تقترب إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن من إتمام عامها الأول، وبعيداً عن الملفات المتشعبة التي تمضي بها اتجاه إيران أو الصين وروسيا، لم تقدم أي استراتيجية واضحة حيال الملف السوري، وخاصة فيما يتعلق بموقفها من النظام، الذي قالت مراراً إنها تريد “تغيير سلوكه”.
وتحمل استراتيجية “تغيير السلوك” عدة قراءات، يرى محللون سياسيون أن الأقرب منها، قد يزيد التعقيد مع ابتعاد الملف السوري عن قائمة أولويات الإدارة الأمريكية الحالية، ما يترك الباب مفتوحاً أمام تمدد نفوذ حلفاء النظام، روسيا وإيران.
وفي الوقت الذي تذهب فيه المؤشرات إلى أن هذا الباب قد فتح بالفعل، تتكشف مسارات أخرى من زاوية إعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وهو المسار الذي سلكته عدة دول عربية على نحو متسارع، وأثارت من خلاله تساؤلات عن الآلية التي يمضي بها، وأيضاً تكهنات بشأن موقف الإدارة الأمريكية من ذلك.
وعلى مدى الأشهر الماضية خرج مسؤولون أمريكيون على رأسهم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وأكدوا أنهم يؤكدون على قرار مجلس الأمن 2254 بشأن سورية، ويولون أهمية لملف المساعدات الإنسانية.
في المقابل قال بلينكن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن “ما لم نفعله ولا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات” مع الأسد، بدون أن يطلق على الأخير لقب الرئيس.
وأشار في مؤتمر صحفي إلى أن الولايات المتحدة “لم ترفع أي عقوبة مفروضة على سورية، ولم تغير موقفها المعارض لإعادة إعمار سورية ما لم يُحرز تقدم لا رجوع عنه نحو حل سياسي نعتقد أنه ضروري وحيوي”.
كيف تفكر الإدارة الأمريكية؟
في ظل الضبابية التي تحيط بطريقة تعاطي إدارة بايدن مع الملف السوري، كان لافتاً خلال الأسابيع الماضية الخط الذي بدأت ترسمه وسائل إعلام أمريكية، في مقدمتها “واشنطن بوست”، “فورن بوليسي”، “نيويورك تايمز”.
إذ حذرت في مضمون تغطياتها عن سورية، من “التقاعس والتأييد الضمني”، الذي تبديه إدارة بايدن حيال الأطراف التي تنوي إعادة التطبيع مع نظام الأسد، مشيرة إلى أنه وعلى الرغم من أن إدارة بايدن نفسها قد لا ترحب بعودة الأسد إلى الحظيرة الدبلوماسية بأذرع مفتوحة “إلا أنها ومن الواضح، تركت الباب مفتوحاً للآخرين للقيام بذلك”.
وذكرت “فورن بوليسي” في التاسع من الشهر الماضي أن “إدارة بايدن حطمت الأعراف الدولية، وكافأت مجرمي الحرب الأكثر شهرة في القرن الحادي والعشرين بإعادة التطبيع”.
من جانبها قالت صحيفة “واشنطن بوست” في مقال تحت عنوان “بايدن يؤيد ضمنياً التطبيع مع الأسد” إن “ملك الأردن، عبد الله الثاني، يقود تطبيعاً إقليمياً سريعاً مع حكومة النظام السوري، منذ لقائه بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، في البيت الأبيض”.
ويرى الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي أنه وحتى اليوم “لا يوجد شيء واضح بشأن مسألة كيف يفكر الأمريكان في سورية ككل”.
ويقول بربندي لـ”السورية.نت”، إنه “برأيي يعتبرون سورية منطقة جغرافية فيها أزمات، وفيها روسيا وإيران وتركيا بشكل رئيسي. وجودهم في هذه المنطقة استنزاف للكل، بمعنى التحارب بين هذه الدول يعني الاستنزاف لها. الأمور يجب أن تسير كذلك لكن ضمن الضوابط الأمريكية”.
ومن جهة أخرى يشير بربندي إلى أن الإدارة الأمريكية تشجع لـ”تقوية العرب أو تشجيع الدول العربية أن تحل مشاكلها بنفسها، وبالتالي تبعد خطوة أو خطوتين من المشاكل اليومية”.
ويتابع حديثه بأن “الأردن ومصر ولبنان العراق إذا أرادوا مساعدة بعضهم اقتصادياً، وأن يخففوا عبء عن الأمريكي لا يوجد لواشنطن مشكلة في ذلك. الغاز العربي جزء من هذا التفكير الأمريكي”.
ومؤخراً أحيت لبنان والأردن ومصر مع نظام الأسد، مشروع “خط الغاز العربي”، الذي يرى محللون أن الإعلان عنه وطريقة التنسيق التي يجري فيها يتم “بقبولٍ من الولايات المتحدة الأمريكية”.
وفتح الإعلان عن المشروع أحاديث كثيرة، ركّزت في معظمها أنه “يساعد” في إعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، في كسرٍ للعقوبات التي سبق وأن فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وكانت تعوّل عليها المعارضة السورية كعصا من أجل إجبار الأسد على تقديم تنازلات.
“القانون يحكم المسار”
من زاوية أخرى يعتبر الدكتور زكي لبابيدي رئيس “المجلس السوري الأمريكي”، أن “سياسة بايدن أو ترامب الذي سبقه تريد تغييراً في النظام السوري، لكن بسبب القانون الأمريكي لا يمكن أمريكا أن تعلن أن هدفها هو تغيير النظام”.
ويضيف لبابيدي أن ذلك لا يحدث “إلا بسبب وجيه كما حصل في العراق، بسبب الأسلحة الكيماوية. لا يستطيعون غير ذلك”.
ويقول رئيس “المجلس السوري الأمريكي” خلال حديثه لـ”السورية.نت”:”أرى السياسة الأمريكية هي إحداث تغيير سياسي في النظام، وتغيير سلوكه، وفي الحقيقة تريد تغييره بالفعل”.
وبالنسبة لمسار إعادة التطبيع مع الأسد يوضح لبابيدي “قد تكون سياسة بايدن ترى أنها لن تتدخل بهذا الموضوع لأن النظام سينهار، وبالنسبة للمجتمع الدولي لا يوجد بديل جاهز. بالتالي لا يريدون فراغاً أمنياً وسياسياً في سورية، الأمر الذي يخلق مشاكل أكبر”.
ويتابع لبابيدي: “لذلك حتى قصة الغاز العربي تأتي على نفس النمط المذكور، بمعنى أن النظام وصل لمرحلة قد ينهار في أي لحظة”.
“النظر من مشاكل الآخرين”
في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، أواخر أغسطس/آب الماضي خلص الكاتب جوش روغين، بأن “المصالح الأمريكية في سورية ترتبط الآن بهدفين مزدوجين، الأول هو زيادة المساعدات الإنسانية، والاحتفاظ بالتواجد العسكري الأميركي لمحاربة داعش”.
وأضاف: “نصف عام مضى على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من دون أن تتوصل بعد إلى استراتيجية لمعالجة النزاع في سورية، الذي مضى عليه 11 عاماً”.
ويبدو أن استراتيجية الامتناع عن التدخل قدر الإمكان التي تتبعها إدارة بايدن، أو بعبارة أكثر وضوحاً، نهجها المزدوج (لا تحب التطبيع مع بشار الأسد ولكن لا تمنعه، وفي بعض الأحيان، تسهّل التطبيع معه) جزء من فلسفة أوسع يمكن تسميتها بـ”الاستقرار المفوض” مع الشرق الأوسط.
ومن خلال تلك الفلسفة، حيث تُمنح دول المنطقة إذناً ضمنياً لمحاولة حل الأزمات الكبرى في المنطقة بنفسها بأقل قدر من التدخل الأمريكي، حسب ما جاء في تقرير سابق لصحيفة “فورن بوليسي”.
ورغم أن النتائج قد تكون في كثير من الأحيان غير مستساغة، فهذا النهج من الناحية النظرية يمكّن إدارة بايدن من التركيز على المشكلات التي ترى أنها أشد أهمية، مثل التعاطي مع التحديات القادمة من الصين.
ويقول الدبلوماسي السابق، بسام بربندي: “نظرة إدارة بايدن للعالم اليوم أننا عكس ترامب، من خلال استخدام العقوبات كسياسية”.
ويضيف: “يقولون الموضوع الإنساني مفصول عن السياسي. وبالتالي الأهالي تحت سيطرة النظام يريدون دعما ماليا. سنفعل ذلك، حتى لو انتفع منه النظام السوري. هذا بعد إنساني”.
ولا يعتقد بربندي أن “أمريكا لديها تصور للحل بشكل كبير. الملف الإيراني النووي والمقاربة هل ستكون على حساب سورية؟ أعتقد لا يعرفون أيضاً.
ويرى الدبلوماسي السابق أن الخطورة في الموضوع أن “سورية كأزمة وثورة وكل المآسي لا توجد على أولوياتهم. إنهم يتطلعون على سورية من مشاكل الآخرين (مشاكل روسيا إسرائيل وإيران في سورية)، أما مشكلة السوري مع السوري ومشكلة السوري مع النظام السوري فهذه العقدة التي لا يهتمون لها”.
“موقف غير واضح”
وسبق أن سلط وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في شباط /فبراير الماضي، الضوء على سياسية بلاده تجاه الملف السوري، وقال إنها ملتزمة بمسارين الأول سياسي والآخر إنساني.
ونقل موقع “المونيتور” عن مسؤول في الخارجية الأميركية قوله:”في الوقت الذي تجري فيه مراجعة شاملة لاستراتيجية واشنطن في سورية، فإن تركيز الإدارة يتمحور حول الاحتياجات العاجلة، والتي تشمل تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وأهمية وقف إطلاق النار بشكل أكبر، بالإضافة إلى دعم العملية السياسية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254″.
وبحسب رئيس “المجلس السوري الأمريكي”، زكي لبابيدي، فإن “الموقف الأمريكي حيال سورية غير واضح”.
ويضيف: “حتى الآن هناك أعضاء في الحكومة الأمريكية غير موافقين عن سياسة سورية، ولذلك تحاول الجالية السورية الأمريكية قدر الإمكان مع هؤلاء المسؤولين وأعضاء الكونغرس لتغييرها في أسرع وقت ممكن”.
وتحدث لبابيدي عن ردة وسائل الإعلام الأمريكية خلال الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن “الجالية السورية في أمريكا تعمل في ذات الاتجاه، لمجابهة سياسة بايدن في سورية وتعديلها قبل فوات الأوان”.
ويرى أن هناك فرقاً كبيراً بين أمريكا وروسيا، حيث أن “الحكومة الأمريكية تختلف جداً. هناك وزراء ومناصب عليا يخالفون سياسة بايدن بالنسبة لسورية، ويقولون رأيهم الرئيسي، بينما نجد أشخاصاً في البيت الأبيض همهم الوحيد هو داعش ومحاربة الإرهاب”.