بعد “الانفتاح العربي”.. هل ينجح نظام الأسد في جذب المستثمرين؟
خلال الأشهر الماضية زاد نظام الأسد من تصريحاته حول واقع الاستثمار في سورية بهدف جذب المستثمرين للدخول إلى السوق السورية.
ورغم أن هذا المسار ليس جديداً، إلا أن الدعوات المرتبطة به تضاعفت عقب عودة الأسد إلى الجامعة العربية وتطبيع العلاقات مع عدد من الدول وخاصة الخليجية.
وفي اجتماع المجلس الاقتصادي التابع للجامعة العربية في مايو/ أيار الماضي، دعا وزير الاقتصاد في حكومة الأسد، محمد سامر الخليل، الدول العربية للاستثمار في سورية.
وقال الخليل” ندعوكم للاستثمار في سورية في ظل وجود فرص مهمة، وآفاق واعدة، وقوانين جديدة جاذبة للاستثمار في قطاعات رابحة، ومجدية اقتصادياً لجميع الأطراف”.
التصريحات تبعها خطوات واجتماعات، آخرها كانت اجتماعات منتدى رجال الأعمال “العماني- السوري”، الأسبوع الماضي.
إذ طرحت “هيئة الاستثمار “التابعة لحكومة الأسد 60 فرصة استثمارية في ثماني محافظات بمختلف القطاعات.
وقال مدير الهيئة مدين دياب لصحيفة “تشرين” الحكومية إن “فرص الاستثمار تشمل قطاعات الصناعة (التحويلية والاستخراجية)، قطاعات توليد الكهرباء، الزراعة وتربية الحيوان، السياحة”.
هذه الفرص “مجهّزة الموافقات والتراخيص، ومدعومة بحوافز، وتسهيلات عامة وخاصة”، حسب الصحيفة.
إلا أن كل هذه التحركات لم تلق اهتماماً، واصطدمت بجدار العقوبات الاقتصادية، حسبما صرح دياب، والذي أقر بفشل جذب الشركات العربية للاستثمار في مناطق سيطرة النظام.
وقال دياب لوكالة “رويترز” الخميس الماضي، إن “الكثير من الشركات الأجنبية والعربية زارت هيئة الاستثمار السورية، لكن العقوبات الاقتصادية عائق أساسي أمامهم خوفاً من أن تطولهم العقوبات المفروضة على سورية”.
لماذا فشل النظام؟
أسباب عديدة تقف في عدم دخول المستثمرين إلى سورية، حددها محللون اقتصاديون، أولها العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والتي تحظر تعامل الشركات مع حكومة الأسد ورجال أعمال مقربين منها، بغض النظر عن جنسيتها.
لكن أستاذ الاقتصاد والمالية الدولية في جامعة “غازي عينتاب” التركية، عبد المنعم الحلبي يرى أن “العقوبات الأمريكية لها أثر بالغ لكنه ليس الوحيد”.
وأضاف الحلبي، لـ”السورية. نت”، أن “النظام والنخبة الاقتصادية المكونة لجزء منه وارتباطاتها الداخلية والخارجية تشكل العائق الأول للاستثمار”.
وحسب المستشار الاقتصادي ورئيس مجموعة عمل سوريا، أسامة القاضي، فإن النظام لم يهيئ الأرضية المناسبة لاجتذاب الاستثمارات العربية والأجنبية، عبر الإيفاء بتعهداته للدول العربية.
وقال القاضي إن النظام لم يلتزم بأي خطوة من الخطوات المتفق عليها في مؤتمر جدة، من وقف تهريب المخدرات وإيقاف القصف وإطلاق سراح المعتقلين، حتى تقوم الدول العربية بخطوة مماثلة للاستثمار في سورية.
واعتبر في حديث لـ”السورية.نت” أن الوضع في سورية لا يغري المستثمرين للدخول السوق، فلا “يوجد أحد يستثمر في بلد 95% من أهله تحت خط الفقر ومستوى الدخل ما بين 10 إلى 15 دولار فقط”
كما لا يمكن لأي مستثمر أن يطرح منتجه داخل سورية، فالشعب لا يملك استهلاكه، إضافة إلى غياب قوانين الاستثمار والأمن والابتزاز من قبل أشخاص محسوبين على النظام، حسب كلام القاضي.
هل يوجد بيئة استثمار؟
قبل الدعوة إلى الاستثمارات في أي بلد لابد من تهيئة البيئة الاستثمارية الخاصة التي تجذب المستثمرين وترغبهم بالدخول إلى أي سوق.
لكن البيئة الاستثمارية في سورية تحتاج للقوانين الجديدة التي تسهل الإجراءات التطبيقية لقيام الشركات، إضافة إلى دعم الجهاز المصرفي والمزيد من الحرية الاقتصادية والتنافسية، حسب الحلبي.
أما سعيد نحاس الاستشاري في مجال الصناعة ربط بين دخول أي مستثمر لأي بلد وبين ضرورة توفر شروط موضوعية، أولها العدالة القضائية.
وتفتقد سورية إلى وجود أساسيات الاستثمار وهي، حسب ما قاله نحاس لـ”السورية. نت”، القانون وتهيئة البنى التحتية من طرق وكهرباء، إضافة إلى عدم وجود عمال أصحاب خبرة بعد هجرة العمالة المدربة خارج سورية.
واعتبر نحاس أن مفتاح الاستثمار في سورية الآن هو تأمين “غطاء تشبيحي” من نظام الأسد والدخول معه في شراكة من أجل فتح أي استثمار.
وقال إن سورية “دولة عصابة، وإذا أراد أحد الاستثمار يجب أن يكون شريك العصابة أو جزء منها”.
وأضاف أنه “لا يوجد مستثمر صاحب عقل ولديه مال يريد أن ينميه، يمكن أن يستثمر في مناطق النظام، إلا النصابين ورجال العصابات الذين لديهم شراكات معينة مع جماعة النظام”.
وأكد أن معظم التجار والمستثمرين السوريين الأصل خرجوا من سورية، ليس بسبب معارضتهم للنظام، وإنما لم يعد هناك بيئة استثمارية تدعم بقائه كمستثمر ومصدر.
وضرب نحاس مثال لمصانع التعبئة والتغليف، إذ وصل عددهم في حلب قبل 2011 إلى 120 مصنع يصدرون إلى كل دول العالم، أما الآن يوجد مصنع أو اثنين، حسب كلامه.
ما دور روسيا وإيران؟
ولا يمكن عند الحديث عن الاستثمار في سورية، دون التطرق إلى موقف إيران وروسيا الداعمين لنظام الأسد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، واللذين استحوذا على استثمار قطاعات مهمة أبرزها النفط والغاز والفوسفات والكهرباء والمطارات والموانئ البحرية.
وربط محللون بين استحواذ الدولتين على القطاعات الحيوية وبين عدم دخول المستثمرين إلى سورية كونها لم يعد يوجد قطاعات استراتيجية تغري المستثمرين.
ويرى القاضي أن زيارة الرئيس الإيراني إلى سورية قبل القمة العربية وتوقيعه عشرات الاتفاقيات مع نظام الأسد في مختلف القطاعات كان بمثابة رسالة إلى الدول العربية بأنه “طهران موجود في سورية ومتحكمة بالاقتصاد ويجب التواصل معها”.
أما نحاس اعتبر أن الروس والإيرانيين وضمن نظرتهم المستقبلية، يرون أن أي استثمار في سورية يجب أن يكون لهم دور فيه، لكن ذلك مرتبط بالاستثمارات الكبيرة، أما الاستثمارات الصغيرة مثل فتح مصنع في مجال ما فاعتقد عدم ممانعة الطرفين لذلك.
من جانبه يرى عبد المنعم الحلبي أن لروسيا وإيران المصلحة الكبيرة في دخول الاستثمارات العربية، ولكن الأخيرة تبحث عن الجدوى الاقتصادية وليس الدور السياسي.
وقال إن الجدوى الاقتصادية غير متوفرة حالياً للأسباب السابقة.
إضافة إلى حالة عدم اليقين التي تسيطر على المشهد السياسي السوري والموقف الأمريكي والأوروبي الرافض لإعادة تأهيل النظام بدون تقدم ملموس في المسار السياسي.