شكل الاجتماع التشاوري الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان يوم الاثنين الفائت خطوة إضافية على طريق محاولة إعادة تأهيل نظام الرئيس بشار الأسد عربياً. فالقرار الغالب في الأسرة العربية، لا سيما دول الخليج الرئيسية أن تحصل عودة لدمشق الى الحاضنة العربية وإنْ بتدرج مدروس، على أساس أن النظام لم يسقط، وهو باقٍ حتى إشعار آخر، وإنْ كان من الواضح أنه لن يعود الى سابق عهده من القوة، أو المنعة الداخلية، أو الدور الخارجي.
فسوريا ما قبل العام 2011 لن تعود. ثمة سوريا عالقة بين الماضي الذي مضى والمستقبل الذي لم يولد بعد، لأن الحل السياسي الشامل الذي يتحدث عنه العرب، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية طريقه طويلة جداً، في ظل تمنع النظام عن ولوج هذا المسار الذي يفترض إعادة تشكيل للسلطة بعد كل ما حدث. فالحرب في سوريا بدأت بثورة على النظام، ومهما قيل عنها فإن الدكتاتورية العسكرية التي دامت ثلاثين عاماً بالدم والنار جعلت من أرض سوريا أرضاً قابلة للاشتعال. ومن هنا لا بد من أخذ تاريخ سوريا الدموي تحت سلطة آل الأسد بالاعتبار، ثم حجم القتل والتدمير الذي حصل بعد العام 2011. من هنا فإن إعادة سوريا كسوريا الى الحضن العربي شعار جيد في المبدأ، لكنه يجب أن يترافق مع جهد عربي حقيقي لفرض حل سياسي شامل، لا أن تصبح العودة عبارة عن طي صفحة كل ما حدث، والاكتفاء بالتعويل على الواقع القائم اليوم الذي قد لا يكون ثابتاً بالقدر الذي يعتقده البعض.
ولعل أحد الأسباب الرئيسية لأي تحفظ على الانفتاح غير المشروط على دمشق اليوم يعود الى أن الأسد ومحيطه المباشر يبدو أكثر من أي وقت مضى أسير موازين القوى المفروضة عليه، وخصوصاً النفوذ الإيراني الذي لن يتراجع بالسهولة التي يحكى عنها، ثم إن المحور العربي، إذا كان ثمة محور متماسك، لا يملك أدوات كافية للحد من النفوذ الإيراني النشط على الأرض، أمنياً وعسكرياً ومالياً واجتماعياً وعقارياً. إنه نفوذ مهول ويقيننا أنه لا يدخل في إطار التفاوض السعودي – الإيراني بمعنى أنه يصعب على طهران أن تقدم تنازلات جوهرية في سوريا تقوم على خفض حجم وجودها ونفوذها طوعاً. في المقابل نحن لا نرى أن الدول العربية الرئيسية تضع في حساباتها احتمالاً لضخ أموال في سوريا لم تنتهِ فيها الحرب لغاية اليوم بشكل تام، ولم يتحرر فيها النظام من النفوذ الإيراني المتغلغل في عمق التركيبة السورية، ولم يعد النظام عاملَ استقرار جدياً في المنطقة أكان لجهة أن البلاد هي منصة إيرانية رئيسية في الإقليم، وهي منصة لتصدير المخدرات لا يقل حجمها ونشاطها عن كولومبيا في أميركا اللاتينية.
إن عودة سوريا الى الحاضنة العربية قد تستقر على انفتاح محدود متدرج، طالما أن سوريا خاضعة لاحتلالات إيرانية، روسية، أميركية، تركية، وإسرائيلية في الجو. والنظام يحتاج الى أن يحدد ماذا يمكن أن يقدم لأن العودة لن تكون أكثر من أنبوب أوكسجين يتنفس به من دون أن يجري إنقاذه تماماً وإعادته الى الحياة الطبيعية. أما استعادة مقعد الجامعة العربية فهي رمزية لكنها لا تخدم اليوم فكرة فرض الحل السياسي الشامل القائم على مخرجات القرار الأممي 2254 ومنصتي آستانا وسوتشي، بل العكس.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت