يبدأ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عامه الثاني برئاسة البيت الأبيض، مواجهاً تحديات عدة وفترة وصفها بـ “الصعبة”، خاصة على الصعيد الداخلي، الذي يشهد انكماشاً اقتصادياً وتخضماً في الأسواق نتيجة الظروف الوبائية.
ويبدو أن بايدن أبدى خلال عامه الأول اهتماماً بالقضايا الداخلية على حساب الخارجية، باستثناء الحدث الأبرز الذي اتخذ بعهدته، وهو انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، فيما تراجع ملفات عدة من الأولويات، أبرزها الأزمة الأوكرانية- الروسية وتجارب كوريا الشمالية الصاروخية.
وتشير سياسية بايدن خلال عامه الأول إلى أن الملف السوري لم يكن ضمن قائمة الملفات الأولوية لإدارته، خلافاً لسابقه دونالد ترامب، وذلك بالنظر إلى المواقف والتصريحات والإجراءات المتخذة خلال العام الماضي.
وفيما يلي نظرة على أبرز مواقف بايدن المتعلقة بالملف السوري خلال عام 2021.
“الخطر في سورية أكبر”
رغم أن أولى مواقفه حول سورية جاءت متأخرة، بعد أربعة أشهر على توليه الإدارة الجديدة، اعتبر بايدن في أول تصريح له أن نظام الأسد يشكل تهديداً “غير عادي” للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة، معلناً “حالة الطوارئ الوطنية” فيما يتعلق بسورية.
وقال بايدن في بيان نشره البيت الأبيض، في مايو/ أيار 2021، إن “وحشية النظام وقمعه للشعب السوري، الذي دعا إلى الحرية لا تعرض الشعب السوري نفسه للخطر فحسب، بل تولد أيضاً حالة من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة”.
وكرر الرئيس الأمريكي تصريحاته المتعلقة بوجود خطر على بلاده، في أغسطس/ آب الماضي، معتبراً في لقاء مع قناة “ABC News” أن الخطر الذي يهدد بلاده من سورية وشرق أفريقيا أكبر بكثير من أفغانستان.
NEW: Read the full transcript of Pres. Biden's exclusive interview with @ABC News' @GStephanopoulos: https://t.co/ICVSfpcxxb
— ABC News (@ABC) August 19, 2021
وقال: “هناك تهديد أكبر بكثير للولايات المتحدة قادم من سورية، هناك تهديد أكبر قادم من شرق إفريقيا، القاعدة وداعش انتشروا هناك”، مضيفاً: “الولايات المتحدة قادرة على القضاء على هذه التهديدات دون وجود عسكري على الأرض”.
إرخاء حبل العقوبات
رغم أن فترة حكم بايدن شهدت توسيع دائرة العقوبات على شخصيات وكيانات تابعة لنظام الأسد، ضمن ما يُعرف بـ “قانون قيصر” الذي أقره سلفه دونالد ترامب، غض بايدن الطرف عن تحركات أجرتها دول عربية نحو نظام الأسد، دون تبرير رسمي لذلك.
إذ فرضت وزارة الخزانة الأمريكية حزمة عقوبات جديدة، في يوليو/ تموز الماضي، هي الأولى بعهد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، شملت 8 أفراد و10 كيانات سورية.
وشملت العقوبات حينها 8 مراكز أمنية تابعة لنظام الأسد، و5 مسؤولين أمنيين تابعين له ومتورطين بارتكاب انتهاكات ضد الشعب السوري، إلى جانب فصيل “أحرار الشرقية” المعارض.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فرضت إدارة بايدن حزمة ثانية من العقوبات، شملت أسماء ضابطين كبار في القوات الجوية التابعة للنظام، لضلوعهما في هجمات كيماوية أودت بحياة مدنيين، إلى جانب ثلاثة ضباط في أجهزة الأمن والاستخبارات لضلوعهم في اعتقال متظاهرين سلميين وتعذيبهم.
ومع ذلك، يرى محللون أن إدارة بايدن أرخت حبل العقوبات على النظام ووجدت له متنفساً عربياً، حين سمحت لدول عربية، ومن بينها الإمارات والبحرين والأردن، بتطبيع العلاقات معه، واكتفت بالقول إنها “لا تؤيد ولا تدعم” ذلك.
مع ذلك، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن بلاده ستدعم تطبيع الدول مع نظام الأسد وترفع العقوبات المفروضة عليه بشرط واحد فقط، هو “إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو حل سياسي”.
قمتان حول سورية والمعابر الإنسانية حاضرة
شهد العام الأول من حكم بايدن انعقاد قمتين مع دولتين فاعلتين في سورية، هما تركيا وروسيا، إذ التقى الرئيس الأمريكي بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة جمعتهما في جنيف، في يونيو/ حزيران الماضي، وكان الملف السوري على رأس المباحثات حينها.
وناقش بوتين وبايدن حينها ملف المعابر الإنسانية في سورية وقرار المساعدات العابرة للحدود، الذي تعرقله روسيا في مجلس الأمن الدولي، معتبرةً أنه “ينتهك السيادة السورية”.
في حين كانت واشنطن تطالب بفتح ثلاث معابر إنسانية من أجل إيصال المساعدات إلى سورية، من بينها معبر اليعربية شرقي سورية، الأمر الذي ترفضه روسيا.
وعقب القمة بأيام تم تمديد آلية المساعدات العابرة للحدود مدة عام إضافي على مرحلتين، تبلغ مدة كل واحدة منها ستة أشهر، عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا فقط.
إلى جانب ذلك، عقد بايدن اجتماعاً مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، حيث حضر الملف السوري، حين التقى الجانبان في روما، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على هامش قمة الـ 20.
وجاءت القمة عقب تلميح تركي لشن عملية عسكرية ضد “وحدات حماية الشعب” في سورية، حيث صرح أردوغان عقب القمة أن بلاده ستشن العملية “عندما يجب القيام بها”.
الشرق السوري والنفط
وشهدت فترة ولاية بايدن في عامها الأول زيارات أقل لوفود أمريكية إلى مناطق شمال شرقي سورية، الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” المدعومة أمريكياً، وذلك قياساً بالزيارات التي كانت تجري في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب.
إذ أجرى وفد أمريكي زيارة إلى مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سورية، في مايو/ أيار الماضي، التقى خلالها القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، الذي صرح حينها أن الوفد الأمريكي أكد على “دعم الاستقرار وتمكين الإدارة الذاتية” في المنطقة.
وتسود مخاوف لدى “الإدراة الذاتية” من تقلص الدعم الأمريكي لها، وانسحاب القوات الأمريكية من سورية، الأمر الذي ألمح بايدن إلى إمكانية حدوثه، في لقائه مع قناة “ABC News”، بقوله إن: “الولايات المتحدة قادرة على القضاء على هذه التهديدات (القادمة من سورية) دون وجود عسكري على الأرض”.
“غليان شرق الفرات”(3): مقاربة “التجميد” الأمريكية واختبار “خطوة بخطوة”
وكانت أمريكا في عهد ترامب تؤكد مراراً بأن تواجد قواتها في سورية مرتبط بحماية آبار النفط ومنع تنظيم “الدولة الإسلامية” من السيطرة عليها.
إلا أن إدارة بايدن اتخذت قراراً في مايو/ أيار الماضي، ينص على عدم تجديد الإعفاء الذي سمح لشركة نفط أميركية بالعمل في شمال شرق سورية، ما يشير إلى تغيير “جذري” في السياسة الأمريكية.