مراد عبد الجليل – السورية.نت
لم يكد زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، يخفف من وطأة تداعيات قضية أبو ماريا القحطاني، الرجل الثاني والمؤثر في الهيئة، حتى انفجرت في وجهه قضية أبو أحمد زكور، التي تحمل في طياتها تحديات غير مسبوقة لتنظيمه.
انشقاق زكور عن الهيئة، والمحاولة المثيرة لاعتقاله في إعزاز بريف حلب، مساء الثلاثاء الماضي، و”ما رافقها من تدخل للشرطة العسكرية المدعومة تركياً” حسب مصادر محلية، لم يكن مجرد حدث عابر، بل فتح باباً لسلسلة تطورات دراماتيكية، قد تلقي بظلالها على تماسك بنية الهيئة الداخلية، عقب نشره تسجيلات صوتية، تكشف أسراراً وتضع الجولاني في موقف محرج.
وقادت أقوال مصادر متعددة تحدثت لـ”السورية.نت” أثناء الإعداد لهذا الملف، إلى استكشاف بدايات وتفاصيل الخلاف الذي أدى إلى الإطاحة برفاق درب الجولاني.
جذور الخلاف بين “بنش” و”الشرقية”
بعد إعلان الجولاني انفصال “النصرة” عن “القاعدة”، وتأسيس “جبهة فتح الشام” سنة 2016، ثم تشكيل “هيئة تحرير الشام”، نشأت داخل الهيئة، تيارات متصارعة نتيجة الاختلافات الأيديولوجية، سرعان ما انفصلت بعضها لتُشكل منفردة “تنظيمات” أو جماعات”، رأت أن الجولاني قد حاد عن “السلفية الجهادية”، لكن الأخير بدأ قتالها والقضاء عليها شيئاً فشيئاً، مثل تنظيم “حراس الدين”.
عقب ذلك برز صراع جديد يتمحور حول “السلطة والنفوذ” بين تيارين رئيسيين داخل الهيئة، هما حسب معلومات متطابقة من مُطّلعين تحدثوا لـ”السورية.نت”:
“تيار بنش” الذي يقوده عدة شخصيات أبرزها “قتيبة بدوي” الملقب بـ”المغيرة بنش”، وهو المسؤول الاقتصادي في الهيئة، وحذيفة بدوي الملقب بـ”أبو حفص بنش” المسؤول عن المعابر والحدود.
أما التيار الثاني هو تيار “الشرقية وحلب” الذي يقوده ميسر بن علي الجبوري الملقب بـ”أبو ماريا القحطاني”، وجهاد عيسى الشيخ الملقب بـ”أبو أحمد زكور”، وهما من الشخصيات البارزة والمقربة من الجولاني، ويحتلان مواقع مهمة داخل الهيئة، حيث تُسند إليهما ملفات أمنية حساسة، ويمثلان نفوذاً كبيراً في الهيكل التنظيمي لـ”تحرير الشام”.
وتطابقت أقوال شخصيات مطّلعةٍ على تحركات “الهيئة”، وقيادين سابقين حيث تحدثوا، عن أن جذور الصراع الأخير تعود إلى قرابة العام، عندما قرر الجولاني التوسع في مناطق ريف حلب الشمالي (غصن الزيتون ودرع الفرات)، وعهد بالملف إلى القحطاني وزكور.
وجاء إسناد الملف لهما للاستفادة من علاقاتهما القوية بين القوى الفاعلة، فقد كان زكور مؤسساً وأميراً لـ”جبهة النصرة” في حلب سنة 2012، ولديه علاقات قوية مع فصائل وقيادين في المنطقة، بينما تكمن قوة القحطاني في التحالفات العشائرية شمال غربي سورية، حسبما قال صالح الحموي لـ”السورية.نت”، وهو أحد مؤسسي “جبهة النصرة” ويعمل حالياً كـ”باحث سياسي مختص في الجماعات الجهادية”.
وقال قيادي سابق آخر، إنه و”مع نجاح القحطاني وزكور في مهامهما، ازداد نفوذهما في ريف حلب، مما جعلهما شخصيات محورية في اتخاذ القرارات داخل الهيئة، وكان لهذا التطور تأثير ملحوظ على العلاقات الخارجية للقحطاني، بعد الاحتكاكات العسكرية بين الهيئة والجيش الوطني” في ريف حلب العام الماضي.
ويضيف ذات المصدر، أن نفوذ “القحطاني حينها لم يقتصر على ريف حلب، بل توسع داخل (تحرير الشام)، خصوصاً في الجوانب العسكرية والأمنية وتعيين مرافقين للقادة، خاصة أنه كان مسؤولاً عن التعامل مع ملفات حساسة، مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” والمجموعات المتشددة، مما زاد تأثيره وأهميته داخل الهيئة.
وحسب مصادر متعددة، أثار تصاعد نفوذ القحطاني وزكور، قلق وريبة تيار “جناح بنش” المنافس، الذي بدأ في البحث عن وسائل واستراتيجيات للإطاحة بالشخصيتين البارزتين.
“خلية تجسس”..قنوات واتهامات
وفي سياق الصراع بين التيارين داخل “الهيئة”، قال قيادي سابق فيها لـ”السورية.نت”، إن “الهيئة توصلت إلى تحويلات مالية اعتبرتها مشبوهة تصل إلى إدلب”.
دفع ذلك الهيئة للقبض على عدد “من المشتبه بهم والتحقيق معهم لتكتشف شبكة عملاء لجهات خارجية، لتبدأ عقب ذلك عملية اعتقالات واسعة طالت عشرات الأشخاص بعضهم في مناصب حساسة على مستوى الإدارة والعسكرة في الهيئة”.
كما طالت عناصر مقربة من القحطاني (بما في ذلك مرافقه)، إذ “اعترفوا لاحقاً بتلقيهم تعليمات منه لجمع معلومات وإحداثيات عن جماعات مصنفة إرهابية مثل حراس الدين”.
وحسب ما قاله القيادي السابق في “جبهة النصرة” أبو العلاء الشامي، عبر قناته في “تلغرام“، فإن الاعتقالات “شملت إياد حلفايا المقرب من القحطاني، ومرافق الجولاني، ومرافق العسكري العام للهيئة، ومرافق الأمني العام للهيئة أبي أحمد حدود، ومسؤولين في المكتب السياسي والإعلامي والعسكري”.
وأضاف الشامي أن إياد حلفايا اعترف أثناء التحقيق معه “بتجنيد مرافقي معظم الأمراء وعدة مسؤولين وإعلاميين في الهيئة لصالح التحالف، بطرقٍ خبيثة، وبتوجيهٍ من أبي ماريا القحطاني”.
وأعطت التطورات السابقة ذريعة لجماعة “تيار بنش”، كي يكثفوا الرقابة على أبو ماريا القحطاني، ووصولهم لاحقاً إلى “تسجيلات صوتية تثبت تعامله مع جهات خارجية وتسريب معلومات للتحالف الدولي ومحاولة التخطيط لانقلاب على الجولاني، لتبدأ المطالب باعتقاله ومعاقبته”، وفق قيادي سابق في “الهيئة”.
ومع تردد الجولاني في اعتقال القحطاني لحساسية مركزه وقوة تأثيره، بدأت قضية اتهامه بـ”العمالة” تخرج للعلن، وتثير جدلاً واسعاً في الشمال السوري، وسط ترجيحات بوقوف الإعلام الرديف لجناح “تيار بنش” وراءها لإثارة الشارع والضغط على الجولاني.
الأمر الذي دفع القحطاني إلى الرد عبر قناته في “تلغرام“، حيث نشر في 10 يوليو/ تموز الماضي: “نرى أقلاماً وقنوات جعلت شغلها الشاغل الطعن في المجاهدين، باتهامهم تارة بالإرهاب وأخرى بالعمالة، في محاولة منها لتقويض البناء وهدم الثقة وتشكيك الناس في حملة المشروع الإسلامي”.
في 17 من الشهر نفسه، نشر “جهاز الأمن العام” التابع للهيئة، بياناً مصوراً، أكد فيه ضبط “خلية جاسوسية تعمل لصالح جهات معادية”، بعد تحقيقات استمرت ستة أشهر.
وأعاد القحطاني نشر البيان عبر قناته في “تلغرام“. ما يشير إلى أنه لم يكن من “الخلية الجاسوسية” التي تحدث عنها “جهاز الأمن العام”.
مُخطَط انقلاب يصل الجولاني
وفي ظل عدم اعتقال الجولاني للقحطاني بقضية “العمالة” التي اتُهم بها، من قبل خصومه داخل “الهيئة”، يقول قيادي سابق في “هيئة تحرير الشام”، إن ذلك دفع “جناح بنش”، إلى “إعداد ملف اتهام واسع ضد القحطاني وتقديمه للجولاني، يضم تسجيلات صوتية لتواصله مع جهات خارجية بهدف تنظيم انقلاب على قيادة الهيئة”.
وبالتزامن مع ذلك، أفاد صالح الحموي، أن قائد فرقة “السلطان سليمان شاه”، والمعروف أيضاً بلقب “أبو عمشة”، لديه دور في “الكشف عن مخطط القحطاني للانقلاب على الجولاني”.
وقال الحموي لـ”السورية.نت” إن “القحطاني، أعرب لأبو عمشة عن عدم رضاه عن تصرفات الجولاني وتوسعه في المنطقة، واعداً إياه بتشكيل اندماج وتكتل كامل في المنطقة”، إذا تم “القضاء على القيادة الحالية لهيئة تحرير الشام”.
وتطابقت رواية صالح الحموي، مع حديث قيادي سابق في “الهيئة”، أن الحوار الذي دار بين “أبو عمشة” و”القحطاني”، حول “القضاء على قيادة الهيئة”، وصل لأبو محمد الجولاني، وعلى إثر ذلك تم اعتقال القحطاني.
وأكدت “تحرير الشام” رسمياً في 17 أغسطس/ آب الماضي، اعتقال القحطاني و”تجميد مهامه وصلاحياته، بعد ورود اسمه في بعض التحقيقات في قضية العمالة”، مشيرة إلى أنه “تبين للجنة المكلفة أنه قد أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل”.
وحسب صالح الحموي، فإن “الجولاني قام بالتحقيق شخصياً مع أبو ماريا، ووجه له تهمة التخطيط للانقلاب على قيادة الهيئة، وفي البداية رفض القحطاني هذه الاتهامات، قبل أن يعترف لاحقاً”.
أبو أحمد بعد أبو ماريا
بعد اعتقال القحطاني واعترافه، بدأت الأنظار تتجه نحو حلفائه داخل “الهيئة”، بينهم الشرعي في “تحرير الشام” مظهر الويس، والمسؤولينِ الأمنيينِ لـ”الهيئة”، حازم المشهداني (المعروف أيضاً باسم حكيم الديري)، وأبي محجن الحسكاوي، بالإضافة إلى أبو أحمد زكور.
وقد أكد ذلك قيادي سابق في “الهيئة”، لـ”السورية.نت”، مضيفاً أن الويس والديري اجتمعا مع الجولاني، واتفقا معه على “الحياد” بقضية القحطاني.
في الوقت نفسه، أشار أبو يحيى الشامي، القيادي السابق في “تحرير الشام”، عبر قناته في “تلغرام“، إلى اعتقال أبي محجن الحسكاوي.
أما أبو أحمد زكور فقد كان الشخصية الأبرز في هذا الخلاف، الذي بدأ مع الجولاني بعد اعتقال “أبو الزبير سرايا، من منبج ويعمل في ملف شمال حلب مع زكور ويعتبر يده اليمين”، حسب ما وصفه، القيادي السابق صالح الحموي.
ويقول الحموي لـ”السورية.نت”، إن زكور اعتبر اعتقال أبو الزبير “قصقصة نفوذه”، لكن “الجولاني ألمح له بأن القحطاني اعترف بمشاركته في كل خطوة من مخطط الانقلاب”.
ومع شعور زكور بالخطر عقب صعود نفوذ جناح “بنش”، وتأثيره على قرارات الجولاني، قرر الخروج لريف حلب الشمالي، تزامناً مع بدء الإعلام الرديف للهيئة بالهجوم عليه ووصفه بالعميل.
وفي 14 من الشهر الجاري، أعلن زكور في بيان رسمي خروجه “من هيئة تحرير الشام تنظيمياً وسياسياً (..) وأبرأ إلى الله من جميع أفعالهم”.
وأرجع سبب خطوته هذه، إلى “تغيير في سياسة قيادة الهيئة، بالسيطرة والهيمنة وقضم الفصائل وتفكيكها، والسعي للسيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية في مناطق الجيش الوطني، والعمل الأمني من خطف وغيره دون التنسيق مع أي جهة ودون علمي”.
عقب ذلك نشرت حسابات مقربة من “الهيئة” قراراً داخلياً قضى بتجريد زكور من صلاحياته، بسبب “سوء استخدام منصبه ومخالفته السياسة العامة للجماعة”.
ويؤكد صالح الحموي، أنه بعد وصول زكور إلى شمال حلب، حاول إقناع فصيل “تجمع الشهباء” المتهم بتبعيته لـ”الهيئة” بالتخلي عنها، وتشكيل تكتل عسكري جديد في المنطقة، الأمر الذي أزعج الجولاني وأمر باعتقاله.
وفي مساء الثلاثاء الماضي، هاجمت مجموعات تتبع لـ”هيئة تحرير الشام”، مقراً عسكرياً في حي “وادي حمادة” على الأطراف الشرقية لمدينة إعزاز، بهدف القبض على زكور، قبل أن تنجح في ذلك، بعد اشتباكات استُخدمت خلالها الأسلحة الثقيلة.
لكن رتلاً للشرطة العسكرية وقوات تركية اعترضت طريق قوات “تحرير الشام”، أثناء عودتها إلى إدلب، مناطق نفوذ الهيئة، وتمكنت من احتجاز أبو أحمد زكور، بالإضافة إلى عناصر آخرين يتبعون للقوة الأمنية التي هاجمت المقار العسكري، حيث كان يتحصّن “زكور”، حسب شهود تحدثوا لـ”السورية.نت”.
صندوق أسود يخشاه الجولاني
ينحدر زكور من النيرب بريف حلب، وعائلته من عشيرة البكارة، حيث تلقى كما يروي بنفسه سيرته الذاتية، دروساً دينية لدى “محمود قول آغاسي” الملقب بأبو القعقاع السوري.
ومع غزو أمريكا للعراق سنة 2003، كان زكور مسؤولاً عن تنسيق مرور المقاتلين من سورية إلى العراق.
انضم عقب ذلك إلى جماعة “التوحيد والجهاد”، التي كان يترأسها زعيم تنظيم “القاعدة” في العراق أبو مصعب الزرقاوي.
عام 2004 وقع زكور في كمين لمخابرات النظام السوري بحي الفردوس، حيث اقتيدَ إلى فرع أمن الدولة في حلب، وبقي هناك 8 أشهر، قبل نقله إلى فرع فلسطين، ثم إلى سجن صيدنايا.
ويقول زكور إنه كان من بين المسؤولين عن التمرد الذي حصل داخل سجن صيدنايا سنة 2008، قبل الإفراج عنه بعد بدء الثورة السورية سنة 2011.
ومع تشكل “جبهة النصرة” في سورية 2012، أصبح زكور نائباً لأمير حلب، قبل أن يصبح أميراً عاما عليها في وقت لاحق.
وعقب فك الارتباط بين “النصرة” و”القاعدة”، أصبح رئيس الملف الاقتصادي وأمير الحدود والمسؤول عن المعابر الحدودية، قبل تسلمه حسب قياديين سابقين في “الجماعات الجهادية”، منصب قائد “جيش حلب” في “هيئة تحرير الشام”.
ومع محاولة الجولاني توسيع نفوذه في ريف حلب سنة 2022، استعان بالقحطاني وزكور، إذ أصبح الأخير مسؤولاً عن التواصل مع فصائل “الجيش الوطني”، قبل أن يشغل “أمير إدارة الأمن ورئيس مكتب العلاقات العامة” في “تحرير الشام”.
وفي 2 مايو/ أيار الماضي فرضت وزارة الخزانة الأمريكية بصورة مشتركة مع السلطات التركية، عقوبات اقتصادية على زكور، كونه كان “مشرفاً على المحفظة الاقتصادية لهيئة تحرير الشام في الخارج”.
وترجع محاولة الجولاني لاعتقال زكور، إلى كونه “شخصية قيادية مؤثرة”، حسب ما قاله القيادي السابق في “تحرير الشام” أبو يحيى الشامي.
وأشار إلى أن زكور “يستطيع بناء تكتل ودعوة وتأمين منشقين عن الهيئة، وهم كثر إذا فتح هذا الباب وكان آمناً بنسبة معقولة”، كما أن لديه “اطلاع وخبرة في ملف تمدد الجولاني، ويستطيع تخريب كل ما حققه الجولاني شمال حلب”.
وحسب الشامي فإن زكور هو “مستودع معلومات خطيرة إذا نشرها بطريقة هادئة ودقيقة، قد يتضرر الجولاني على كل المستويات الدولية والمحلية وداخل الهيئة ذاتها”، إضافة إلى ارتباطاته العشائرية التي تحرك مكوناً اجتماعياً مؤثراً في شمال غرب سورية.
انشقاقات محتملة
تفتحُ تداعيات قضية أبو أحمد زكور تساؤلات حول تأثيره مستقبلاً على “تحرير الشام” وتماسك بنيتها الداخلية، خاصة بعد نشره تسجيلات صوتية، عبر قناة “إدلب بوست” عبر تلغرام التي تتبع له، اتهم فيها الجولاني بتورطه بعدد من الأحداث.
واتهمه في إحدى التسجيلات بالتورط في تفجير معبر “أطمة” الحدودي مع تركيا، والذي راح ضحيته عشرات العناصر بين قتيل وجريح يتبعون لفصائل عسكرية من “الجيش الحر” عام 2016، خلال عملية تبادل روتينية.
كما توعدت قناة “إدلب بوست” بنشر كل ما يتعلق بملف فصيل”جند الأقصى”، الذي قضى عليه الجولاني، إضافة إلى المنح المالية التي قدمها الأخير إلى “تجمع الشهباء” في ريف حلب لانضمامهم له، والتي لا تقل عن 500 دولار أمريكي لكل شخص.
ورغم كل ما يُقال عن نفوذ زكور القوي في “الهيئة”، فإن المحلل السياسي ياسر بدوي، قال في حديث لـ”السورية.نت”، إن تأثير زكور “ليس قوياً بسبب عدم امتلاكه أي منصب رسمي داخل الهيئة”، مشيراً إلى أنه “هرب بعدما طُلب للمحاكمة”.
في المقابل، يرى أبو يحيى الشامي، أن زكور “يمتلك معلومات خطيرة عن جرائم ارتكبها الجولاني، ليس فقط الجرائم المعروفة بل أيضاً تلك التي لم يتم الكشف عنها بعد”، ويعتقد أن انشقاق زكور عن الهيئة قد يؤدي إلى “خلل في صفوفها ويحفز انشقاقات أخرى”.
ويضيف أن “فشل الجولاني في محاولة القبض على زكور أو تصفيته سيفتح باباً للانهيار في الهيئة على مصراعيه، مما قد يؤدي إلى خروج كتل من الهيئة في المستقبل القريب”.
ما مستقبل “تحرير الشام”؟
هذه الأحداث المتسارعة، قد تمهد لمرحلة جديدة من التحديات داخل “تحرير الشام”، عنوانها “التصدع واحتمال “التفكك”، وفق قيادين سابقين، وتطرح أسئلة حول مستقبلها.
وتشير توقعات قيادين سابقين إلى زيادة الانقسامات والانشقاقات داخل “تحرير الشام”، إذ يرى أبو يحيى الشامي أن الهيئة “ستتفكك إلى مجموعات وكتل تجتمع مع الفصائل الأقرب منها”.
بالمقابل توقع الحموي زيادة الانقسامات والانشقاقات داخل صفوف الهيئة، وخاصة من عناصر “تيار الشرقية” الذين شعروا بالخذلان بسبب قضية القحطاني، وفي حال عدم قدرة الجولاني على القبض على زكور، فإن ذلك سوف يشجع العناصر على الانشقاق والذهاب إلى مناطق ريف حلب.
وحسب القيادي في “الجيش الوطني السوري”، علاء عدنان أيوب، الملقّب بـ”الفاروق أبو بكر”، فإن “الخلاف بين الجولاني والقحطاني وزكور، هو صراع بارونات المال وتجار الحروب، والصراع على القيادة والسلطة وملايين الدولارات التي نهبوها”، إضافة إلى الصراع على من يكون “الأداة الدولية في المنطقة”.
واعتبر أبو بكر أن الخلافات سوف تنعكس على بنية الهيئة الداخلية، مشيراً إلى أن “تحرير الشام” كانت متماسكة أكثر عندما كانت تتبنى “الخطاب التكفيري وتشحن عناصرها لقتال الفصائل بتهمة الردة والخيانة والعمالة”.
لكن بعد تغيير خطابها، في محاولة منها لتحقيق مصالحها السياسية والاستراتيجية، وتحول الخطاب إلى مصلحة ومآرب أخرى بدأ التصدع داخل بنية الهيئة.
كما اعتبر أن “الجولاني يحاول إبقاء الهيئة متماسكة بالضرب بيد من حديد على كل شخص يحاول التمرد على قيادته وقراراته، إضافة إلى إغراء بعض الشخصيات الأخرى إما مالياً او منحه منصاب قيادية”، خوفاً من الانشقاق.
بالمقابل، يعتقد المحلل السوري، ياسر بدوي، أن “التماسك داخل تحرير الشام موجود ولم يحدث أي تأثير مخيف أو يؤثر على هيكلها، إنما تجري صراعات داخلية بين التيارات”، معتبراً أن هذه الخلافات “تم حلها بسلاسة دون إطلاق رصاصة واحدة”.
وأشار إلى أن “هذا الصراع طبيعي، لكن لا يوجد ما يهدد التماسك العام للهيئة وقدرتها على إدارة مناطقها والتفاعل مع الهيئات والفصائل الأخرى في المنطقة من خلال “حكومة الإنقاذ) وأذرعها الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى علاقتها القوية مع الفصائل الأخرى”.
وحول مستقبل الهيئة، قال بدوي إن ذلك “تحدده السيناريوهات المرسومة للملف السوري، وطالما عدم وجود حل فإن الهيئة موجودة”.
وأضاف أن “الهيئة وطدت سلطتها في إدلب، أمنياً وإدارياً، ولا حل معها إلا من خلال الحوار، وإشراكها في المستقبل السوري”.
في المقابل أوضح صالح الحموي أن “الهيئة تحتاج إلى عامل خارجي للتفكك، لكن في المقابل ما جرى مؤخراً سيضعفها ويفقدها عنصر جذب مقاتلين لها“.