اندماجٌ من بوابة العادات.. السوريون في اسطنبول ملزمون على حضور دورات للاندماج في المجتمع المُضيف
وجد السوريون أنفسهم أمام مساعٍ “إلزامية” للاندماج في مجتمعٍ ليس بجديد عليهم، مجتمعٌ لجأوا إليه منذ أكثر من سبع سنوات، وربما اعتادوا عليه رغم ما فيه من مصاعب، حين كانت تركيا الخيار الأنسب أو الأوحد لأكثر من 3.5 مليون سوري، بحكم التقارب الجغرافي والمجتمعي والديني.
ورغم كل ما يشاع بين الحين والآخر عن نعرات “عنصرية” بين اللاجئين السوريين والأتراك، ناجمة عن اختلاف لغوي وثقافي، يسعى بعض المسؤولين الحكوميين في تركيا إلى إخماد تلك النعرات، بإطلاق تصريحات من شأنها تهدئة الوضع تحت بند “السوريون ضيوف”، إلا أن تلك التصريحات أخذت منحى آخر، حين بات لزاماً على هؤلاء الضيوف حضور دورات مؤسساتية للاندماج في المجتمع التركي، تجنباً لأي احتقان.
منذ مطلع الشهر الجاري، أبلغت دائرة الهجرة التركية في مدينة اسطنبول، اللاجئين السوريين بحضور دورات “إلزامية”، تنظمها دائرة الهجرة بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم التركية، تتمحور حول سبل اندماج السوريين في المجتمع التركي، عبر التعرف على عاداته وتقاليده، ومعرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.
عادات الأتراك في متناول السوريين
بدأت وزارة التربية التركية بتنظيم دورات الاندماج، منذ 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عبر مراكز التعليم الشعبي التابعة لها (halk eğitim) في ولاية اسطنبول، وبالتحديد في منطقة الفاتح، التي تضم عدداً كبيراً من السوريين.
المختص في شؤون الأجانب بمراكز التعليم الشعبي، عبد المؤمن حسامي، قال في حديث لموقع “السورية نت”، إن برنامج دورة الاندماج يتركز حول مواضيع عدة، تصب بمجملها في التعرف على عادات المجتمع التركي، والقوانين السائدة في تركيا، بالإضافة إلى تعريف السوريين بحقوقهم وواجباتهم في هذا البلد.
وأضاف حسامي، المسؤول عن تنسيق برامج الاندماج، أن الدورة تضم ثمانية دروس تعريفية، موزعة على ست ساعات، مشيراً إلى أن بعض المراكز تنجزها في يوم واحد وأخرى خلال يومين، حسب قدرة كل مركز.
وحول إلزامية الدورة، قال حسامي إن دائرة الهجرة لم تصدر قراراً رسمياً بإلزامية هذه الدورات، إلا أنها تتجه نحو جعلها إلزامية، وهذا ما جرى في بعض المدراس، التي أبلغت أولياء أمور الطلاب السوريين بأن حضور هذه الدورات إلزامي، وقد تُطلب منهم شهادة الحضور خلال المعاملات الرسمية.
ومن المقرر، بحسب حسامي، أن تغطي تلك الدورات منطقة الفاتح ثم تتوسع إلى بقية مناطق اسطنبول، والولايات التركية الأخرى.
مريم (27 عاماً)، حضرت دورة الاندماج في إحدى مراكز التعليم الشعبي بمنطقة الفاتح على مدى يومين، وأوضحت لـ “السورية نت” أن المحاور التي تم التركيز عليها في اليوم الأول كانت بالمجمل حول العادات التي يمارسها الشعب التركي بشكل يومي، مثل طريقة الترحيب والتعارف والعادات التي يتبعها الأتراك في المناسبات (رمضان- الأعياد- العزاء- الأفراح…)،
أما اليوم الثاني ضم تطبيقات عملية بشكل أكبر، مثل التعريف بأرقام الطوارئ في تركيا، وكيفية التصرف في حال الوقوع بأزمة، وكيفية التواصل مع الدوائر الرسمية، وغيرها من الأمور، بحسب مريم.
وأضافت مريم، التي انتسبت إلى دورة الاندماج عن طريق الشركة التي تعمل بها، أنه في ختام الدورة تم توزيع عريضة على المنتسبين، يُكتب عليها اسم المنتسب ورقم الهوية (الكيملك) أو الإقامة، والمعلومات الشخصية، بالإضافة زاوية صغيرة يكتب فيها المنتسبون مطالبهم واحتياجاتهم.
كما ستوزع مراكز التعليم الشعبي شهادات حضور على المنتسبين، منذ مطلع الشهر المقبل، صادرة عن مديرية التعليم مدى الحياة، التابعة لوزارة التربية، على أن يتم استخدامها كورقة أساسية في المعاملات الرسمية للسوريين في تركيا (تجديد إقامة- تحديث بيانات- إذن سفر..)، حسبما تم إبلاغ مريم في ختام الدورة.
توقيت “متأخر”.. لماذا الآن؟
يتساءل الكثير من السوريين عن سبب تأخير دورات الاندماج في تركيا، خاصة أن أغلبهم مضى على بقائه في تركيا أكثر من ثلاث سنوات، في حين لجأ بعضهم إلى تركيا منذ أكثر من سبع سنوات، وانخرط في الحياة العملية إلى جانب الأتراك.
تقول مريم، التي حضرت دورة الاندماج، إن المعلومات التي حصلت عليها خلال الدورة ليست جديدة بالنسبة لها، على اعتبار أنها قدمت إلى تركيا قبل أكثر من أربع سنوات، ودرست وعملت فيها، مشيرة إلى أنها اكتسبت تلك المعلومات من خلال انخراطها في المجتمع التركي، وتابعت “كنت أتمنى لو تم تنظيم مثل هذا النوع من الدورات في بداية موجة اللجوء إلى تركيا”.
في حين قالت لينا (30 عاماً)، إنها حققت فائدة من حضورها لدورة الاندماج، مشيرة في حديث لموقع “السورية نت”، أن أكثر ما استفادت منه هو التعرف على حقوق اللاجئين السوريين والأجانب في تركيا، على اعتبار أنه أمر يُطرح للمرة الأولى أمامها، على حد قولها.
وأضافت “أصبحنا نعرف أن لدينا حقوق وواجبات في هذا البلد، إذ نستطيع التقدم بشكوى في حال تعرضنا لأي انتهاك، كما أننا نُحاسَب على أي جرم نرتكبه بموجب القانون التركي، كما هو الحال بالنسبة للأتراك تماماً”.
أما نسرين (32 عاماً)، والتي تدرس الإعلام والاتصال في إحدى الجامعات التركية، تقول لـ “السورية نت “، إن حضورها لدورة الاندماج كان مفيداً بالنسبة لها، خاصة في موضوع التعرف على أرقام الطوارئ وكيفية التواصل مع دوائر الدولة في حال الوقوع بأزمات.
وأضافت “موضوع الطوارئ كان جديداً بالنسبة لي، ومهم في الوقت ذاته، على اعتبار أني أسكن لوحدي في مدينة اسطنبول”.
ويعيش في تركيا ما يزيد على 3.5 مليون سوري، منحت الحكومة التركية معظمهم بطاقة الحماية المؤقتة، أو ما يعرف بالـ “كيملك”، حيث يواجهون مصاعب عدة في الاندماج بالمجتمع التركي، أبرزها عائق اللغة والاختلافات الثقافية، ما أدى إلى حدوث نعرات بين السوريين وأصحاب المجتمع المُضيف، تم احتواؤها من قبل بعض المسؤولين في الحكومة التركية.
وتعليقاً على ذلك، قال المختص في شؤون الأجانب بمراكز التعليم الشعبي، عبد المؤمن حسامي، لـ “السورية نت”، إن من شأن دورات الاندماج تخفيف أي احتقان محتمل بين السوريين والأتراك، معتبراً أن الخلافات بين الطرفين ناجمة عن أسباب “بسيطة”، يمكن تلافيها في حال تعرف السوريون على عادات وتقاليد وثقافة المجتمع التركي.