ليس من الممكن التنبؤ بشكل كامل كيف سيبدو الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب على غزة، والتي لا زالت مستمرة منذ شهرين دون أن تتضح نهايتها في الأفق.
وفيما بدت معالم الأبعاد الكارثية واضحة، مع وصول عدد القتلى إلى أكثر من 16 ألف فلسطيني، لا تزال النتائج السياسية للحرب مبهمة، رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تعهد بأنها “ستعيد تشكيل الشرق الأوسط”.
تراجع الوزن العسكري للدول
في تقرير لها، أمس الأربعاء، قالت صحيفة “ميدل إيست آي“، إن الشرق الأوسط “الجديد” الذي سينشأ بعد حرب غزة سوف يتأثر بالدور المتصاعد للجهات الفاعلة غير الحكومية.
وعلى رأسها حركة “حماس” الفلسطينية المصنفة “إرهابية”، و”حزب الله” اللبناني، وجماعة “الحوثي” في اليمن.
وأضافت أنه بالخروج عن نطاق غزة، فإن تنامي دور “هيئة تحرير الشام” في سورية إلى جانب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، يعكس انخفاضاً نسبياً في الوزن العسكري للجهات الرسمية التابعة للدولة، في سياق الديناميكيات الإقليمية.
وجاء في التقرير أن “الدور المتصاعد الذي تلعبه الجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية، يعكس الفشل الذريع لمفهوم الدولة القومية العربية”.
وتحدث عن “عواقب وخيمة”، بما في ذلك “العودة إلى الانتماءات العرقية والدينية والطائفية، وتفكك سيادة الدول الإقليمية”.
واعتبرت الصحيفة أن تنامي دور تلك الجهات “يعكس طفرة في العلاقات عبر الحدود وامتداد النفوذ الإيراني كجزء من محور المقاومة”.
وفي الوقت نفسه، تجدد حرب غزة النقاش حول الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط في مجال السياسة الدولية، في وقت كانت الولايات المتحدة تنتهج فيه سياسة فك الارتباط الإقليمي وسط محور التركيز على الصين وروسيا.
وتدفع الحرب الحالية إلى إعادة التفكير في مثل هذه السياسات، وفق الصحيفة.
وقالت: “لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن قيمة وأهمية الشرق الأوسط تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية والتجارية إلى المجالات الدينية والرمزية والثقافية، التي تربط الدول الكبرى في جميع أنحاء المنطقة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية”.
وبينما كانت هذه بعض التداعيات الإقليمية الأولية “فمن المؤكد أن بعضها الآخر سيظهر مع مرور الوقت وظهور صورة أوضح لنتائج حرب غزة”.
“جيل من المعاناة”
بحسب “ميدل إيست آي”، فإن “الوجه الجديد” للشرق الأوسط سيكون بوجود عدد كبير من اللاجئين والنازحين، مما يؤدي إلى تفاقم آثار نكبة عام 1948 والتي يسكن أحفادها في مخيمات غزة.
وأضافت: “نحن نواجه حالة من النزوح لأجيال”.
واعتبرت الصحيفة أن الوضع مشابه للحرب في سورية، التي أجبرت أعداداً كبيرة من اللاجئين والنازحين على العيش في مخيمات مكتظة في ظل ظروف “غير إنسانية “.
وأردفت: “هناك جيل جديد ناشئ في جميع أنحاء المنطقة. في الأردن، تفيد التقارير أن معدل المواليد بين اللاجئين السوريين أعلى من الأردنيين”.
وأيضاً: “هناك أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري مسجل في جميع أنحاء تركيا، بالإضافة إلى ملايين النازحين السوريين داخلياً. كما يعيش الكثيرون في ظروف صعبة ويواجهون الفقر المدقع في مصر والعراق ولبنان”.
وفي اليمن، أدت الحرب إلى تأجيج أزمة اللاجئين، مع اضطرار حوالي 4.5 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم.
ويأتي ذلك بعد أن أدت حربي العراق وأفغانستان إلى تدفق اللاجئين إلى الخارج على مدى العقدين الماضيين.
وقالت الصحيفة إن أولئك الذين نزحوا في غزة بسبب الحرب الحالية “ينضمون الآن إلى هذه القائمة”.
وختمت: “ستخلق الحرب أيضاً جيلاً جديداً من المعاناة النفسية، حيث تكافح الأسر للتعامل مع الحجم الهائل من الموت والخسائر”.