كشف تحقيق استقصائي اختفاء أربعة أطنان من المواد الكيمائية، بعد وصولها إلى نظام الأسد بحجة استخدامها في صناعة الأدوية لدى شركة “المتوسط للصناعات الدوائية”.
وصدر التحقيق عن “وحدة التحقيق التابعة لمجموعة تاميديا الإعلامية السويسرية”، بالتعاون مع مركز “بوليتزر للإبلاغ عن الأزمات”، وبالتعاون مع موقع “درج”.
وجاء في التحقيق أن “معظم المواد الكيميائية التي تدخل في صناعة دواء فولتارين، لم تصل قط إلى وجهتها” في سورية، وهي شركة “المتوسط للصناعات الدوائية”.
وأكد التحقيق أنه “في 20 أيار/مايو 2014، أرسل المدير التجاري لشركة المتوسط للصناعات الدوائية شخصياً رسالة عاجلة عبر البريد الإلكتروني إلى شركة برينتاغ (الألمانية) في مدينة بازل السويسرية، طالباً خمسة أطنان من الإيزوبروبانول و280 كيلوغراماً من مادة ثنائي إيثيل أمين”.
وبعد مرور ثمانية أيام “قدمت شركة برينتاغ ملف التصدير إلى أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية”.
وبحسب التحقيق فإن “البضائع نقلت عبر نهر الراين على متن سفينة في 19 تشرين الثاني 2014، وهو مسار غريب إلى حد ما. أولاً، نُقلت المواد الكيميائية لمسافة نحو 560 كيلومتراً جنوباً، عن طريق البر من مدينة دويسبورغ (الألمانية)، ثم توجهت على متن سفينة إلى الشمال مرة أخرى في نفس الطريق تقريباً. وحُمِّلت البضائع على متن سفينة عابرة للمحيطات قبل نقلها إلى اللاذقية في سورية”.
وأكد التحقيق أنهُ وبعد رحلة استغرقت أسابيع وصلت خمسة أطنان من الإيزوبروبانول و280 كيلوغراماً من مادة ثنائي إيثيل أمين إلى مخازن “شركة المتوسط للصناعات الدوائية” في 14 كانون الثاني/ يناير 2015.
ويدخل مستحضر الإيزوبروبانول في صناعة العقاقير الطبية، كما يُعد عنصراً أساسياً في تصنيع السارين: غاز الأعصاب، وهو محظور بيعه إلى سورية من قبل الاتحاد الأوروبي دون الحصول على تصريح خاص.
ويشير التحقيق إلى أن كمية 1.12 طن من الإيزوبروبانول استخدمت فقط في تغليف أقراص دوائية، بينما اختفت الأطنان الأربعة الأخرى.
ونقل التحقيق عن العميد الركن المنشق عن نظام الأسد، زاهر الساكت، قوله إن “استخدام شركات الأدوية كغطاء، يُعد أحد أكثر الوسائل المفضلة لدى النظام، لاستيراد مواد كيميائية عالية الجودة”.
وأضاف “من المؤكد أن هذه الأطنان الأربعة وصلت إلى أيدي النظام. إذ إن جميع مديري شركات الأدوية السورية تربطهم علاقات بالحكومة”.
وليست المرة الأولى التي تثار فيها القضية، إذ كشفت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” ومؤسسات إعلامية ألمانية وسويسرية، في 2019 عن صفقات بين شركة “برينتاغ” الألمانية وبيعها مواد كيماوية لنظام الأسد، ورفعت ثلاث منظمات غير حكومية دعوى ضد الشركة.
إلا أن الادعاء العام في ألمانيا أغلق ملف الدعوى حينها، وسط تبرير من الشركة أنها “التزمت بالقوانين والضوابط في صفقتها”.
كلمة السر عن “العطار”
وأشار التحقيق إلى أن صفقة بيع المواد الكيماوية ورائها، عبد الرحمن العطار، الرئيس السابق لشركة المتوسط للصناعات الدوائية، وهو الأمر الذي أكده الساكت بقوله إن “عبد الرحمن العطار هو الرجل المثالي” ليتولى زمام الأمور في هذه الصفقة.
وجاء في التحقيق إن العطار “حظي بصدقية دولية بحكم شغله منصب رئيس منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، وبفضل هذا المنصب لم يرد اسمه في أي من قوائم العقوبات الدولية”، مشيرا إلى أن “هذا أحد العوامل التي ساهمت في طمأنة أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية”.
ويعتبر عبد الرحمن العطار من أبرز رجال الأعمال في سورية، وترأس منظمة الهلال الأحمر السوري منذ 1981 وحتى 2016، حيث قدم استقالته قبل وفاته بعامين في 2018.
وتأسست شركة “المتوسط للصناعة الدوائية” في 1988 وهي شركة متخصصة في صناعدة الأدوية ومواد التجميل وهي تابعة لـ”مجموعة العطار”.
ويتهم الغرب نظام الأسد بالمسؤولية عن هجمات كيميائية ضد مناطق خرجت عن سيطرته، في حين ينكر النظام ذلك بقوله إنه سلم مخزونه الكيماوي بالكامل بعد عام 2013.
إلا أن الأمم المتحدة أدانت نظام الأسد، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مشيرة إلى أنه يقدم بيانات “غير كاملة” بشأن أسلحته الكيماوية.