حين ضرب الزلزال الجنوب التركي والشمال السوري، وجد نظام الأسد بهذه الضربة باباً للخروج من حافة انهياره الاقتصادي، فلم يكن لديه القدرة على منع انهياره، فحليفاه الرئيسيان (روسيا وإيران) منشغلان بنتائج وضعهما.
فالروس يُستنزفون في أوكرانيا، والحرب التي تخيّلها بوتين نزهة للقوات الروسية مرّ عليها عام دون نجاح يذكر، كذلك الأمر بالنسبة لحكومة ملالي إيران، فهي الأخرى استنزفت قدرات البلاد الاقتصادية على مشاريع عسكرية، وعلى محاولة توسيع نفوذها في دول جوارها العربي، من خلال تصدير (ثورتها)، والتي تعني الهيمنة على مقدرات الشعوب العربية.
الزلزال أحيا آمال نظام الأسد، حيث وجد فيه فرصةً لاستدرار المساعدات الإنسانية، معتمداً على تضخيم آثار هذا الحدث الطبيعي، إذ أعلن عن أرقام ضحايا وإصابات، وعن تهدم منشآت وبيوت وتضررها بأعداد كبيرة منها، والغاية من هذه الأرقام الكاذبة، الحصول على أكبر قدر من المساعدات، لنهب أغلبها، وتوزيع اليسير منها على السكان المتضررين في مناطقه.
الأسد وعبر أدواته الإعلامية والسياسية، بدأ حملة مناشدات للحصول على المساعدات، فبادرت دولٌ عديدة بتقديم مساعدات إغاثية مختلفة، وكانت هذه المساعدات مدخله لمحاولة كسب تعاطف دولي مع نظامه (المظلوم كما يعتبر) أمريكياً وغربياً، على قاعدة المطالبة بإلغاء العقوبات، وهذا يعني استعادة دوره الطبيعي كدولة وكنظام سياسي، وكأن جرائم حربه ضد السوريين، ليست أكثر من جهد لمحاربة ما أسماه زوراً (الإرهاب)، وهو يعني بذلك ثورة الشعب السوري على استبداه وطغيانه وفساده الكبير.
أراد، ولا يزال نظام أسد أن يوظف كارثة الزلزال سياسياً، ليطوي إلى الأبد تنفيذه للقرارات الدولية المتعلقة بالصراع السوري، وفي مقدمتها بيان جنيف1 والقرار 2118، والقرار 2254. وهذا الأمر ركبت موجته دولٌ تعادي الثورة السورية، خوفاً من نجاحها، فتكون هذه الثورة نبراساً لشعوب تلك الدول المعادية لحقوق الإنسان وقيم الحريات والديمقراطية.
لكن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، أوضحا أن المساعدات الإنسانية للشعبين السوري والتركي، هي مساعدات لا تخضع في جانبها الإغاثي للعقوبات، ولكن في نفس الوقت ليست فرصة لتجاوز جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ارتكبها نظام أسد ضد الشعب السوري، وأن موقف الإدارة الأمريكية بقيادة الديمقراطي جو بايدن هو موقف ملتزم بتطبيق قانوني قيصر والكبتاغون بشأن التعامل مع النظام الأسدي.
هذه المواقف الواضحة للولايات المتحدة من نظام أسد عملت فعلياً على كبح عمليات تطبيع معه، إضافة، أنه ليس من مصلحة المجتمع الدولي إعادة انتاج نظام أسد وهو المثقل بالجرائم والانتهاكات، بما فيها تصنيعه للمخدرات، وإنشاء شبكة دولية لترويجها، مما يهدّد الأمن الداخلي في البلدان التي تجتاحها هذه المخدرات.
إن تعويم نظام أسد لا يزال يخضع لتوازنات دولية وإقليمية، ومتى حان وقت التوافق على تغيير بنية نظام الحكم الأسدي بأخرى وفق القرارات الدولية المعروفة، فإن عملية التغيير ستتم وبسرعة، ويبدو الآن، أن شروط هذه العملية تقترب من التنفيذ العملي لها، حيث تُطرح من حين إلى آخر مبادراتٌ تأخذ صيغة حلّ قضية اللاجئين، وأخرى تتعلق بالمساعدات الإنسانية المرتكزة على ضرورة وقف إطلاق نارٍ شاملٍ في سورية.
المبادرات الخاصة بحل سياسي للصراع في سورية، لا يمكنها أن تنجح بالمطلق، إذا لم تقم على تنفيذ ومقاربة القرارات الدولية، وهذا أمرٌ تُدركه القوى الدولية المنخرطة بالصراع، فأساس الحل السياسي هي إزالة أسباب ما دفع إليه، وهذا يتمثّل بتغيير بنية النظام السياسي الأسدي بآخر ينتفي منه الاستبداد والفساد، ولتحقيق ذلك يجب أن يستند الحل السياسي على عدالة انتقالية ضرورية لاستعادة الناس لحقوقهم سواء جرائم قتل لحقت بهم، أو نهب أموال عامة أو خاصة.
وفق هذه الرؤية الملموسة، يمكن فهم أن نظام أسد الذي يحاول الخروج من عنق زجاجة نهايته القريبة، لا يزال غير قادرٍ على الإفلات من مصيره النهائي، وهي نهاية بنية نظامه القهري الفاسد، لذا تبدو آماله بأن الزلزال جاء هبة من السماء لإنقاذ نفسه، هو ذات أمل إبليس بدخول الجنة التي حرّمها الله عليه.
الأسد ونظامه يناوران بغير أوراق قوة، فالقوة الحقيقة على الأرض في مناطق سيطرته هي لقوتين فاعلتين (إيران وروسيا)، ولذلك من لا يملك هذه القوة لا يستطيع فرض رؤيته بالحل السياسي، وهذه حقيقة، فمتى لبّ الحل السياسي في سورية بعض مصالح هاتين الدولتين، يمكن القول أن أسد سيضطر إلى ابتلاع وهمه السياسي بتجديد نظامه.
إن أسئلة عديدة يطرحها واقع الحال السوري على القوى الإقليمية والدولية حول ضرورة الحل السياسي في سورية، هذه الأسئلة، تتلخص بضرورة التوصل إلى حلٍ يتم التوافق عليه، من قبل هذه القوى المنخرطة بالصراع في سورية، وأن يلبي هذا الحل حاجات الشعب السوري بالعودة من بلدان لجوئه، وذلك بتغيير بنية نظام اسد الأمنية بأخرى وطنية تستند على احترام حريات وحقوق السوريين.
وإن دعوة تركيا من أجل عودة آمنة للسوريين المقيمين على أراضيها هي جزء من رؤية دولية تتبلور الآن، وقد عبّرت عنها المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، عبر قوله أن هناك شبه إجماع عربي على عودة سورية لإشغال مقعدها في الجامعة العربية.
هذه العودة الآمنة، يُدرك جميع من يتبناها أنها لن تتم بغير تغيير بنية النظام السياسي في سورية، بأخرى تضمن بدعم دولي تنفيذ هذه العودة وذلك الحل. فمتى ينطلق قطار هذا الحل؟ وهل الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوة الأهم والأكثر قدرة موافقة على هذه الرؤية؟
في انتظار التوصل إلى إجابات شافية، ينبغي على قوى الثورة والمعارضة السورية اللعب في هذا الحيّز بنشاط مختلف الأوجه، سيكون الأسد أسير مقولة (أمل إبليس في دخول الجنة) وليس أكثر من ذلك، وهذا ما يجب أن يقوم به الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حيث يتمّ حشد قوى الحاضنتين الشعبية والثورية، وإتاحة الفرصة لهما للتأكيد والإصرار على ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وفي مقدمتها القرار 2254، كذلك القيام بجهد ديبلوماسي وسياسي كبيرين كما تفعل ذلك قيادة قوى الثورة بمجموعها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت