تحديات وفرص وأولويات..ملامح سياسة بايدن الخارجية في أربعة أعوام
تنظر حكومات الدول الغربية والعربية بعين الأهمية والحذر، للاستراتيجية التي ستسير فيها إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، في الأعوام الأربعة المقبلة.
وحسب ما أظهرته تحركات الأيام الماضية من عمر ولايته الجديدة، فيبدو أن استراتيجية بايدن ستكون مختلفة “جذرياً” عن تلك التي سار عليها سلفه دونالد ترامب، ولاسيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
“البيت الأبيض” وفي الثالث من آذار/مارس الحالي، نشر وثيقة “الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي” من 24 صفحة، وفيها أعطى ملامح إرشادية عامة عن توجهات الإدارة الجديدة في واشنطن، والتي مضى على تسلمها مقاليد الحكم أكثر من 47 يوماً.
تضمنت الوثيقة عدة نقاط ومحددات، وجاءت بعد إلحاح متواتر واجهه بايدن للإفصاح عن توجهات إدارته وأولوياتها في المرحلة المقبلة، وضمن تفاصيلها كان لافتاً درجة الوضوح المرتبطة بالتحديات الأمنية، والتي يتلخص أبرزها في 5 نقاط.
“تهديدات أمنية وناشئة”
أولى التحديات التي تطرقت إليها وثيقة “الدليل الاستراتيجي للأمن القومي”، هي التهديدات الأمنية العابرة للحدود، ويضاف إليها التهديدات الناشئة عن تغير توزيع القوة العالمية وصعود الصين وروسيا.
وهناك تحدٍ ثالث يرتبط بـ”تآكل المعايير الديمقراطية”، بالإضافة إلى التحديات بصورتها العامة والتي تواجه النظام الدولي الليبرالي، إلى جانب التحدي المرتبط بالتقدم الثوري في التكنولوجيا، أي التغييرات المتلاحقة التي تشهدها الأخيرة.
واعتبرت الوثيقة أن “مصير أمريكا اليوم أصبح أكثر ارتباطاً بالأحداث خارج شواطئنا، أكثر من أي وقت مضى”، مشيرةً إلى قضايا أخرى تشكّل تهديداً للولايات المتحدة، بينها “فيروس كورونا” وتغير المناخ العالمي و”القومية العالمية”.
وفي ذات الوقت أوضحت الوثيقة أن العديد من المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة، هي مادية مثل الحدود والجدران، معتبرةً أن “النظام الديمقراطي في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة، تحت الحصار”.
وتنص الوثيقة أيضاً، التي اطلع عليها فريق “السورية.نت”، على أن “الدبلوماسية ستكون مفضلة على استخدام القوة العسكرية”، وأنّ الترويج للديموقراطية في جميع أنحاء العالم سيكون عنصراً مركزياً في استراتيجية الأمن القومي.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
كان للشرق الأوسط نصيبٌ من هذه الوثيقة، والتي تحدثت عن ضرورة عدم إعطاء شركات الولايات المتحدة في المنطقة “شيكاً على بياض للعمل وفق سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأمريكية”.
كما أكدت على أن الوجود العسكري الأمريكي سيكون محدوداً في الشرق الأوسط، وفي مقدمة مهماته “مواجهة الإرهاب وردع إيران”، إلى جانب “حماية المصالح الأمريكية”.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وملفاتها وصراعاتها المتعددة والمتشابكة، هي التحدي الأبرز الذي تواجهه إدارة بايدن خارجياً، حسب مراقبين.
وأبرز تلك الملفات، الاتفاق النووي الإيراني، والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والحرب في اليمن، وصراع شرق المتوسط، وليبيا، وملف حقوق الإنسان، وغيرها.
وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرمته القوى العالمية عام 2015، وفرضت سلسلة عقوبات “قاسية”، خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
كما أن هناك أيضاً الحرب المدمرة في اليمن، والتي أيدها أوباما في البداية بشكل جزئي، لتهدئة الغضب السعودي بشأن الاتفاق مع عدوة الرياض اللدودة إيران.
وبالعودة إلى التفاصيل المتعلقة بالشرق الأوسط، فقد أشارت الوثيقة في جزء بارز منها، إلى أن الوجود العسكري الأقوى للولايات المتحدة، سيكون في منطقة المحيط الهادئ وأوروبا، بينما في إفريقيا سيتم التركيز على إقامة شراكات جديدة من أجل تنمية المجتمع المدني والاقتصاد والمؤسسات الصحية.
وتحدثت الوثيقة أن “الولايات المتحدة لن تنفق بعد الآن تريليونات الدولارات على حروب لا نهاية لها”.
وتابعت: “سننهي بشكل مسؤول أطول حرب أميركية في أفغانستان، مع ضمان ألا تكون ملاذاً آمناً مرة أخرى للهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة وأماكن أخرى”.
وفيما يخص إسرائيل قالت الوثيقة: “سنحافظ على التزامنا الصارم بأمن إسرائيل، بينما نسعى لتعزيز تكاملها مع جيرانها، واستئناف دورنا كمشجع لحل الدولتين القابل للحياة”.
“التحديات قد تتحول لفرص”
رغم ما سبق من تحديات تطرقت الوثيقة لذكرها، فهناك “فرص لا مثيل لها”.
وأضافت: “لا يمكننا التظاهر بإمكانية إعادة العالم إلى ما كان عليه قبل 75 أو 30 أو حتى أربع سنوات. في السياسة الخارجية والأمن القومي، كما هو الحال في السياسة الداخلية، علينا رسم مسار جديد”.
ويتطلب ضمان أمن الولايات المتحدة القومي في جوهره، أن تتجه إلى “الدفاع عن المصادر الأساسية للقوة الأمريكية ورعايتها، بما في ذلك الشعب والاقتصاد والديمقراطية في الداخل”.
كما يتطلب “تعزيز التوزيع المناسب للسلطة لردع الخصوم ومنعهم من تهديد الولايات المتحدة وحلفائها بشكل مباشر، إلى جانب قيادة ودعم نظام دولي مستقر ومنفتح، تدعمه تحالفات ديمقراطية قوية وشراكات ومؤسسات وقواعد متعددة الأطراف”.
“الدبلوماسية عادت”
وفي خطابه الأول مطلع شباط/فبراير الماضي، كان جو بايدن، الرئيس الأمريكي الـ46 للولايات المتحدة قد كشف عن الخطوط العريضة للدبلوماسية الأمريكية الجديدة، لا سيما إزاء قضايا الشرق الأوسط وروسيا.
وقال: “أمريكا عادت. الدبلوماسية عادت”، فيما تعهد بـ”بناء تحالفات دولية جديدة” مع التصدي بقوة لروسيا والصين، في خطوة منه لإنهاء السياسة التي اتبعها سلفه دونالد ترامب نحو هذين البلدين.
سلسلة قرارات أعلن عنها بايدن في ذلك الوقت، وكان في مقدمتها إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية في اليمن وتجميد سحب القوات الأمريكية من ألمانيا.
كما بدأ بايدن بتغيير اللهجة تجاه روسيا، في قطيعة واضحة مع السياسة الدبلوماسية التي انتهجها ترامب، في السنوات الأربع الماضية.