شهدت الساعات الماضية تبايناً في التصريحات ما بين تركيا والنظام السوري وموسكو الراعية لمسار التقارب بينهما، وبينما ارتبطت على بشكل أساسي بموعد ومكان تنظيم الاجتماع على مستوى الخارجيات، تطورت بجزء أوسع لحالة “تمنّع” ترجمتها كلمات لبشار الأسد.
وكان هذا الثلاثي (أنقرة، نظام الأسد، موسكو) قد اجتمع قبل أسبوعين في روسيا، على مستوى وزراء الدفاع، كمحطة ثانية من خارطة طريق رسم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أولى خطواتها باللقاء على مستوى أجهزة الاستخبارات.
وبعدما اعتبر الاجتماع الوزاري الأول من نوعه منذ أكثر من عقد على أنه “محطة بارزة” على صعيد العلاقة بين تركيا ونظام الأسد، وهما المتخاصمين منذ سنوات طويلة، اتجهت الأنظار إلى اللقاء الذي كان من المفترض أن يعقد على مستوى وزارات الخارجية، في النصف الثاني من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، بحسب ما أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو في تصريحات متفرقة له، منذ بداية العام الجاري.
وعلى مدى الأيام الـ11 الماضية ساد الكثير من التكهن بشأن موعد ومكان تنظيم اللقاء بين جاويش أوغلو ونظيره فيصل المقداد، وبينما توقعت أوساط وصحيفة عربية أن يعقد في الأسبوع الحالي، استبعدت أخرى ذلك، من زاوية أن جدول أعمال الوزير التركي ممتلئ، بسبب زيارته إلى إفريقيا، والمستمرة حتى 14 من يناير الحالي. كما أنه من المقرر أن يزور واشنطن في الثامن عشر من يناير الحالي.
“بين 3 مواقف”
وظهر يوم الخميس صرّح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أنه قد يجتمع مع نظيره السوري فيصل المقداد أوائل فبراير/شباط المقبل، نافياً تقارير أفادت باحتمال اجتماعهما الأسبوع القادم.
وقال جاويش أوغلو إنه “ليس هناك موعد محدد للاجتماع”، لكنه سيُعقد “في أقرب وقت ممكن”.
وبعد ذلك قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا في إفادة صحفية يجري تحديد موعد اجتماع بين وزراء خارجية روسيا وسورية وتركيا، لكن الموعد لم يتحدد بعد.
وقالت بحسب ما نقلت وكالة “تاس”: “لا، ليس هناك موعد محدد حتى الآن. لقد تحدثنا بالفعل عن ذلك، مثل هذا الاجتماع في طور الإعداد”، مضيفة للصحفيين: “سنعلمكم بالتفاصيل، بما في ذلك التاريخ والقضايا التي ستتم مناقشتها والمشاركين والصيغ بمجرد أن يتم تنسيقها مع الأطراف”.
في غضون ذلك وبينما بقي موعد ومكان اللقاء المزمع بين جاويش أوغلو والمقداد “مفتوحاً”، بحسب تصريحات الأول وكلمات الدبلوماسية الروسية لم يصدر أي تعليق رسمي من جانب النظام السوري، فيما نشرت وسائل إعلام مقربة منه رواية مغايرة للروايتين السابقتين.
ونقلت قناة “الميادين” الممولة من طهران، عن مصادر سورية وصفتها بـ”رفيعة المستوى”، قولها إن النظام رفض تحديد اجتماع يجمع بين وزيري الخارجية السوري والتركي قبل انسحاب الجيش التركي من كامل الأراضي السورية.
واعتبرت المصادر، أن تركيا لديها أهداف انتخابية من التقارب مع النظام، مضيفة أن دمشق غير معنية بتقديم هذه الورقة حالياً.
وأعادت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية في سورية حديث المصادر المذكورة، فيما أكدت أن “لقاء وزير الخارجية السوري مع نظيره التركي ليس محدداً بعد لعدم موافقة دمشق حتى الآن على عقده، قبل تحديد الأهداف منه وفي مقدمتها انسحاب الجيش التركي من كامل الأراضي السورية”.
“الأسد يتمنّع”
وقد جاء حديث المصادر التي نقلت عنها “الميادين” وصحيفة “الوطن”، في وقت صرّح فيه رأس النظام السوري، بشار الأسد ولأول مرة عن مسار العلاقة المستجدة مع أنقرة.
واعتبر الأسد، بحسب ما نقلت وكالة “سانا” أنّ “اللقاءات على صعيد التقارب مع تركيا يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سورية وروسيا حتى تكون مثمرة”.
ومن أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي يريدها، أضاف الأسد أن هذه اللقاءات يجب أن تنطلق من الثوابت والمبادئ المبنية على “إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب”.
وجاء هذا الموقف من جانب الأسد في أثناء لقائه المبعوث الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف في العاصمة السورية دمشق. وقال الأخير إن “بلاده تقيّم إيجابيًا اللقاء الثلاثي بين وزراء دفاع سورية وتركيا وروسيا”، مشيراً إلى “أهمية متابعة هذه اللقاءات وتطويرها على مستوى وزراء الخارجية”، وفق “سانا”.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين قد قال في تصريحات متلفزة الأسبوع الماضي، إنه من السابق لأوانه الحديث عن توقيت اجتماع أردوغان والأسد، حيث تتوقع أنقرة أن تتخذ دمشق “خطوات في مكافحة الإرهاب واللاجئين”.
من جهته نقل موقع “ميدل إيست آي“، عصر الخميس، عن مصدرين تركيين قولهما إن “تركيا رفضت أحد مطالب دمشق الأساسية وهو: تصنيف جميع الجماعات المتمردة السورية على أنها إرهابية”.
وأضاف المصدران أن “لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد لم يكن مرجحاً قبل الأسبوع الأخير من كانون الثاني (يناير) المقبل”. وتابعا: “الطرفان لا يزالان يناقشان الزمان والمكان، لكن تركيا تحاول إقناع الحكومة السورية بإرسال وزيرها إلى أنقرة”.
ووفق المصدرين فإن “دمشق يمكن أن تقتنع بفعل ذلك إذا مارس الروس ضغوطاً كافية على الحكومة السورية التي تفضل الاجتماع في موسكو أو في دولة ثالثة”.
“طريق الألف ميل”
وعلى الرغم من أن أتركيا والنظام السوري قطعا شوطاً أولياً على صعيد التقارب من أجل فتح مسارات حوار، إلا أن الطريق بينهما يوصف بـ”الصعب” بحسب مراقبين، لاعتبارات تتعلق بالملفات الشائكة، التي يصعب حلّها في فترة زمنية قصيرة.
وهذه الملفات لطالما وصفها المسؤولون الأتراك بـ”الصعبة” أيضاً، بينما استبعدوا أن يتم حل كل المشاكل “في اجتماع واحد فقط”.
وبينما يزور جاويش أوغلو العاصمة الأمريكية واشنطن في الثامن عشر من الشهر الحالي، من المقرر أن يلتقي نظيره الروسي، سيرغي لافروف مع الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان في العاصمة موسكو، 17 من يناير الحالي.
في غضون ذلك ومن المقرر أيضاً أن يجري الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي زيارة إلى كل من تركيا وسورية، حسبما أعلن مؤخراً الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني.