خلال 500 يوم منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، تجنب الشرق الأوسط أزمة غذائية “كارثية”، بعد توقيع صفقة نقل الحبوب عبر البحر الأسود، بين روسيا وأكرانيا، بوساطة تركية.
إلا أن قرار روسيا بالانسحاب رسمياً من هذا الاتفاق، أثار مخاوف من أن نقص إمدادات الحبوب وارتفاع أسعار القمح بشكل كبير، يمكن أن يغرق البلدان الأكثر ضعفاً في المنطقة في أزمة.
جاء ذلك في مقال رأي نشرته صحيفة “ذا ناشيونال”، اليوم الاثنين، تحدثت فيه عن تنامي الدور التركي في المرحلة الراهنة لإنقاذ صفقة الحبوب، وخص بالذكر أكثر البلدان تأثراً في حال حدثت أزمة غذائية.
مشيراً إلى أن تركيا ستلعب “دوراً حاسماً”، ليس فقط بسبب موقعها المركزي في الجغرافيا السياسية للبحر الأسود، ولكن أيضاً بسبب دورها في سلسلة توريد القمح في الشرق الأوسط.
سورية الأكثر تأثراً
بحسب المقال، قد تكون بلدان مثل سورية واليمن، اللتين تكافحان للخروج من الحرب “أكثر عرضة للخطر”، في حال حدوث أزمة غذاء عالمية.
معللاً السبب بأن الحبوب الأوكرانية جاءت ضمن المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي لسورية.
لكن حتى بموجب صفقة الحبوب، ارتفعت تكلفة برنامج الأغذية العالمي لشراء الحبوب بنحو 40%، ما دفع المنظمة لإرسال مساعدات غذائية أقل بكثير، حسب المقال.
وأضاف: “كان التأثير في الشرق الأوسط أكبر في سورية واليمن، وهما البلدان اللذان ينشط فيهما برنامج الأغذية العالمي”.
وتشير الإحصائيات الأممية إلى أن 51% من سكان سورية (حوالي 12.1 مليون شخص)، كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي قبل زلزال شباط.
ما جعل سورية سادس أعلى دولة تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يعيش 2.7 مليون شخص في سورية بحالة انعدام الأمن الغذائي الشديد.
وبالرغم من الحاجة الإنسانية الكبيرة في الدول المنكوبة في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا، فإن معظم الحبوب من صفقة البحر الأسود ذهبت إلى البلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل، حسب المقال.
إذ جاء ترتيب البلدان الثلاثة الأولى على الشكل التالي: الصين (25%) وإسبانيا (18%) وتركيا (10%).
وقبل الحرب الأوكرانية، كانت أوكرانيا خامس أكبر مصدّر للقمح في العالم وأحد الموردين الرئيسيين للعديد من دول الشرق الأوسط الواقعة على مسافات قصيرة نسبيًا من موانئها على البحر الأسود.
ومع اندلاع الحرب، توقفت الشحنات من هذه الموانئ تماماً، ما أدى إلى تقطع السبل بـ 20 مليون طن من الحبوب.
وبحلول نهاية مارس/ آذار 2022، ارتفع سعر القمح إلى 64% مقارنة بالعام الذي سبقه، وبدأ نقص الخبز بالظهور في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
إلا أن صفقة الحبوب، التي رعتها الأمم المتحدة وتركيا، خففت من حدة الأزمة، حيث ضمنت روسيا مروراً “آمناً” لسفن الشحن المحملة بالحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود إلى مضيق البوسفور، مقابل عمليات تفتيش روسية للسفن في كلا الاتجاهين للتأكد من أنها لا تحمل أسلحة.
الأنظار نحو الدور التركي
بحسب مقال “ذا ناشيونال”، ساعد الجزء الذي حصلت عليه تركيا من صفقة الحبوب بضمان الأمن الغذائي للعراق وسورية واليمن.
وذلك نظراً لدور أنقرة “الحاسم” في سلاسل الإمداد الغذائي في الشرق الأوسط.
واعتبر أنه “من الضروري تسليم القمح الكافي إلى أنقرة لضمان إمدادات الخبز الكافية في دول الشرق الأوسط الأكثر ضعفاً”.
وكانت تركيا في العادة من بين أكبر خمسة مستوردين للقمح في العالم، إلا أنها في الوقت نفسه عاشر أكبر منتج للقمح في العالم.
وتعتبر سورية والعراق واليمن أكبر ثلاثة أسواق تصدير للدقيق التركي، وفق ما جاء في المقال.
مضيفاً: “في الفترة بين عامي 2021 و2022 صدّرت تركيا 330،660 طناً من الدقيق إلى سورية، أي ما يعادل حوالي 43% من طاقة الطحن المحلية في سورية”.
وتابع: “على الرغم من علاقاتها مع موسكو، فإن سورية تتغذى جزئياً من القمح الأوكراني عن طريق واردات الطحين التركية”.
وفي حال اختارت أوكرانيا مواصلة صادراتها من الحبوب في البحر الأسود، حتى بعد انسحاب روسيا، فإن تركيا قد تقوم بدور المرافقة والتفتيش.
لكن “من غير الواضح حتى اللحظة ما إذا كانت موسكو ستخاطر بمواجهة بحرية مع أنقرة، ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت أنقرة مستعدة للمخاطرة”.
وختم المقال بقوله: “إن تركيا هي الحلقة التي لا غنى عنها في سلسلة توريد القمح في الشرق الأوسط”، خاصة بالنسبة لسورية والعراق واليمن.