“انقلاب” و”حالة طوارئ”.. ما الذي يحصل في السودان؟
تستحوذ التطورات في السودان حديث العالم العربي والغربي، منذ صباح اليوم الاثنين، بعد اعتقال قوة من الجيش رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وما تبع ذلك من إعلان حالة الطوارئ وخروج مظاهرات شعبية في العاصمة الخرطوم رفضاً لما أسماه المحتجون بـ”عملية الانقلاب”.
وسرعان ما تطورت الأحداث في الساعات الماضية، حيث أعلن قائد الجيش السوداني الفريق أول، عبد الفتاح البرهان تشكيل حكومة كفاءات لإدارة البلاد إلى حين انتهاء المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات عامة.
وقال البرهان، في خطاب وجهه إلى الأمة عبر التلفزيون السوداني، وأعلن فيه حل كل مؤسسات المرحلة الانتقالية، لا سيما مجلس السيادة والحكومة، مضيفاً: “سيتم تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة تدير شؤون البلاد الى حين تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة”.
وشدد البرهان على أن الجيش قرر اتخاذ هذه الإجراءات لـ”تصحيح مسار الثورة” التي أطاحت عمر البشير في العام 2019.
جاء ذلك بعد بيان لوزارة الإعلام السودانية أفادت بأن القوات العسكرية المشتركة، تحتجز رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، داخل منزله. وقالت إنها “تمارس عليه ضغوطات لإصدار بيان مؤيد للانقلاب”.
وأضافت الوزارة: “بعد رفضه تأييد الانقلاب، قوة من الجيش تعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتنقله إلى مكان مجهول”.
وما بين التطورين السابقين خرج مئات المواطنين السودانيين في مظاهرات شعبية في العاصمة السودانية الخرطوم، “تنديداً بمحاولة الانقلاب”، ورفضاً لحملة اعتقالات طالت مسؤولي السلطة المدنية في السودان.
من الذي يتولى زمام الأمور؟
وبدأ السودان مسيرة التحول إلى الديمقراطية بعد انتفاضة شعبية في أبريل/نيسان 2019 أطاحت بحكم الرئيس المعزول عمر حسن البشير، الذي حكم البلاد نحو 3 عقود.
وبموجب اتفاق أُبرم في أغسطس/آب 2019 يتقاسم الجيش السوداني السلطة مع مسؤولين معينين من جماعات سياسية مدنية داخل مجلس السيادة الحاكم، الذي كان من المقرر أن يقود البلاد لانتخابات بحلول نهاية عام 2023.
ورغم أن دور العسكريين كان يفترض أن يكون شرفياً إلى حد كبير، شكا المدنيون مراراً، بحسب ما تقول وكالة “رويترز” من تجاوز الجيش صلاحياته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ومفاوضات السلام.
واتهم الجيش الأحزاب المدنية بسوء الإدارة واحتكار السلطة، بينما انحاز ائتلاف من جماعات معارضة وأحزاب سياسية مع القوات المسلحة، وسعوا لحل مجلس الوزراء المدني.
وقالت السلطات السودانية في 21 سبتمبر/أيلول الماضي إنها أحبطت محاولة انقلاب، واتهمت من قالت إنهم متآمرون موالون للرئيس المخلوع عمر البشير.
“أسوأ أزمة”
بعد التطورات المذكورة سابقاً اعتبر عبد الله حمدوك الذي اعتقله الجيش السوداني اليوم، في 15 من أكتوبر/تشرين الأول الحالي أن الانتقال في البلاد يمر بـ”أسوأ أزمة”.
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول قام موالون للجيش بنصب خيم أمام القصر الرئاسي حيث مقر السلطات الانتقالية من أجل المطالبة بحكومة عسكريين.
ورداً على ذلك نظمت تظاهرات كبرى مؤيدة لحكومة مدنية، في 21 من الشهر الحالي، أي قبل أيام قليلة لما تشهده البلاد الآن.
أين الخلافات؟
تتعلق إحدى نقاط التوتر بالسعي لتحقيق العدالة بشأن مزاعم ارتكاب الجيش السوداني وحلفائه جرائم حرب في الصراع في دارفور منذ عام 2003.
وتسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمة البشير وسودانيين آخرين مشتبه فيهم. ووافق مجلس الوزراء السوداني المدني على تسليم المشتبه فيهم، لكن مجلس السيادة لم يفعل.
وتتعلق نقطة خلافية أخرى بالتحقيق في قتل متظاهرين مطالبين بالديمقراطية في الثالث من يونيو/حزيران 2019، في واقعة اتجهت فيها أصابع الاتهام لقوات عسكرية.
ويثير التأخر في نشر نتائج هذا التحقيق غضب الناشطين وجماعات مدنية، كما ضغط المدنيون من أجل الرقابة على الجيش وإعادة هيكلته، لا سيما من خلال دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي لها وضع قوي، وهو الأمر الذي يعارضه القادة العسكريون.
وقد أطاح الجيش السوداني عام 2019 نظام عمر البشير الذي حكم السودان لأكثر من 30 عاماً، بعد انتفاضة شعبية استمرت شهوراً، وبعد ذلك تسلّم السلطة.
لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت مطالبة بسلطة مدنية وقد تخللتها اضطرابات وفض اعتصام بالقوة سقط خلاله قتلى وجرحى.
ردود فعل
ودعت السفارة الأميركية في الخرطوم، اليوم الاثنين “جميع الفاعلين الذين يعرقلون الانتقال في السودان إلى التراجع والسماح للحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون بمواصلة عملها لتحقيق أهداف الثورة”.
وقال المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، إن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن استيلاء عسكري على الحكومة الانتقالية.
بينما ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “بأكبر قدر من الحزم بمحاولة الانقلاب” في السودان، ودعا إلى “احترام مكانة رئيس الوزراء والقادة المدنيين”.
من جانبه دعا الاتحاد الأوروبي إلى الإفراج عن قادة السودان المدنيين، وشدد على وجوب “تجنّب العنف وسفك الدماء” بعد الانقلاب العسكري.
وقبل ذلك أكدت “منظمة هيومان رايتس ووتش” في حسابها الرسمي على “توتير” أن “الانقلاب العسكري في السودان يسدد ضربة قاسية لآمال السودانيين بالانتقال إلى بلد أكثر عدلا والتزاما بالحقوق”.
وطالبت المنظمة الحقوقية المجتمع الدولي بضرورة “الضغط للعودة إلى مسار الانتقال إلى الحكم المدني” في البلاد.