لم يكن نتنياهو في حاجة إلى صواريخ حماس ليعلن الحرب على الفلسطينيين. فالحرب قائمة أصلاً منذ نشوء الكيان الإسرائيلي كدولة احتلال استيطاني تفرغ الأرض من سكانها لتطابق الشعار الصهيوني «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ولم تكن صواريخ حماس قد بدأت باختراق «القبة الحديدية» الإسرائيلية، فتصيب أهدافاً في عمق الأراضي المحتلة منذ العام 1948، حين شجع نتنياهو، المأزوم سياسياً، حركة استيلاء مستوطنين على بيوت فلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، مشعلاً بذلك الفتيل الأول للحريق الكبير الذي سيتبعه. بل قد يمكن القول إنه، بذلك، قام باستدراج صواريخ حماس ليشن على قطاع غزة حربه المعدة سلفاً التي كان يهدد بها كل حين وحين في السنوات الماضية. ربما من هذا المنظور يمكن تفهم بعض اللوم الموجه لحركة حماس على وقوعها في فخ الاستدراج المذكور.
ولم يكن بشار الأسد في حاجة لظهور السلاح بين أيدي سوريين، بعد أشهر على بداية الثورة الشعبية السلمية في آذار 2011، ليشن حربه على سوريا والسوريين. فالحرب الأسدية على سوريا بدأت منذ العام 1980 على أقرب تقدير، حين ارتكبت قوات أبيه مجازر حماة وتدمر وجسر الشغور وحلب وغيرها، وزجت بعشرات الآلاف في السجون والمعتقلات الرهيبة، في حملة تأديبية لكل السوريين ظلت آثارها فاعلة حتى بداية ثورة 2011.
ومنذ اليوم الأول للثورة السلمية بدأت قواته بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين فتقتل عدداً منهم لردع الآخرين، واستمرت أعداد القتلى اليوميين في التصاعد، من غير أن نحسب المعتقلين الذين تعرضوا لصنوف من التعذيب لا يحتملها بشر. بل إن الشرارة قد بدأت أصلاً، قبل ذلك، باعتقال أطفال درعا وتعريضهم لصنوف التعذيب.
أظهر نتنياهو استعداداً للمخاطرة بكل شيء ليستمر في الحكم، بما في ذلك افتعال حرب أهلية بين يهود وعرب من سكان المدن المختلطة داخل الخط الأخضر. فكان شعاره المضمر «نتنياهو أو أحرق إسرائيل» على خطى شعار بشار المجرب الذي نجح في إحراق سوريا وتهجير نصف سكانه مع بقاء الأسد الذي يستعد، بعد أيام، لتمديد حكمه في ولاية جديدة من سبع سنوات، بعد واحد وعشرين عاماً على وراثته للحكم من أبيه. طموح نتنياهو السياسي أكثر تواضعاً من نظيره، فعمر حكمه خمسة عشر عاماً فقط، وإذا نجح، بفضل الحرب الدائرة اليوم، في الانتخابات القادمة سيحكم أربع سنوات إضافية نظرياً، مع بقاء احتمال ألا يكمل ولايته الجديدة إلى نهايتها. وعلى أي حال سيبقى نتنياهو خاسراً في التنافس مع الأسد بعدد سنوات الحكم، لأنه بدأ متأخراً عنه بخمس سنوات، وليس من المحتمل أن يستمر في حكم إسرائيل بعد سقوط الأسد، على فرض أن هذا سيحدث يوماً ما.
من ناحية أخرى، نتنياهو مضطر لخوض انتخابات تلو انتخابات لتمديد حكمه، فيركض وراء إرضاء كل صوت انتخابي، في حين لا يحتاجها الأسد، لكنه يفعلها لإضفاء شيء من المرح على روتين أيامه وسنواته، ولمد لسانه إلى المجتمع الدولي، بخاصة بعدما صار يتنافس على الفوز بأصوات الناخبين، مع راكبين آخرين، فيفوز عليهما بالضربة القاضية، ويحصل على «تفويض شعبي» جديد يمده بالطاقة والحيوية. وهي فرصة للتأكد من مدى حب السوريين له وتمسكهم به مهما ساءت أحوالهم ومهما فعل بهم. هذه «النِعَم» الاستثنائية لا يحلم بمثلها نظيره الإسرائيلي الذي يتجرجر في المحاكم بتهم الفساد، في الوقت الذي يراكم فيه الأسد ثروات طائلة تبقى «فوق الشبهات» ببساطة لأنها غير موجودة رسمياً.
وإذا كان نتنياهو قد احتاج إلى شن الحرب لزيادة فرصه في الفوز في الانتخابات القادمة، فنظيره بشار لا يحتاج لشن حرب مماثلة على محافظة إدلب أو مناطق أخرى للفوز في الانتخابات الوشيكة. مع العلم أن الحرب على غزة ليست ضمانة لفوز نتنياهو، بل قد تشكل سبباً لسقوط مدوٍ، في حين أن الأسد لا يحتاج إلى فعل أي شيء. بل إن إمعانه في تجويع السوريين في مناطق سيطرته، وازدياد تبعيته لروسيا وإيران، لا يؤثران أبداً على «شعبيته» حتى أن منافسَيه على منصب الرئاسة قد يصوتان له في الانتخابات إثباتاً لولائهما بعد اهتزازه بسبب ترشيحهما لنفسيهما على مضض.
لكن بشار الأسد يحتاج شيئاً، مع ذلك، ليس طبعاً للفوز في الانتخابات، بل لإعادة تنشيط الخطاب الممانع الذي تعرض للصدأ تحت وطأة خطاب الحرب على الإرهاب. فكانت حرب نظيره نتنياهو على الفلسطينيين بمثابة هدية من السماء ليستعيد اللغو المألوف عن «العدو الإسرائيلي الغاشم» و«الكيان الصهيوني» وما إلى ذلك من عدة خطابية فقدت بريقها في سنوات العقد الذي مضى. حتى الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية، طوال السنوات الماضية، ما كان لها أن تفي بالغرض، بسبب الإحراج الذي كانت تؤدي إليه. أما اليوم فيعود الطبل والزمر الممانعان إلى نشاطهما المعتاد بفضل وحشية الجيش الإسرائيلي وجرائم المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت