انفصام موصوف بين إيران ونظام الأسد
جرى الأربعاء الماضي في دمشق التوقيع على اتفاق شامل للتعاون العسكري بين إيران ونظام بشار الأسد الحدث يعبر في الشكل والمضمون عن أزمة، بل أزمات النظامين مجتمعين ومنفردين خاصة مع التصريحات التي قيلت على هامش التوقيع.
بداية أعتقد أن إيران تعمدت الإعلان عن الاتفاق فى هذا الوقت بالذات لعدة أسباب، أولها أو قاعدتها التفاخر المتجذر في سياسة النظام الساعي دائماً إلى تجاهل وإنكار الأزمات الداخلية العميقة التي يعاني منها، كما التراجعات الإقليمية اللافتة والواسعة أيضاً. علماً أن التفاخر غالباً ما يترافق مع الإنكار في سياساته الداخلية والخارجية، وهو ما أشار إليه أحد العلماء الإيرانيين-نيويورك تايمز 5 مارس- في توصيف دقيق وعلمي طبعاً لتعاطي النظام مع جائحة كورونا التي عادت الآن بموجة ثانية أشدّ فتكاً تودي بحياة مواطن كل 10 دقائق، كما قال منذ أيام حسام الدين أشينا مستشار الرئيس حسن روحاني.
إذن يسعى النظام الإيراني من وراء الاتفاق الدعائي وغير القابل للتطبيق العملي أصلاً للإيحاء أنه يتصرف بشكل طبيعي رغم الأزمات والتراجعات والضربات والحصار، وهو انفصام نجده أيضاً عند نظام الأسد الفاقد للسيادة والاستقلال والعاجز أيضاً أمام أزماته السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة وغير القادر حتى على إنفاذ الاتفاق الذي وقّع عليه.
فيما يخص التوقيت أيضاً لا شك أن النظام الإيراني يسعى للتغطية على التفجيرات “الإسرائيلية” المتزايدة التي استهدفت مواقع عسكرية ونووية رئيسية وكبرى في طول البلاد وعرضها، والتي أكدت ضعفه وانكشافه حتى في عقر داره، وحسب منطق التفاخر المتغطرس نفسه يمكن القول إنه يرى الاتفاق كنوع من الردّ عليها تماماً كاعتبار نظام الأسد قصف المدنيين السوريين المعارضين ومؤسساتهم وممتلكاتهم ردّاً على الغارات الإسرائيلية الفاضحة لضعفه وعجزه وفقدانه السيادة. وأعتقد أن لا شيء يشرح هذه الذهنية أفضل من رواية الحشد الشعبي الإعلامي الذي اعتبر انقلاب الحشد الحوثي على الثورة اليمنية واحتلاله العاصمة صنعاء بمثابة ردّ لمحور الممانعة المزعوم على غارة إسرائيلية استهدفت قادة الحشد العسكري بسوريا وأودت بحياة جنرال إيراني كبير ونجل القيادي البارز بحزب الله عماد مغنية، بينما الردّ الحقيقي الجدّي والعملي لم يأتِ حتى الآن وما زال بانتظار الزمان والمكان المناسبين.
هذا شكلاً أو منهجياً للدقة؛ أما مضموناً فتحدث رئيس الأركان الإيراني محمد باقري في مراسم التوقيع عن نية بلاده تقوية منظومات الدفاع الجوّي لنظام الأسد، وهذا أيضاً تفاخر بل انفصام موصوف يثير أسئلة عديدة كون إيران نفسها لا تمتلك سلاح جو فعّالاً أو منظومة دفاعية لافتة، بينما عبر إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية في طهران – كانون ثاني/ يناير الماضي – عن الواقع المتردي للمنظومة الدفاعية الإيرانية مع الانتباه إلى أن نظام الأسد يمتلك أصلاً منظومة أس. أس. 300 الروسية المتطورة والتي استجدت إيران الحصول عليها حتى أنها دفعت ثمنها كاملاً ومقدماً قبل أن تماطل روسيا في التسليم وإتمام الصفقة نتيجة ضغوط أمريكية وإسرائيلية، وإذا كان النظام عاجزاً عن الاستخدام العملي والناجع للمنظومة الروسية المتطورة فلن يستطيع الاستفادة من أي منظومات أخرى أقل جودة مع خضوعه التام للهيمنة الروسية والانتباه إلى تفاهم، بل تواطؤ سياسي صارخ بين وموسكو وتل أبيب وعدم ممانعة الأولى استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية لمنع التموضع الإيراني الاستراتيجي في سوريا.
في السياق السياسي لا شك أن الاتفاق يمثل ردّاً إيرانياً على الحديث عن الانكفاء أو التراجع لصالح روسيا والزعم أنها ما زالت حاضرة في القضية السورية وقادرة حتى على تسليح وتطوير النظام عسكرياً، وهذا افتخار وانفصام موصوف أيضاً، لأن الانكفاء الإيراني واضح ولا تخطئه العين في سوريا والمنطقة بشكل عام.
ثمة بُعد اقتصادي مهم للاتفاق يطرح علامات استفهام حول الجهة التي ستموّل عملية التحديث والتقوية في ظل الأزمة، بل الانهيار الاقتصادي الإيراني ومطالبة بعض المسؤولين لنظام الأسد برد القروض والمساعدات التي حصل عليها – 30 مليار دولار تقريباً – علماً أن هذا الأخير مأزوم ويعاني أيضاً من انهيار العملة والاقتصاد ككل حتى قبل تنفيذ قانون قيصر “الأمريكي” الذي سيقضي على أي أمل له بالتعافي تحت غطاء الإنجازات العسكرية الوهمية التي روّج لها الحشد الشعبي الإعلامي خلال الفترة الماضية.
الشقّ الاقتصادي يثير طبعاً الشك حول الاتفاق كله، ويؤكد أنه عمل دعائي تفاخري وانفصام تقليدي وموصوف لأنظمة الاستبداد المتداعية والمنهارة.
كان لافتاً إقحام رئيس الأركان الإيراني لتركيا في حديثه على هامش التوقيع ولو بلهجة ناعمة والزعم أنها متأخرة قليلاً في تنفيذ التزاماتها بموجب تفاهمات عملية آستانة، داعياً إياها إلى مناقشة مشاكلها الأمنية مع النظام دون الوصول إلى تبني لغة وزير الخارجية جواد ظريف عن تفهم الهواجس والاحتياجات الأمنية لأنقرة. وهنا أيضاً ثمة محاولة إيرانية للتدخل في النقاش التركي الروسي فيما يخص الوضع في إدلب ومناطق خفض التصعيد بشكل عام، مع العلم أن أستانة هي في الحقيقة اثنان زائد واحد، وإيران تبدو ملحقة وعضواً غير أساسي بها. ومن جهة أخرى فإن تركيا تناقش احتياجاتها وهواجسها الأمنية مع اللاعبين الأساسيين والكبار في سوريا والمنطقة، وهي غير مضطرة للنقاش مع النظام فاقد الشرعية والحيلة والسيادة والذي لا مكان له في مستقبل سوريا حسب الخطاب السياسي التركي الدارج.
وزير دفاع النظام علي أيوب تحدث بمصطلحات خشبية عن صمود حلف المقاومة المزعوم، وعدم استطاعة أمريكا كسره، رغم تعاون هذه الأخيرة مع إيران على احتلال العراق وتدميره ونهب خيراته وثرواته، كما عدم ممانعة واشنطن – باراك أوباما التدخل الإيراني في سوريا، الذي تم بضوء أخضر أو برتقالي منها، بينما تسعى واشنطن – دونالد ترامب إلى إعادة إيران لحجمها الطبيعي بعدما أدت المطلوب منها لجهة إضعاف وتدمير العراق وسوريا ونهب خيراتهما.
الأهم من ذلك كان حديث أيوب عما سماها تضحيات جيش النظام التي ساهمت في الحفاظ على بنية الدولة السورية حسب تعبيره الحرفي، وهذا أيضاً انفصام موصوف كون الثوار يمثلون الجيش السوري الأصيل. أما عصابات وميليشيات النظام فعجزت عن هزيمة الثورة رغم ارتكاب جرائم حرب موصوفة وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الثائر قبل الاستعانة بإيران وميليشياتها الطائفية، ثم بروسيا نفسها لإبقائه أي النظام في السلطة حتى مع فقدانه السلطة والسيادة لصالحهم.
في كل الأحوال يبدو الاتفاق دعائياً صرفاً يعبر عن مأزق طرفيه وانفصامهم الموصوف. فإيران لا تملك القدرة السياسية والعسكرية والاقتصادية على تحديث أي شيء للنظام الصدىء والمهترىء والمتداعي، وهذا الأخير فاقد للسلطة والسيادة ولا يستطيع تطبيق الاتفاق عملياً كون القرار الفعلي ليس له، وإنما لمن حفظ بقاءه حتى الآن أي روسيا، والسؤال بات لهذه الأخيرة ليس هل وإنما متى وكيف يتم التخلص من جثة النظام بعدما تحول إلى عبء عليها وجزء من الأزمة لا الحلّ بالنسبة لها وللمجتمع الدولي بشكل عام.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت