أعاد الفنان السوري جمال سليمان، في زيارته موسكو أخيرا، ولقائه، مع آخرين، وزير الخارجية، سيرغي لافروف، ومسؤولين روسا آخرين، إحياء اقتراح بتشكيل مجلس عسكري، كان قدّمه للجانب الروسي قبل سنوات، على أنه “حل سحري”، ربما قابل لتطويع الرئيس بشار الأسد، وإحداث التغيير اللازم الذي تنشده ثورة السوريين. وهو، حسب المقترح، يتطلب تنازلا عن السلطة، يقدّمه الأسد طواعية وبنفسٍ راضية، يسلم خلاله سلطاته إلى المجلس المأمول ليحل مكانه. .. ما يلفت هنا، في مثل هذه الأمنيات الباحثة عن أي منفذ لإنهاء المأساة السورية، مقدار الثقة بأن روسيا، أو المعارضة، تملك من الدالّة على الأسد ما يحقق لهما (إذا اجتمعت إرادتهما على ذلك) تمنياتهما، متجاهلين أن الحديث هو عن الرئيس الذي يخوض حربه من أجل هذه السلطة منذ عام 2011، من دون تقديم أي بادرة حسن نية تجاه ما يمكن تسميتها تسوية الصراع، على الرغم من عشرات القرارات الدولية ضده وعقوبات اقتصادية حاصرته، وجيوش (صديقة له وعدوة) تحتل أجزاء من بلده، وتسير أمور دولته.
استطاع بشار الأسد منذ التدخل الروسي عام 2015 أن يستعيد ثلثي المساحة السورية التي خرجت عن سيطرته، وضحّى بعشرات آلاف من قوات الجيش السوري مقابل السلطة التي يريد جمال سليمان أن يتنازل الأسد عنها لحساب “مجلس عسكري يدير البلاد ويصلح المؤسسة العسكرية لتوفير المناخ المناسب لاستتباب الأمن، ونزع السلاح من يد الجماعات المسلحة، واستعادة سيادة الدولة على كافة أراضيها”. وإذا كان الاستهجان كبيرا من جمهور الثورة من موقف الفنان المعروف، لجهة أن يكون هذا المجلس يصدر بمرسوم جمهوري من الأسد نفسه، معتبرين ذلك خيانة للثورة، فإن ما تودّ هذه المقالة مناقشته أمر مختلف، لأن الثورة، لو اضطر الأسد لتوقيع حكم الإعدام على نفسه ونظامه، تكون في موضع المنتصر بحق لأسباب عديدة منها:
هذا المرسوم بصيغته التي يريدها سليمان يحدث في حالة إعلان النظام هزيمته، وأنه غير قادر على متابعة الحرب ضد شعبه، ويطلب التسوية والأمان مقابل تسليم سلطاته، ومشاركة بعض ضباطه ممن لم تتلوّث أيديهم بالدماء، وهي المعادلة المستحيلة في ظل إعلان الأسد نفسه أن كل من ليس معه فهو ضده، كما أن ضباط والده حافظ الأسد تقاعدوا عن الخدمة بحكم أعمارهم، وبحكم تخلّص الأسد الابن ممن سمّوا الحرس القديم مع بداية حكمه سورية، وتمكّنه من مسك خيوط الدولة الأمنية.
والاحتمال الآخر أن تكون روسيا أدارت فوهات أسلحتها باتجاه قوات الأسد بديلا عن وجهتها الحالية، حيث لا تزال تقصف مناطق المعارضة، وتقف على الضفة التي يقف عليها نظام الأسد، فهل لدى جمال سليمان معطيات تمنحه الشعور بإمكانية انقلاب الرئيس الروسي بوتين على الأسد، ومنح السوريين فرصة التعاطي مع شأنهم السوري، وفق ما أراده صاحب الاقتراح بنياته الحسنة، “لإحداث خرقٍ في حالة جمود الملف السوري، واعتبار تشكيل المجلس العسكري أكثر المقاربات واقعيةً وأكثرها ضمانا لوحدة سوريا وإيقاف دائرة القتل والدمار والانتقال السياسي الآمن لتنفيذ القرار 2254”.
إنه الوهم الإيجابي الذي يتفوّق على قدرتنا بتحليل الواقع، ويقدّم حلولاً خارج سياق المعطيات على الأرض. ويحسِن الظن بالطرف الآخر وصولاً إلى تصوّر إمكانية تنازله عن سلطةٍ دافع عنها بالتضحية بجيشه، وبقتل نحو مليون سوري، وتشريد نصف سكان سورية. وإذ برّر جمال سليمان ذلك بأنه رأي شخصي، وأنه يجدها المقاربة الواقعية، فإن السؤال هو عن مدى قناعته بحكم العسكر وديمقراطيتهم ليتنازلوا عن امتيازاتهم، في وقتٍ لم يستطع عموم السوريين أن يأمنوا شر السلطة في مؤسسات المعارضة التي تحوّلت إلى ملكياتٍ خاصة يمنع تداول مناصبها، فهل هو الحديث هنا عن مجلس عسكري ملائكي، غير ما هو شائع في مقاربات الدول التي أخذت بهذه التجربة، مصر أو السودان مثلا؟
تزامن إحياء اقتراح جمال سليمان، تشكيل مجلس عسكري لقيادة سورية في المرحلة الانتقالية، مع أخبار زيارة العميد مناف طلاس روسيا، من دون أي أخبار عن مضمون المحادثات التي يمكن أن تدور بين مسؤولي دولةٍ تتقاسم حكم سورية مع النظام (وحليفته إيران) وضابط “منشق” يعتبره النظام “خائنا”، وهو ضمن اعتبارات بعض المعارضة ليس جزءا منها، ما أعطى المجال واسعاً لتكهنات بشأن إمكانية تنفيذ المقترح، الأمر الذي أثار التساؤلات عما إذا كان المقترح داعب خيال مسؤولين روس للتشاور حوله، وأعاد الحياة إلى سيرة الجنرال طلاس الذي خرج من سورية، ليعود إليها حاكما عسكريا تحت وصاية روسيا حليف الأسد، وبوساطة فرنسية، قد تكون نافذة لأوروبا وإعادة دورها إلى الملف السوري، في محاولة لتخفيف وطأة التنمر الأميركي المحتمل على موسكو.
يمكن لروسيا أن تأخذ المقترح بعنوانه العريض، ولكن ليس لحكم سورية لمرحلة انتقالية، بل لإعادة سيرتها في تشكيل فيالقها في سورية على غرار الفيلق الخامس. وقد يكون لسيرة العميد مناف طلاس التي تلقَى القبول من بعض النظام وبعض المعارضة ما يقوّي فكرتها في تشكيل جيشٍ رديف، تقاوم به النفوذ الإيراني الذي يستقوي به النظام، ويفتح احتمالات تمرّده على موسكو، بعد إشاعة روح التفاؤل بالتقارب الأميركي الإيراني، وتجاهل الرئيس الأميركي جو بايدن الملف السوري في أولوياته الخارجية، خلال خطابه في الرابع من فبراير/ شباط الحالي، ما يشجع النظام على تمتين علاقته مع إيران على حساب موسكو، وليس التخلي عن سلطته لحساب مجلس عسكري تقرّه موسكو وتستفيد منه المعارضة من دون النظام.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت