قالت وكالة “رويترز” إن السعودية مستعدة لقبول “التزام سياسي” من إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية، بدلاً من أي شيء أكثر إلزاماً، مقابل التوصل لاتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة.
ونقلت الوكالة عن مصدرين إقليميين، اليوم الجمعة، أن السعودية تحرص بشكل متزايد على تعزيز أمنها ودرء التهديدات من منافستها إيران، حتى تتمكن من المضي قدماً في خطتها لتحويل اقتصادها وجذب استثمارات أجنبية ضخمة.
وأضافا أن المسؤولين السعوديين أخبروا نظراءهم الأمريكيين أن الرياض “لن تصر على أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإنشاء دولة فلسطينية، وستقبل بدلاً من ذلك التزاماً سياسياً بإقامة دولة فلسطينية”.
وذلك من أجل “خلق مساحة للمناورة في المحادثات حول الاعتراف بإسرائيل، وإعادة الاتفاق الأمريكي إلى مساره”.
وتسعى واشنطن منذ أشهر إلى التوصل لاتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، يقضي باعتراف الرياض بتل أبيب لأول مرة، إلا أن السعودية تضع شروطاً لذلك أولها “إقامة دولة فلسطينية”.
لكن منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة توقفت الجهود الدبلوماسية في مسار التطبيع، وسط تصاعد الغضب الجماهيري العربي ضد إسرائيل.
ما مآلات التطبيع؟
اعتبرت “رويترز” أن مثل هذه الصفقة الإقليمية الكبرى، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها بعيدة المنال حتى قبل الحرب بين إسرائيل و”حماس”، سوف تظل تواجه العديد من العقبات السياسية والدبلوماسية.
وأوضحت أن الاتفاق الذي يمنح أكبر مصدر للنفط في العالم حماية عسكرية أمريكية، مقابل التطبيع مع إسرائيل، من شأنه أن “يعيد تشكيل الشرق الأوسط من خلال توحيد خصمين منذ فترة طويلة، وربط الرياض بواشنطن في وقت تحقق فيه الصين نجاحات في المنطقة”.
وتابعت: “من شأن اتفاق التطبيع أن يعزز أيضاً دفاعات إسرائيل ضد خصمها اللدود إيران، ويمنح الرئيس الأمريكي جو بايدن نصراً دبلوماسياً يتباهى به قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر”.
وقال أحد المصادر الإقليمية للوكالة إن المسؤولين السعوديين “حثوا واشنطن سراً على الضغط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة، والالتزام بأفق سياسي للدولة الفلسطينية، قائلين إن الرياض ستقوم بعد ذلك بتطبيع العلاقات والمساعدة في تمويل إعادة إعمار غزة”.
وقال عبد العزيز الصغير، رئيس مركز الخليج للأبحاث في جدة، إن “رسالة المملكة إلى أمريكا كانت: أوقفوا الحرب أولاً، واسمحوا بالمساعدات الإنسانية، والتزموا بحل عادل ودائم لمنح الفلسطينيين دولة”.
وأضاف الصغير، وهو على دراية بالمحادثات الجارية، أنه بدون ذلك “لا تستطيع السعودية أن تفعل أي شيء” باتجاه التطبيع.
لكن المشكلة، بحسب “رويترز”، هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي أمضى قسماً كبيراً من حياته السياسية في معارضة إقامة دولة فلسطينية، رفض بشكل قاطع أي طموحات أمريكية وعربية لإقامة دولة فلسطينية بمجرد انتهاء الحرب في غزة.
وقال أحد المصادر الإقليمية البارزة المطلعة إن التطبيع “يتطلب التزاماً حقيقياً – إن لم يكن قانونياً فعلى الأقل سياسياً – من الإسرائيليين بأنهم منفتحون على حل الدولتين”.
وقال المصدر: “إذا أوقفت إسرائيل هجومها العسكري على غزة – أو على الأقل أعلنت وقف إطلاق النار – فسيسهل ذلك على المملكة العربية السعودية المضي قدماً في الصفقة”.
“قرارات صعبة”
من جانبه، قال مصدر أمريكي لـ”رويترز” إن واشنطن تعتقد أن رغبة الرياض القوية في الحصول على ضمانات دفاعية أمريكية، تعني أن المملكة ستكون مستعدة لإبداء بعض المرونة بشأن ما يمكن أن يشكل التزاماً إسرائيلياً بمسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
وقال المصدر إن إحدى الخطوات في هذا الاتجاه قد تكون “تخلي نتنياهو عن معارضته لقيام السلطة الفلسطينية بدور مهم في غزة ما بعد الحرب”.
وأضاف أن “إقامة علاقات مع الدولة الإسلامية السنية ذات الوزن الثقيل في العالم العربي ستكون أكبر نجاح دبلوماسي لنتنياهو، بينما بالنسبة للفلسطينيين، فإن التطبيع سيعيد التطلعات إلى إقامة دولة على الخريطة بدعم عربي كامل”.
وقال محمد دحلان، رئيس الأمن السابق لحركة “فتح” الفلسطينية، والمقيم حالياً في فلسطين: “للمرة الأولى أشعر أن هناك اتفاقاً عربياً موحداً وإجماعياً وصادقاً على حل الدولتين لحل الصراع”.
مضيفاً: “السؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة جادة وقادرة على الضغط على نتنياهو لتحقيق هذا الهدف.”
وقال المصدر الأمريكي إن إدارة بايدن تعتقد أن نتنياهو مستعد لإبقاء احتمالات التطبيع الإسرائيلية- السعودية “حية”، لكنه لم يظهر أي علامة على تخفيف مقاومته للتنازلات الفلسطينية، ويرجع ذلك جزئياً إلى احتمال زعزعة استقرار ائتلافه اليميني المتطرف.
وقال أحد المصادر الإقليمية البارزة القريبة من التفكير السعودي: “بايدن حريص للغاية على الاتفاق. والمملكة العربية السعودية حريصة للغاية على الاتفاق”.
مضيفاً: “يدرك هذان الطرفان أن الوقت ضيق للغاية وعليهما القيام بذلك قريباً، لكن الإسرائيليين يجعلون الأمر صعباً”.
صفقة معقدة
بدت التصريحات حول التطبيع “إيجابية” من قبل جميع الأطراف، قبل الحرب على غزة، لكن وسائل إعلام إسرائيلية وصفت الصفقة بأنها “معقدة”، بسبب الشروط السعودية.
وتشترط الرياض تقديم إسرائيل تنازلات بشأن تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة، ودعم إقامة برنامج نووي في المملكة.
وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” ، في سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن “نتنياهو أمر كبار المسؤولين الأمنيين والنوويين في إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمفاوضات حول التوصل إلى حل وسط يسمح للمملكة العربية السعودية بأن تصبح ثاني دولة بتخصيب اليورانيوم في الشرق الأوسط”.
وأكدت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن “المسؤولين في إسرائيل يعملون سراً مع الولايات المتحدة بشأن هذه القضية”.
واعتبرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن الطريق إلى اتفاق التطبيع لا يزال “طويلاً ومليئاً بالعثرات”.
وقالت الصحيفة في تقرير سابق إن الصفقة تواجه عقبات من بينها “القضية الفلسطينية والرغبة السعودية في تخصيب اليورانيوم ذاتياً، وهما نزاعان سيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق بشأنهما”.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك “احتمالاً كبيراً بأن تفشل جهود الأطراف الثلاثة”.