لا ندري ما إذا كان بشار الأسد سيتابع باهتمام أخبار هذا اليوم الانتخابي الأمريكي. نفترض أنه يفعل ذلك لأسباب عديدة، في مقدمها وقوع جزء من الأراضي السورية تحت النفوذ المباشر للقوات الأمريكية. هذه القوات تمنعه عن جزء معتبر من ثروة البلد النفطية والزراعية، وأتت العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر لتُحكِم الحصار الاقتصادي، ولتظهر العقوبات الغربية السابقة كلها كعتب رقيق ليس إلا.
في وسع بشار الأسد القول، كما صرح بذلك مراراً، أن لا أهمية يوليها للرئيس الأمريكي الذي ينفذ سياسة “دولة عميقة” لا تتبدل. في وسعه الحديث، وقد كرر ذلك، عن مؤامرة أمريكية لإطاحته من منصبه، على الرغم من أن واشنطن لم تطرح تنحيه كهدف لها، بل منعت الأسلحة النوعية عن الفصائل التي كانت تستطيع في وقت مضى إسقاطه بالقوة. في وسعه أيضاً، وفقاً لفلكلور الممانعة، اعتبار السياسة الخارجية الأمريكية تابعة لتل أبيب، لكن الأخيرة كما نعلم أرسلت إشارات قوية تحبّذ بقاءه في السلطة بشرط ابتعاده عن طهران.
إننا، بخلاف عدم الاكتراث الذي تتعمد سلطة الأسد إظهاره، نعتقد أن رئيسها لا بد أن يتابع انتخابات اليوم، إن لم يكن بدوافع شكلية من قبيل احتلاله منصب الرئاسة حتى الآن فبدافع الفضول على الأقل. ثم إننا لا نستطيع استبعاد ما هو شخصي، فأحد المتنافسَين “ترامب” كان قد وصفه بالحيوان بسبب استخدامه السلاح الكيماوي، بينما كان المتنافس الآخر “بايدن” نائباً للرئيس الذي تخلى عن خطه الأحمر الشهير المتعلق باستخدام السلاح الكيماوي، بل نائباً للرئيس الذي شهد عهده السياسات التي ساهمت بشكل أساسي في إيصال الوضع السوري إلى ما هو عليه الآن، بما في ذلك الموافقة على تدخل طهران ثم موسكو للإبقاء على بشار.
بتجاوز الاعتبارات المتعلقة شكلياً بمنصبه، نفترض أن يكون بشار مهتماً بمجريات انتخابات الرئاسة الأمريكية لتأثيرها على علاقة واشنطن بكل من موسكو وطهران، وبالتبعية تأثير ذلك على الوضع السوري. من الواضح جداً أن طهران تفضّل نجاح بايدن الذي يعدِها باسترجاع مكاسب الاتفاق النووي، حتى لو اقتضت تجديد الاتفاق تفاهمات إضافية لا يُتوقع أن تتشدد إدارته في تحديدها. موسكو، التي لم يتسرب عنها موقف صريح، متهمة منذ الانتخابات الماضية بالتدخل لصالح ترامب، والتحقيقات الأمريكية في الدور الروسي منعت ترامب من تطوير العلاقة معها على النحو الذي كان يريده. في حال نجاحه، سيكون ترامب أكثر حرية في سياساته الخارجية، ومن دون حسابات تخص الترشح للرئاسة مرة أخرى، وربما رغم ضغوط من صقور حزبه سيكون قادراً على مد يده إلى بوتين في ملفات ليست ذات حساسية داخلية عالية مثل الملف السوري.
لا ننسى أن ترامب كان يريد مغادرة سوريا معلناً الانتصار النهائي على داعش الذي كان سبباً في قدوم القوات الأمريكية، لكنه أيضاً أعلن أثناء حملته الانتخابية الحالية عن اقتراح له بقتل بشار الأسد “في الرد على هجمات كيماوية”، حيث رفض وزير دفاعه آنذاك الفكرة. ميزة ترامب، التي يروق له شخصياً الترويج لها، إتيانه بما هو غير متوقع، ومفاجآته قد تصب في صالح الأسد، مثلما قد تأتي لغير صالحه كما تشتهي المعارضة التي تخشى أن يكون بايدن نسخة باهتة من أوباما. المراهنة على ترامب فيها ما فيها من المقامرة، وتتطلب من بشار أن يكون بقلب وعقل روسيين!
في برنامج بايدن الانتخابي هناك بضع كلمات عن الشأن السوري، لا تتعدى العموميات ولا تنطوي على أي نهج جديد أو وعدٍ به، بخلاف هيلاري كلينتون التي لوّحت بحملتها الانتخابية قبل أربع سنوات بسياسات حازمة تجاه الأسد. غياب الشأن السوري قد نجد تفسيره باعتباره تفصيلاً ضمن المفاوضات المرتقبة مع طهران، تماماً على غرار ما تعامل معه أوباما. مشاركة الأخير النشطة في حملة نائبه السابق، بعكس البرود الذي أبداه إزاء حملة هيلاري، تشجع على الاعتقاد بأن عهد بايدن سيكون استئنافاً واستعادة لسياسات أوباما، بما فيها التفهم الذي أبداه الأخير للتدخل العسكري الروسي في سوريا.
لن يأتي بايدن، في حال فوزه، حاملاً ثأر هيلاري بسبب التدخل الروسي السابق لمصلحة ترامب. السياسات الأمريكية لا توضع بهذه الطريقة، واستخدام الموضوع الروسي للاستهلاك المحلي والضغط به على ترامب من قبل الديموقراطيين شأن والسياسة التي سيتبنونها في الرئاسة شأن آخر. وجود قوات البلدين في حيز جغرافي ضيق من سوريا سيحافظ على التنسيق بينهما، ولا يُستبعد أن يستجر المستوى العسكري تنسيقاً يذكّر باجتماعات لافروف-كيري، وخروجهما من الاجتماعات المغلقة ضاحكين أو متشابكي الأيدي. لقد اشتكى ترامب مراراً من أن سلفه أوباما قد خلّف له وضعاً يصعب تغييره في سوريا، ومآخذ الديموقراطيين على سياسة ترامب السورية لم تنتبه يوماً إلى معاناة السوريين عموماً أو إلى ضرورة التغيير السياسي، لقد انصبت في معظمها على ما يرونه محاباة لأردوغان وخذلاناً للقوات الكردية الحليفة في الحرب على داعش.
بعبارة أخرى، لا يُستبعد أيضاً، ضمن الود المفقود بين الديموقراطيين وأردوغان، أن تستفيد موسكو بالسيطرة على مناطق خاضعة للنفوذ التركي حالياً بضوء أخضر أو بعدم اكتراث من رئاسة ديموقراطية مقبلة. أيضاً، في أيام لها أفضل من هذه، أطلق أوباما على المعارضة السورية أوصافاً مهينة، بعضها على الأقل لتبرير سياساته. لم تكن المعارضة آنذاك مرتمية كلياً في الحضن التركي، والعامل الأخير سيُفقدها فرصة التواصل الإيجابي مع الإدارة إذا فاز بايدن، وحتى القسم الأصغر منها الدائر في الفلك السعودي قد لا تكون له أية حظوة في واشنطن، لأن الغالبية الديموقراطية في الكونغرس الحالي هاجمت مراراً الحرارة التي تربط ترامب بالمملكة، بل طالبت بالضغط على الرياض في العديد من القضايا بما يشبه انقلاباً على السياسة والتحالف التقليديين.
خسارة ترامب لن تنعكس تغيراً سريعاً، فبين يوم الانتخابات وتنصيب الرئيس الجديد ما يزيد على شهرين ونصف، والمئة يوم الأولى للرئيس الجديد تكون مكرسة للأولويات الداخلية وترتيب أركان إدارته. خسارة ترامب، والأجواء الموحية بنزاعات قضائية شرسة في حال تقارب أصوات المرشحين، تنذران بغياب الفاعلية الأمريكية واستغلال الغياب من قبل موسكو في سوريا، خاصة بعد تزايد الملفات الخلافية بينها وبين أنقرة. هذا مكسب صغير قد يتحقق لبشار الأسد في الوقت الضائع، لكن لا يُستهان به في خارطة نفوذ لم تعد تحتمل سوى ربح أو خسارة قطعة صغيرة هنا أو هناك.
في إطار المعلن، لن تكون هناك سياسة ديموقراطية إزاء بشار أقسى من سياسة ترامب، بل قد يستفيد من رغبة الديموقراطيين في التفاوض مع طهران لتحسين تموضعه بينها وبين موسكو، وامتلاك قدرة أفضل على اللعب بين طرفي الوصاية. لا نعلم من سيشجع بشار في انتخابات اليوم، فهو لا يواجه خسارة مؤلمة إذا فاز أيّ من المرشحين. ربما يكون حاله شبيهاً بكثر لجهة وجوده على مقاعد المتفرجين، إلا أنه لا يشاطر وعي نسبة كبيرة منهم ترى الخسارة في فوز الشعبويين أو في فوز ليبرالية انتهت إلى مرشح يخطئ في اسم منافسه.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت