بعد إعلانها “منكوبة”..إجراءات غائبة ووعي “هش” في مدينة الباب
يجري الإعلان بصورة شبه يومية عن دفن جثثٍ تعود لأشخاص يُشتبه بإصابتهم بفيروس “كورونا” في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، دون تشخيص كافة الاصابات والتأكد منها، في ظل الارتفاع الملحوظ بعدد الإصابات في المدينة. حيث تتأهب فرق “الدفاع المدني السوري” وتتعامل مع تلك الجثث على أنها مصابة بالفيروس، متخذةً إجراءات احتياطية أثناء عملية الدفن.
الباب كانت أولى مناطق الشمال السوري التي تم إعلانها “منكوبة”، من قبل وزارة الصحة التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، لاعتبارات عدة؛ كان أبرزها ارتفاع وتيرة الإصابات اليومية بشكل لافت وسط غياب الوعي السكاني لخطورة الوضع في المدينة المكتظة بعشرات آلاف السكان.
مدينة “منكوبة”.. إلى ماذا تم الاستناد؟
وزير الصحة في “الحكومة المؤقتة”، الدكتور مرام الشيخ، أعلن الاثنين الماضي، أن مدينة الباب في ريف حلب أصبحت مدينة “منكوبة”، مشيراً إلى أن النظام الصحي في المدينة بات عاجزاً عن استقبال المزيد من الحالات المصابة بالفيروس، مع بلوغ عدد الإصابات حينها أكثر من 460 إصابة في الباب، أي ربع عدد إصابات كافة مناطق شمال غرب سورية.
مدينة الباب في ريف حلب الشمالي تعتبر مدينة منكوبة، حيث سجل لحد الأن اكثر من ٤٦٠ اصابة فيها وهي وبحاجة لجهود الشرفاء في ظل الضعف الشديد بالامكانيات لدى السلطات الصحية هناك نحن قمنا بدورنا بتزويدهم بالادوية والمعقمات والكمامات لكن الاحتياج كبير وبحاجة لجهود الجميع. #الباب #كوفيد_19
— Dr. Maram Alsheikh د. مرام الشيخ (@DrMaramAlsheikh) October 11, 2020
وأوضح مدير البرامج الصحية في وزارة الصحة بـ”الحكومة المؤقتة”، الدكتور رامي كلزي، لموقع “السورية نت” أن إعلان المدينة منكوبة (من الناحية الصحية) يعني أن المدينة غير قادرة صحياً على التعامل مع الوباء المنتشر بسبب ازدياد عدد الإصابات وقلة الإمكانيات.
وأضاف: “تم الاستناد إلى أن مدينة الباب لا يوجد فيها مشافي مخصصة لعلاج حالات كوفيد- 19 ولا مراكز عزل ولا مراكز حجر صحي، بالإضافة إلى شح الأدوية حتى الأساسية منها، مثل سيتامول وبروفين والمضادات الحيوية البسيطة”.
من جانبه، اعتبر عضو شبكة الإنذار المبكر في مدينة الباب، الدكتور محمد صالح، أنه من المبكر تصنيف مدينة الباب على أنها “منكوبة”، خاصة مع انتشار فيروس “كورونا” في عموم الشمال السوري، معتبراً أن الأمور لا تزال منضبطة “إلى حد ما” رغم التساهل والتهاون باتباع الأساليب الوقائية.
وأضاف صالح في حديثه لـ”السورية نت”، أن مدينة الباب “موبوءة” كحال المدن والقرى في الشمال السوري، معتبراً أن مؤشر ارتفاع عدد الإصابات في مدينة الباب يعود إلى الكثافة السكانية في المدينة، بقوله “كل مدينة أو قرية في الشمال تُسجّل إصابات تتناسب تقريباً مع عدد سكانها، وليست أقل من الباب”.
وحتى مساء أمس السبت، بلغ عدد إصابات “كورونا” في الشمال السوري بلغت 2460، توفي منها 20 حالة مثبتة، وشفي 1163، حسب إحصائيات مركز الترصد الوبائي التابع لـ “وحدة تنسيق الدعم”.
وتتوزع الإصابات على مناطق الشمال السوري وفق النسب التالية: 26% في مدينة إدلب، 24% في مدينة الباب، 7% في المخيمات، 43% في باقي مدن وقرى الشمال.
وتقول وزارة الصحة في “الحكومة المؤقتة”، إن مدينة إدلب هي البؤرة الوبائية الثانية حالياً بعد مدينة الباب.
وعي محدود.. ما الذي تغير بعد إعلان المدينة “منكوبة”
مع إعلان “الحكومة المؤقتة” مدينة الباب “منكوبة” بدأت الأصوات الإنسانية ترتفع، مطالبةً السلطات في المدينة، وفي عموم الشمال السوري، باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، لمكافحة انتشار الفيروس المستجد، وسط دعوات للأهالي برفع سوية الوعي والتعامل بمسؤولية حيال الوضع الراهن.
فريق “منسقو استجابة سوريا” أصدر بياناً طالب فيه بإغلاق جميع المعابر “غير الشرعية” في الشمال السوري، معتبراً أنها المسؤول الأول عن تسجيل أولى الإصابات في المنطقة.
وأكد الفريق على ضرورة توسعة مراكز العزل المجتمعي والمشافي المخصصة لفيروس “كورونا”، مشيراً إلى أنها لم تتجاوز حتى الآن 17 مركزاً و8 مشافي في عموم الشمال السوري، تحوي 164 منفسة و18 مولدة أكسجين و42 اسطوانة فقط.
كما طالب “منسقو الاستجابة” بتخصيص ميزانية طارئة لمجابهة النفقات اللوجستية وسد الاحتياجات العاجلة، وإقرار حزمة قرارات اقتصادية من شأنها مساعدة المدنيين في مواجهة تبعات انتشار الفيروس المستجد.
إلا أن إعلان مدينة الباب “منكوبة” لم يتبعه أي إجراءات احترازية من قبل السلطات المعنية في المدينة، حيث لا تزال العملية التعليمة مستمرة في المدارس، كما أن المطاعم والأسواق لا تزال مفتوحة للزبائن بشكل اعتيادي.
مدير البرامج الصحية في وزارة الصحة بـ “الحكومة المؤقتة”، رامي كلزي، أوضح في حديث لـ “السورية نت” أن السلطات في مدينة الباب مترددة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، بسبب الوضع الاقتصادي السيء في المنطقة بشكل عام.
وعن وعي الأهالي، قال كلزي إن استجابة الناس لا تزال ضعيفة إلى الآن، رغم أن الجهات الفاعلة تقوم بالتوعية بكل الوسائل المتاحة، حسبما قال، مشيراً إلى أن الأهالي يتعذّرون بالوضع الاقتصادي المتردي وعدم مقدرتهم على البقاء دون عمل أو شراء الكمامات والمعقمات.
وأضاف “نريد أن نوضح أن المطلوب من الأهالي هو ارتداء كمامة حتى لو كانت قماشية مصنوعة منزلياً من أي قطعة قماشية مع غسيل وتعقيم بشكل يومي، والحفاظ على التباعد الجسدي لمسافة مترين عند الاختلاط مع الناس في العمل أو السوق وتجنب التلامس الجلدي، والابتعاد عن التجمعات وإلغاء أو تأجيل المناسبات الاجتماعية، وتجنب الخروج من المنزل إلا للضرورة خاصة تجاه المراكز الصحية”.
في حين اعتبر عضو شبكة الإنذار المبكر في مدينة الباب، محمد صالح، أن تعاطي أهالي المدينة مع الفيروس المستجد تغيّر بشكل بسيط بعد إعلانها “منكوبة”، مشيراً إلى أن الوعي زاد بنسبة 10 إلى 15% فقط.
وأضاف صالح لـ “السورية نت” أن السكان لا يلتزمون إلى الآن بالتدابير الوقائية من ارتداء الكمامات وترك مسافة اجتماعية والابتعاد عن التجمعات، موضحاً أن ارتداء الكمامات انتقل من نسبة 2% إلى 10% فقط.
وتابع: “هناك أشخاص مصابون بالفيروس ولا يزالوا منخرطين في المجتمع دون اتباع إجراءات العزل والحجر الصحي”.
القطاع الطبي يعاني: كارثة متوقعة و قدراتنا ضعيفة
وصف مدير البرامج الصحية في وزارة الصحة بـ “الحكومة المؤقتة”، رامي كلزي، الوضع الطبي في مدينة الباب وعموم الشمال السوري بالهش، بسبب ما أسماه الاستهداف الممنهج للمنشآت الطبية والكوادر الصحية وسيارات الإسعاف من قبل نظام الأسد وحلفائه خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن “قدرة النظام الصحي في المناطق المحررة على الاستجابة للوباء ضعيفة، وذلك لنقص التجهيزات المطلوبة مثل أسرّة العناية المشددة وأجهزة التنفس الاصطناعي والأدوية والمستهلكات الضرورية للعلاج”.
في حين تحدث عضو شبكة الإنذار، الدكتور محمد صالح، عن عدم وجود مراكز كافية لاستقبال جميع الإصابات في المدينة، حيث يتم عزل المصابين داخل منازلهم، ما يسهم في انتقال العدوى بصورة أكبر لعدم التزام بعض المرضى بتوصيات الأطباء وعزل أنفسهم بشكل كامل.
ولا يوجد في مدينة الباب المكتظة بنحو 170 ألف نسمة، سوى مركز عزل واحد، هو مشفى الباب التي تستقبل الحالات الحرجة والإسعافية فقط، فيما يتم عزل معظم الإصابات داخل منازلهم، بحسب صالح، متحدثاً عن سوء القطاع الطبي في المدينة، ومخاوف من عدم قدرة مشفى الباب على استقبال المزيد من الحالات الحرجة في ظل انتشار الفيروس.
وتابع “لا يوجد أي دعم دولي أو محلي للمنطقة. لا أحد قادر على دعم الناس ومساعدتهم في موضوع الالتزام بالمنازل، فالأهالي يريدون أن يعملوا لإعالة أنفسهم وأُسرهم”.
أما مدير البرامج الصحية في وزارة الصحة بـ “الحكومة المؤقتة”، رامي كلزي، فقد قال لـ “السورية نت” أن الوزارة تواصلت مباشرة مع الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية المعنية بالاستجابة في منطقة الباب، للإضاءة على الواقع الصحي و “هناك وضرورة لاتخاذ خطوات عاجلة”.
ونوه إلى أنه تم الحصول على الموافقات لافتتاح مشفى مخصص لفيروس “كورونا” من أجل علاج الحالات الشديدة، إلى جانب مركزي عزل مجتمعيين لعلاج الحالات الخفيفة، ومركز حجر صحي للمسافرين القادمين، مع تفعيل شبكة الإحالة، وتزويد المراكز الصحية بمواد الوقاية الشخصية والأدوية والمستهلكات الطبية الضرورية.
ومع ذلك، اعتبر كلزي أن الاعتماد بشكل رئيسي هو على وعي المجتمع المحلي، وليس فقط على دعم المجتمع الدولي، لافتاً إلى أن أكثر الدول تطوراً لم تتمكن من إيقاف المرض، وإنما نجحت في تقليل تسارع العدوى بحيث يبقى القطاع الصحي عندهم قادر على استيعاب الإصابات، على حد تعبيره.