أجرى المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن جولة إقليمية شملت إيران، كان واضحا أن الجولة لم تحمل جديداً أبداً فقد كرر بيدرسن نفس العبارات التي رددها من قبله المبعوثون الدوليون (وما أكثرهم في الحالة السورية)، وكرر من طهران كلمات نقلت على لسانه لكنه نفاها بعد ذلك فيما يتعلق باستقرار الوضع السوري وعدم وجود جماعات تطالب بتغيير النظام في سوريا.
لا بد من الإيضاح هنا أن المشكلة ليست في المبعوث الأممي، وإنما في مهمته وعدم تحديث مهمته كي تصبح كما هي مهمة المبعوث الأممي في العراق أو تيمور الشرقية من حيث الإشراف على الانتقال السياسي وفق القرار 2254، لكن مهمته لا تعدو سوى التنسيق بين الأطراف السورية لضمان تطبيق القرار، ولما كان طرف النظام غير مهتم بتطبيق هذا القرار مما يجعل مهمته أشبه بالمستحيلة وهو ما ترغب فيه روسيا التي ذكرت المبعوث الأممي أكثر من مرة بأن مهمته تنسيقية وليست تنفيذية، وأنه لا يتمتع بالسلطة أو الصلاحيات كي يلزم الأطراف بتطبيق القرارات الأممية.
لقد حاول كل من كوفي أنان والإبراهيمي إقناع النظام بتطبيق اتفاق جنيف لتسهيل الانتقال السياسي عبر تشكيل “جسم انتقالي كامل الصلاحيات”، بيد أن الأسد كما كان معروفا للجميع رفض أية عروض تقوده إلى التنازل عن السلطة أو تشكيل مجلس انتقالي، يمتلك الصلاحيات الكاملة بما فيها الجيش والاستخبارات ويشرف على المرحلة الانتقالية، أو إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، تسبقها إجراءات شاملة تشمل عودة المهجرين والنازحين.
ولذلك وجدت المعارضة نفسها دوماً وجهاً لوجه مع المبعوث الأممي الذي أعلن كل واحد منهم فشله عبر تقديمه الاستقالة لشعوره بعدم إمكانية نجاح المهمة حتى في تحقيق أبسط إجراءات المفاوضات، وهي تحقيق إجراءات ثقة ومسارات متابعة تشرف عليها الأمم المتحدة، من مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين بحيث يجري تسليم كل اللوائح إلى الأمم المتحدة لإجبار نظام الأسد على إطلاقهم من دون أي شروط، ومتابعة شؤونهم بحيث تستطيع المعارضة أن تكسب ثقة الآلاف المؤلفة من العائلات السورية التي لديها معتقلون في سجون الأسد، كما رفض من قبل فك الحصار عن المناطق المحاصرة وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى المناطق المحتاجة.
للأسف لم يتحقق شيء من ذلك على مدى سنوات مفاوضات جنيف، ولذلك يشعر السوريون أنها بلا معنى أو حتى مبرر لعقدها من دون تحضير من القائمين عليها في الأمم المتحدة. فلم يفرج النظام عن المعتقلين وزادت عدد التقارير المروعة عن عمليات القتل والتصفية الجماعية داخل السجون، والأسوأ من ذلك كله أن المعارضة السياسية تشظت إلى معنى ضياع الهوية السورية تماما، فتحالفاتها باتت من يفرض عليها قرارها ولم يعد القرار الوطني موجها لها أو بوصلة لتحركاتها.
كتبنا أكثر من مرة أن مسار جنيف وصل إلى طريق مسدود، لكن المشكلة أن لا الأطراف الدولية ولا المجتمع الدولي لديه الرغبة أو الاهتمام كي يقوم بالجهود الضرورية لبناء مسار جديد، فقد انتهى تماما الاهتمام الدولي بالوضع السوري وتُرك السوريون كي يعيشوا ألمهم وحدهم.
وهو ما يضع مسؤولية مضاعفة على السوريين في المهجر والمعارضة السياسية من أجل تعبئة جماعية للمعارضة بما أسمّيه عملية ” التحشيد المدني ” من أجل التغيير، وهذه تشمل المهجرين واللاجئين والسوريين في المناطق المحررة وحتى في مناطق النظام، إنهاء عهد ما يسمى الفصائل المسلحة والتوحّد تحت راية وطنية واحدة، وبنفس الوقت خلق مناخ سياسي ضاغط دولي وإقليمي وداخلي باتجاه مطالب محددة وواضحة من مثل الإفراج عن المعتقلين كلهم وإنهاء وصمة العار “والمسالخ” البشرية التي تستمر تحت أعيننا.
يجب على المعارضة السياسية العمل على تشكيل قطب موازٍ مؤثر وفعال عبر تكثيف الاجتماعات الدورية والاتفاق على عدد من الخطوات السياسية ذات الأثر الجماهيري، من مثل الدعوة إلى عدد من الاعتصامات السلمية والعلنية بشكل مشترك داخل سوريا وخارجها.
علينا أن نعتمد على الشباب كشريحة محورية في بناء التراكمات السياسية على أرض الواقع، ففعاليتهم في المشاركة يؤشر على الديمومة والاستمرارية والقدرة على الوصول إلى أكبر الشرائح تأثيراً في المجتمع السوري بحكم كونه مجتمعا شابّا كما يدل على ذلك متوسط العمر لدى المجتمع السوري .
والجزء الأخير من عملية التحشيد تتعلق ببناء استراتيجية واضحة ومحددة الخطوات والأهداف لعملية الانتهاء من الألم، وإشاعة الأمل بأن التغيير في سوريا ليس ممكنا فحسب بل قادم بكل تأكيد.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت