خاص: تفجيرات دمشق.. تصفية حسابات “الكبار” أم فوضى “خلاقة”؟
“دمشق آمنة بالكامل وعصية على الإرهاب ورعاته”، بهذا التصريح الرسمي الذي أصدرته قيادة نظام الأسد في 21 مايو/أيار 2018، أعلنت أن العاصمة السورية وريفها، في أمان، بعد إخراج الفصائل السورية، التي يصفها النظام بـ “الإرهابية”، و”تنظيم الدولة” من الجنوب الدمشقي.
لكن عودة التفجيرات بعبوات ناسفة وبشكل مكثف، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إلى مناطق عديدة من دمشق وريفها، واستهداف أشخاص مدنية وعسكرية، أدخل المواطنين في حالة من الحيرة والتساؤلات، حول الجهة المسؤولة عن افتعالها، إلى جانب الخوف من استمرارها، مُستذكرين تفجيرات سابقة أودت بحياة العشرات من المدنيين، وأعنفها كان تفجير حي المزرعة الذي أدى بحياة 60 شخصاً وإصابة 260، في فبراير/شباط 2013.
ثمانية تفجيرات بأسلوب واحد
وشهدت دمشق وريفها ثمانية تفجيرات، خلال الفترة الممتدة بين 6 فبراير/ شباط الماضي، وحتى 1 مارس/ آذار الحالي، وبحسب ما رصد موقع “السورية.نت”، فإن التفجيرات حدثت بأسلوب واحد، وهو عبارة عن انفجار عبوة ناسفة زُرعت في سيارات الشخصيات المُستهدفة.
ووقع التفجير الأول في شارع خالد بن الوليد، وهو ناجمٌ عن عبوة ناسفة مزروعة بسيارة خاصة نوع “جيب تويوتا”، ما أدى إلى إصابة شخص بجروح، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أعقبه بعد أربعة أيام، تفجير خلف حديقة الجلاء في منطقة المزة أسفر عن إصابة شخص بجروح، في حين كانت نتائج التفجير الذي وقع بالقرب من كراجات الانطلاق في منطقة باب مصلى، في 18 فبراير/ شباط أكبر، إذ أسفر عن إصابة خمسة مواطنين بجروح أحدهم بحالة حرجة.
وضرب التفجير الرابع ساحة المرجة في العاصمة السورية، في 20 من الشهر نفسه، إذ أفادت وزارة الداخلية في حكومة النظام، أن عبوة ناسفة انفجرت داخل سيارة “بيك آب” ما أدى إلى إصابة شخصين.
وبحسب موقع “صوت العاصمة”، الذي يغطي أخبار دمشق، فإن السيارة المستهدفة تتبع لميليشيا “الدفاع الوطني”، لكن بحسب مصدرٍ مطّلع على الأشخاص الذي استهدفهم التفجير، طلب عدم ذكر اسمه، أكد لـ”السورية.نت”، أن السيارة كانت تابعة لعنصرين من “الفيلق الخامس”، الذي شكلته روسيا في درعا عقب “المصالحة” مع الفصائل السورية في 2018، مشيراً إلى أنه لم يعرف مكان زرع العبوة، إن حصلَ في دمشق أم في درعا.
وبعد أقل من أسبوع، وفي اليوم الـ 25 فبراير/شباط، شهدت دمشق تفجير سيارتين بعبوتين ناسفتين؛ الأولى كانت في محيط ملعب تشرين، في منطقة البرامكة، وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخر، والثانية في مدخل نفق الأمويين وسط العاصمة، واستهدفت العملية، مدير الجاهزية في المؤسسة العربية للإعلان، نبيل خضور، ما أدى إلى إصابته بجروح بحسب وكالة “سانا”.
وبعد يوم واحد فقط، انفجرت عبوة ناسفة في سيارة قرب شعبة “حزب البعث”، في منطقة قطنا بريف دمشق. وقالت إذاعة “شام إف إم” المحلية، إنه استهدف قيادي في “جيش التحرير الفلسطيني”، لم تسمه، ما أدى إلى إصابته بجروح.
وآخر هذه التفجيرات كانت، السبت 1 مارس/أذار الحالي، وقع في سيارة “بيك آب” ضمن محيط مخفر بلدية جرمانا بريف دمشق دون وقوع إصابات.
التفجيرات “تشويه للانتصار”!
وخلال رصد “السورية.نت”، على صفحات التواصل الاجتماعي الموالية للنظام، تساءل مواطنون حول أسباب هذه التفجيرات، والجهة التي تقف ورائها، خاصة أن محيط دمشق خال من الفصائل، التي كان النظام يتهمها سابقاً، بافتعال التفجيرات “لترويع الأهالي”.
ولم يصدر عن وزارة داخلية الأسد، توضيح حول هذه التفجيرات وأسبابها، باستثناء ما اعتبره وزير الإعلام في حكومة النظام، عماد سارة، خلال زيارته للاطمئنان على خضور في المستشفى، بأن “هدف التفجيرات تشويه الانتصار الذي حققه الجيش السوري، وتعكير الفرحة على السوريين”، مُعتبراً أن “التفجيرات المتنقلة التي يمارسها الإرهابيين ليس فقط في دمشق إنما في كل المحافظات السورية وهذا أمر متوقع”.
وفي ظل الحديث المتكرر لإعلام نظام الأسد، واتهامه لـ”الإرهابيين”، بالوقوف وراء التفجيرات، فإن الأشخاص الذين تم استهدافهم ليسوا في مناصب قيادية كبيرة، ما قد يفسر بأن الهدف منها، هو خلق فوضى من قبل بعض الأطراف، وإيصال رسالة إلى النظام بأنهم قادرون على الوصول إلى قلب العاصمة والتفجير فيها في أي وقت.
و يرى اللواء المنشق عن وزارة الداخلية في حكومة النظام، محمود علي، أن التفجيرات هي عبارة عن تصفية حسابات بين قيادين في ميليشيا “الدفاع الوطني”، التي شكلها نظام الأسد، كقوة رديفة لمساندة قواته في هجومها ضد الفصائل السورية.
وقال علي خلال حديثه لـ”السورية.نت”، إن “الدفاع المدني تحول إلى مجموعات يترأسها لصوص كبار يشرفون على عمليات السلب والنهب والخطف والقتل تحت قيادة واحدة، لكن في ظل الظروف الحالية بدأت كل مجموعة تعمل لوحدها، ما دفعهم إلى البدء بتصفية حساباتهم وخلافاتهم عبر عمليات اغتيال، مشيراً إلى أن النظام قد يقف وراء بعضها إذ يطلب قتل من انتهى دوره”.
واعتبر بعض المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، أن النظام يفتعل هذه التفجيرات من أجل خلق أسباب لإعادة الحواجز الأمنية إلى شوارع دمشق، الأمر الذي استبعده علي، لأمرين؛ الأول أن أسلوب التفجير ليس من أساليب النظام، الذي يسعى خلال إحداثه أي تفجير، إلى “قتل أكبر عدد من المدنيين، كونه لا تهمه أرواح المواطنين بقدر ما تهمه الغاية التي يحققها التفجير”.
أما السبب الثاني، فيعود إلى أنه ليس من مصلحة النظام إعادة الحواجز إلى الشوارع، بسبب الرأي الداخلي والخارجي، عبر إيصال رسالة بأن العاصمة آمنة وإعطاء طمأنينة لمؤيديه، إضافة إلى رسالة للخارج بأن سورية أزالت الحواجز وعادت آمنة.
وتشكل هذه التفجيرات، والخوف من استمرارها على نطاق أوسع، معاناة جديدة للمواطنين إلى جانب معاناة الحياة اليومية، وظروف المعيشة الصعبة التي يعيشها المواطن، من ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الليرة السورية لمستويات قياسية، وقلة فرص العمل.