في قبو لمخبز يكاد يغرق في الظلام الدامس قرب دمشق، غسلت هيام حشاش الأوعية البلاستيكية بينما قام زملاؤها الذكور بقلي كرات العجين بالزيت المغلي.
هذه هي المرة الأولى التي تعمل بها ذات الأربعين عاماً خارج منزلها، وهذا أمر ما كانت لتتخيل مسبقاً أن تضطر لفعله. ولكن حياتها اختلفت بعد أن قتل زوجها وابنها البكر وهما يقاتلان في صفوف المعارضة.
قصة هذه المرأة، هي أنموذجاً لحال الكثير من السوريات اللواتي اضطررن إلى النزول لسوق العمل بسبب نقص الرجال، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة “فاينشال تايمز(link is external)” اليوم الجمعة، وترجمته “السورية نت”.
قالت السيدة حشاش وهي ترتدي حجاباً أسود اللون: “كان كل شيء جيداً، ولكن بعد أن خسرت ابني لم أتمكن من إيجاد أحد لمساعدتي واضطررت للبدء بالعمل”. مع ثلاثة أطفال عليها إعالتهم، هي واحدة من العديد من النساء السوريات اللواتي يعشن تحولاً عميقاً في الأدوار الاجتماعية للجنسين، في بلد يغلب عليه الطابع المحافظ، والذي تعرض نسيجه الاجتماعي للتمزق بسبب الحرب.
أزمة ديمغرافية..
الصحيفة البريطانية نوهت إلى دور الحملة العسكرية لنظام الأسد، وجهود التجنيد الواسعة التي شكلت أزمة ديموغرافية، من بين من قتلوا خلال الحرب والبالغ عددهم حوالي نصف مليون شخص، حوالي 80 بالمئة كانوا رجالاً، وفقاً للمركز السوري لأبحاث السياسة.
ووجد المركز، أن متوسط العمر المتوقع للذكور قد انخفض من 70 عاماً في 2010 إلى 48 بحلول عام 2015. والذكور المتراوحة أعمارهم ما بين 15-24 هم من عانوا من الانخفاض الأشد في متوسط العمر المتوقع.
وسعى ملايين الشباب للجوء في البلدان المجاورة وفي أوروبا، وهم يخشون من التجنيد أو العقاب في حال عادوا.
كان لذلك آثار اجتماعية واقتصادية هائلة. تعد النساء الآن المعيلات والراعيات الأساسيات في حوالي ثلث المنازل السورية، وفقاً لوكالة النساء التابعة للأمم المتحدة.
أين الرجال؟
وائل البالغ من العمر 42 قال وهو يحاول بيع أثواب الزفاف المنتفخة في دمشق دون جدوى: “حقاً، أين كل الرجال؟ إن أردت الارتباط بإمكانك الزواج بعشر نساء”.
تقيم بعض النسوة الأعراس بغياب العريس حتى، حسبما قال محي الدين (مبيضة)، 48، الذي يدير متجراً للزفاف في ذات السوق الدمشقي: “العريس يكون في بلد آخر لذا تقيم العروس حفلة صغيرة، ترتدي فستان الزفاف، إنه يرمز لبداية جديدة في حياتها”، حسبما قال. العريس يشاهد الحفل عبر رابط الفيديو.
وبحسب تقرير الصحيفة، فإنه أهم من ذلك، أدى غياب الرجال إلى تغيير قوة العمل. قبل الحرب، لم تكن تعمل سوى خمس أعداد النساء، وفقاً لإحصائيات المنتدى الاقتصادي العالمي.
ومع نقص أعداد الرجال، لم يعد للعديد من أرباب العمل خيار سوى توظيف النساء، “هنالك بالتأكيد خلل في التوازن بين الجنسين في سوق العمل السوري”، كما قالت ريما قادري، وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة نظام الأسد.
وأضافت: “نسبة النساء أعلى من نسبة الرجال”. بين تقرير لمؤسسة بحثية أن معدل سيدات الأعمال قد ارتفع من 4 بالمئة عام 2009 حتى 22 بالمئة عام 2017.
تمييز متجذر..
يسلط التقرير كذلك على قصة مريم توفيق غنوم (51 عاماً) التي انتقلت إلى دمشق مع عائلتها عام 2012 هرباً من القتال في عين ترما، تلاحق مهنتها الأولى – كمصممة للديكور. أرادت جني المال بعد أن تقاعد زوجها لأسباب صحية وإيجادهم أن راتبه التقاعدي لا يغطي تكلفة الفواتير.
وتقول مريم وهي جالسة في شقتها المزدحمة المستأجرة ذات الغرفتين في ضواحي دمشق: “أردت أن أتعلم طلاء المنازل لأنني حين غادرت منزلي في عين ترما كنت قد جددته مؤخراً، وكانت رائحة الطلاء ما تزال فيه”. وعلى الرغم من جهودها، قالت السيدة توفيق غنوم إنهم لم يتمكنوا من شراء اللحم منذ فرارهم عام 2012.
ويعتمد تمكن النساء من الحصول على العمل المأجور على مكان تواجدهن في سوريا، وفقاً لبحث من قبل منظمات إنسانية بما فيها منظمة CARE الدولية، وتختلف المواقف منهن في أنحاء البلاد. حتى في دمشق، ما تزال النسوة تحاربن التمييز الجنسي المتجذر.
“أكره العمل مع النساء”، حسبما قال مدير مصنع، طلب عدم ذكر اسمه لأن أقرباءه محكومون لصلاتهم بالنظام.
وتابع: “المرأة تحمل، وآسف لقول ذلك، ولكنها تقضي خمسة أيام من كل شهر وهي تبكي”.
المواقف تلك لم تردع سارة قطاف، 32، المبرمجة التي تريد بدء “ثورة للتطبيقات في سوريا”. بعد إقناع والدها بدعمها مالياً بدأت بشركتها Appfirm في شهر يوليو/ تموز، وأطلقت بالفعل تطبيقاً يساعد الدمشقيين على إيجاد الصيدليات العاملة في أوقات متأخرة من الليل.
على الرغم من تعرض النسوة لضغوط للعمل بوظائف تعتبر أنثوية مثل الخياطة أو تزيين الشعر، إلا أن السيدة قطاف قالت إنها تواجه ردود أفعال متفاجئة وليست تمييزية. قالت: “حينما تدرس فتاة شيئاً يدرسه الرجال فقط وتقوم بافتتاح شركة عادة ما يفتتحها الرجال، يكون هنا سبب المفاجأة”.