بعيداً عن مدينتهم.. أهالٍ من “حلفايا” يحيون ذكرى “مجزرة الخبز”
من منفاهم القسري، أحيا ناشطون وأهالٍ وكوادر من مدينة حلفايا شمالي غربي حماة، الذكرى التاسعة لـ”مجزرة الخبز”، التي ارتكبتها طائرة حربية تابعة لنظام الأسد في المدينة، وراح ضحيتها عشرات المدنيين.
وتخلل الذكرى التي أحياها مهجّرو المدينة وآخرون من ريف حماة، في مخيم “جنة القرى” على الحدود السورية التركية، قرب منطقة حارم بريف إدلب، إلقاء كلمة وأنشودة ترثي المدينة المدمّرة وشعر ثوري وتكريم الكادر الطبي الذي كان شاهداً على المجزرة.
يوضح بشار دياب، أحد منسقي فعالية إحياء الذكرى، أن “اختيار المكان هو لتسليط الضوء على حال المدينة التي بات معظم سكانها من المهجرين في بقاع مختلفة وفي مخيمات النزوح شمالي إدلب، فضلاً عن كون المخيم من أكبر التجمعات لسكّان المدينة، حيث 4 آلاف مهجر”.
ويشير لـ”السورية.نت”، إلى أنّ “الفعالية كانت بدافع إعادة تفعيل الأنشطة الثورية الجامعة للشارع الثوري، والتذكير بالمجزرة التي ارتكبها النظام قبل تسع سنوات، وكانت الفعالية بمشاركة طيف من نشاط الحراك الثورة في منطقة ريف حماة”
“تذكير الأجيال”
أحمد الصباح، ناشط من “الحراك الثوري” في حماة، وأحد الحاضرين للذكرى، قال لـ”السورية.نت” إنّ “الحراك يحاول دائماً إحياء روح الثورة بين أبناء الشعب السوري في المناطق المحررة، من خلال الاستفادة من تواريخ محددة، هي مفصلية في تاريخ الثورة من مجازر وأحداث هامة أخرى”.
ويتابع: “الطفل الذي يبلغ اليوم 15 عاماً، كان عمره 5 سنوات حين وقوع المجزرة تقريباً، فمن المهم تذكير الأجيال الجديدة بهذه الأحداث التي كان نظام الأسد هو المسؤول المباشر عنها، والتأكيد لهم على استمرار الثورة، وكوننا مهجرين هو حال مؤقت، ريثما تنتصر الثورة”.
مجزرة انتقامية
كسر الأهالي و”ثوار حلفايا” حصار النظام لمدينتهم بعد أن قطع جميع موارد الحياة عنها عقب سيطرة الفصائل العسكرية، من كهرباء وطحين ومياه ومازوت وغاز، بتشغيل الفرن الوحيد في حلفايا، بحسب الناشط غياث الرجب، ناشط من المدينة وشاهد على المجزرة.
وفي 23 ديسمبر/ كانون الأول 2012، يوم الأحد، الساعة 3 عصراً، كانت المدينةُ الخارجة حديثاً عن سيطرة قوات الأسد، على موعدٍ مع مجزرة راح ضحيتها سكانٌ تجمّعوا أمام الفرن الذي شغّله أهالي وفعاليات المدينة بجهود فردية.
وراح ضحية المجزرة أكثر من 90 شخصاً و150 إصابة ما بين بالغة ومتوسطة وإعاقات، بقصف طائرة حربية، بـ 8 حاويات متفجّرة تحوي 100 قنبلة عنقودية، بحسب شهادات مراصد وعسكريين حينها.
يلفت الرجب في حديثٍ لـ”السورية.نت”، إلى أن “استخدام قوات الأسد لكمٍ كبيرٍ من الأسلحة العنقودية، لقتل أكبر قدر ممكن من المدنيين، جاء انتقاماً لخسارة النظام مناطق واسعة من منطقة ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي، وكانت مدن كفرنبودة ولطمين والزكاة والحواجز المحيطة بكفرزيتا واللطامنة وطيبة الإمام”.
سبق المجزرة تحليق مكثف للطيران الحربي، يقول الرجب:”فضّ الأهالي التجمعات على إثره، لكن الحاجة إلى رغيف الخبز دفعتهم للعودة إلى التّجمع ونفّذت الطائرة جريمتها الوحشيّة دون اكتراث بعشرات الأهالي المتجمّعين أمام الفرن”.
ويتابع الرجب: “صدمة كبيرة عاشها السكان لحظة المجزرة، لا يمكن وصف المشاهد التي أحملها في ذاكرتي، حملت عاموداً فقرياً لبقايا إنسان..اختلطت أعضاء الضحايا أمامي.. بعد تسع سنوات لا يمكن أن أنسى ذلك المشهد ورائحة اللحم البشري المحترق”.
ويشير إلى أنّ “نقطة طبيّة وحيدة في حلفايا، غير قادرة حينها على استيعاب العدد الكبير من الجرحى، الأمر الذي اضطر الأهالي إلى نقل المصابين إلى المناطق القريبة”.
شهادات
كان نزيه الغاوي الطبيب الوحيد في المستشفى الميدانية في مدينة حلفايا حين ارتكاب المجزرة، يروي مشاهداته لـ”السورية.نت”، عن “يومٍ مهوّلٍ.. أجساد بلا رؤوس، سيدات حوامل ضحايا القصف، أشلاء لجميع أعضاء الجسد، وعشرات الإصابات تصل إلى المستشفى الذي يتمتع بإمكانيات محدودة جداً”.
يقول: “لم تكن النقطة الوحيدة في المدينة قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من الضحايا والإصابات، عملنا على إسعاف المصابين قدر الإمكان بالتوازي مع تحويل المصابين إلى مستشفيات مركزية في الريف الحموي القريب لكن بصعوبة، على اعتبار أن المنفذ الوحيد إلى خارج المدينة كانت مياه نهر العاصي الفائضة، عبر المراكب، بعد أن قصف النظام الجسر الذي يربط المدينة بمدينة طيبة الإمام وطريق آخر زراعي، ترابي تحول إلى مستنقعٍ طيني”.
سكان منفيون
مخيم جنة القرى الذي شهد إحياء الذكرى، يعكس واقع سكّان حلفايا المنفيين خارج مدينتهم، التي غادروها قسراً لآخر مرة في شهر مارس/آذار من العام 2017، بعد اقتحام قوات الأسد مدعومةً بالميلشيات الروسية والإيرانية المدينة.
يتطلع أهالي حلفايا لعودة قريبة إلى مدينتهم، معتبرين أنّ “العودة حق مشروع”، كما باقي مهجري المناطق السورية المهجرين بفعل هجمات النظام وروسيا.
ويعاني مهجرو المخيم من قلة الدعم والمِنح التي تدعمهم بتأمين مستلزمات الحياة، خاصة أن بعضهم مضى على تهجيره أكثر من 9 سنوات.
“السورية.نت” في مخيمات إدلب المنكوبة..صور إثر عاصفة شردت النازحين أساساً