب إنه يخشى تجنيده في الجيش إذا عاد إلى سورية.
وأضاف: “إذا تم نقلي إلى بشار (الأسد) فسأكون في حالة حرجة للغاية، ولن يكون لدى عائلتي من يعولهم”.
بدوره أوضح سالم جيفيك، الباحث في مركز دراسات تركيا التطبيقية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أنه “لا يوجد حل سهل وسريع لقضية الهجرة في تركيا”.
وقال: “لا توجد سياسة عودة ممكنة في أي وقت قريب”، مضيفاً: “ربما تجد السياسة الأكثر واقعية طرقاً لدمجهم في المجتمع التركي. لكن هذا شيء لا يمكن لأي سياسي أن يقوله علناً”.