لحظتان فارقتان في تاريخ الثورة السورية، الأولى استخدام السلاح الكيماوي بهجوم واسع النطاق في الغوطة عام 2013، والثانية التدخل الروسي في سوريا في أيلول 2015.
ما الذي أعنيه باللحظة الفارقة هنا، أقصد بالتحديد طريقة رد فعل الشعب السوري والمعارضة السورية من طرف والمجتمع الدولي من جهة ثانية، فقرار استخدام النظام للسلاح الكيماوي ضد منطقة مدنية بالرغم من التحذير الأميركي المتكرر له عنى تماما أن النظام حرق كل أوراقه فيما يتعلق بالتعامل مع الثورة السورية بطريقة مختلفة غير العنف الأقصى، وصل الأسد حينها إلى قناعة رددها كثيرا شبيحته وموالوه على حساباتهم على الفيس بوك “الأسد أو نحرق البلد” ليس شعارا وإنما هو سياسة منهجية يجب تطبيقها على الأرض مهما كانت الكلفة البشرية والمادية ومهما كانت كلفة ذلك على سوريا كوطن وأمة.
رد الفعل الدولي كان مخزيا للأسف عندما لم يلتزم أوباما بالخط الأحمر الذي حدده وهو ما فهمه الأسد أن ضوءا أخضر أعطي له كي يمارس العنف بحدوده القصوى ولن تكون هناك أية تداعيات عسكرية، وحينها فهمت المعارضة السورية أن نظاما يستخدم العنف بحده الأقصى لن تزيحه سوى القوة العسكرية وهو ما حول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة لكنها فشلت في إسقاط الأسد لأسباب كثيرة أهمها التشتت والقتال العنيف بين الفصائل وغياب قيادة موحدة ونقص الدعم الحقيقي للمعارضة الذي لم يوازِ الاستخدام العسكري لنظام الأسد.
اللحظة الثانية كانت لحظة التدخل العسكري الروسي وهي عنت بشكل أو بآخر أن لا قدرة للمعارضة العسكرية على مواردها المحدودة على حسم الصراع طالما أن روسيا وضعت ثقلها تماما خلف الأسد بغض النظر عن الحسابات السياسية لكل طرف، لكن هذه اللحظة عنت أيضا بالنسبة للمعارضة أن القوة الوحيدة القادرة على إخراج روسيا من سوريا هي قوة موازية لها أو أشد قوة وهي القوة الأميركية.
الذي حصل للأسف أن انسحاب القوة الأميركية مكن الأسد من استغلال اللحظة الأولى إلى الحد الأقصى، وعدم الرغبة الأميركية بمواجهة روسيا في سوريا دفع روسيا لاستغلال اللحظة الثانية للأقصى.
ومن هنا نفهم حجم تعويل المعارضة السورية على دور أميركي أكبر في سوريا يساعدها في التخلص من الأسد ووضع سوريا مجددا على الخريطة الدولية، فمن دون قيادة أميركية في سوريا سيبقى الأسد مستغلا الانسحاب الأميركي الكامل ومن دون هذه القيادة ستستمر روسيا في فهم سوريا وكأنها ساحة صراع دولية لها فيها قصب السبق.
واضح هنا، أن كلا الطرفين الدوليين روسيا وأميركا أرهقا في سوريا عسكريا، أميركا ليس لها الرغبة في أي عمل عسكري بعد العراق وأفغانستان، وروسيا جمدت عملياتها العسكرية في الشمال السوري لأنها ترى في تركيا صدا منيعا لها وبالحقيقة لا تشعر تماما بجدوى أي عمل عسكري تكلفته أكثر من المكاسب الخاصة بها.
لكن للأسف رغم وصول الطرفين إلى هذه القناعة لكنهما لم يجدا في الحل السياسي بديلا مناسبا، فروسيا ما زالت تعتبر أن تغيير المعادلات على الأرض هو قوتها وأن تمسكها بمفاوضات جنيف هو بسبب التغطية على دورها العسكري في سوريا. فروسيا اليوم لا تتدخل لحساب نظام الأسد وإنما تتصرف بوصفها قوة احتلال، وتستخدم القوة لفرض رغبتها العسكرية والقوة ذاتها لرغبات أحلامها السياسية.
على أميركا وروسيا الإقرار بأن مزيدا من القوة العسكرية لن يكون حلا في سوريا، وأن مشكلة سوريا اليوم تكمن في الأسد، بقاؤه في السلطة يعني مزيدا من المعاناة للسوريين وتعميقا لأزمة اللاجئين والمشردين والنازحين، التي لا يبدو أن روسيا تكترث كثيرا لها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت