مع استمرار معاناة سكان المناطق الخاضعة للنظام، من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، خاصة مع بدء دخول فصل الصيف، يلجئ السكان لحلولٍ بديلة، لتأمين التيار الكهربائي. أولى هذه البدائل كانت “البطاريات” و”الليدات” لتوفير الإنارة فقط، والتي راجت بشكل كبير، خلال السنوات الماضية، حتى بلغ معدل إنفاق السورين عليها في 2017 ما يزيد عن 80 مليون دولار، حسب تصريح لمصدر في وزارة الاقتصاد التابعة لحكومة الأسد.
وإلى جانب ذلك انتشرت “المولدات الكهربائية”، التي يشتريها أحد الأشخاص أو بعض التجار، حيث يتم توزيع الكهرباء على عدد من المنازل في الأحياء السكنية، مقابل الحصول على مبالغ مالية من الأهالي حسب إنفاق كل عائلة من “الأمبيرات”.
لكن مع اشتداد أزمة المحروقات وقلة “الديزل”، خلال العامين الماضيين، بدأ التوجه إلى ما يعرف بـ”الطاقة الشمسية”، التي تشهد رواجاً وانتشاراً كبيراً، خلال الأشهر الأخيرة، سواء من قبل حكومة الأسد التي بدأت تشجع على هذا النوع من المشاريع باعتبارها “واعدة وداعمة” أو من قبل مواطنين.
وتعرف الطاقة الشمسية بأنها مصدر من مصادر “الطاقة المتجددة”، وتقوم على تحويل أشعة الشمس إلى كهرباء عبر تقنية “الفولتوضوئية” التي تمتص حرارة الشمس وتحولها إلى طاقة بعد تخزينها في بطاريات، لاستخدامها في عدة مجالات.
أنواع الطاقة
تعددت استخدامات “الطاقة الشمسية” في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، بين استخدام فردي سواء كان لإنارة المنازل أو لتشغيلها من قبل مزارعين لري أراضيهم، وبين مشاريع جماعية وضخمة يشرف عليها مستثمرون.
وعلى الصعيد الفردي تواصل فريق “السورية. نت” مع عدد من السكان الذين عمدوا إلى تركيب “الطاقة الشمسية”، كونها المخرج الأساسي لتأمين الطاقة الكهربائية كبديل عن التيار المركزي الذي وصلت ساعات انقطاعه في بعض المناطق إلى عدة أيام.
ويقول علي محمود، وهو من سكان مدينة التل بريف دمشق، لـ”السورية. نت” إنه لجأ إلى شراء ألواح الطاقة الشمسية رغم تكلفتها العالية، بعدما أصبحت الكهرباء “حلم” في المدينة، وخاصة في أسابيع اشتداد البرد أو الحر، إذ تمر عدة أيام دون كهرباء.
وأضاف محمود أن الطاقة الشمسية (المنزلية) منها ما يكون بسيط وخفيف لا يتطلب استطاعات عالية، و يكون الهدف منها فقط تشغيل “سخان المياه”، وهنا تقدر التكاليف بنحو 200 دولار تقريباً أي ما يعادل قرابة 630 ألف ليرة سورية، حسب سعر الصرف 3140 ليرة للدولار الواحد.
أما في حال أراد الشخص توليد تيار كهربائي عالي، يُستخدم لإنارة المنزل والأدوات الكهربائية (كهرباء نظامية)، يتطلب ذلك تركيب طاقة شمسية كاملة، تبدأ من ألواح الطاقة ذات الاستطاعة المختلفة، مروراً بما يسمى “انفرتر” إلى البطاريات الخازنة للتيار الكهربائي، والتي قد تصل قيمتها إلى ملايين الليرات السورية، حسب محمود، الذي أكد أن تكلفة تركيبه للطاقة وصل في منزله إلى 1700 دولار أمريكي الشهر الماضي، أي ما يعادل قرابة سبعة ملايين ليرة سورية.
وبحسب ما رصد فريق “السورية. نت” انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صفحات ومجموعات للطاقة الشمسية ومراكز خاصة تعلن عن منتجاتها فيما يخص التركيب المنزلي في مدن عديدة كدمشق وحلب واللاذقية.
وإلى جانب الاستخدام المنزلي، لاقى استخدام “الطاقة الشمسية” رواجاً لدى المزارعين بشكل كبير في مختلف المناطق، وخاصة في المنطقة الوسطى، بهدف ري الأراضي الزراعية بعد انقطاع الكهرباء النظامية.
وأرجع حسام، وهو أحد المزارعين في حمص، سبب إقبال المزارعين على استخدام الطاقة الشمسية، إلى زيادة ساعات التقنين وقلة المحروقات الخاصة بتشغيل المولدات الكهربائية، ما أثر سلباً على الزراعة في المنطقة.
ويقول حسام إن “مكونات الطاقة الشمسية عبارة عن ألواح، كل لوح له طاقات معينة يبدأ من 100 واط، ويتراوح سعرها بين 25 و30 دولاراً، وصولاً إلى ألواح باستطاعة 300 واط ويتراوح سعرها من 90 إلى 120 دولاراً “.
وأضاف حسام أنه بالنسبة للمزارع الذي يملك محرك لضخ المياه “غطاس” يختلف عدد الألواح التي يحتاجها باختلاف قوة المحرك (الحصان)، إذ “كل حصان بحاجة إلى ألواح بسعة 750 واط”، مشيراً إلى أن مصدر الألواح منها ما هو صيني ومنها ما هو هندي إضافة إلى ألواح تأتي من الأردن لكن بتصنيع أمريكي وتجديد أردني.
أما المكون الثاني من الطاقة، والتي وصفه حسام بأنها “أهم وأغلى شيء في عملية الطاقة الشمسية والقلب الحيوي”، ما يسمى “الانفرتر” الذي يقوم بعملية تحويل التيار الخارج من الألواح إلى تيار متناوب.
ويختلف سعر “الانفرتر” باختلاف استطاعته التي تبدأ من 800 كيلو واط إلى أكثر من 100 ألف كيلو واط، وله عدة أنواع مختلفة منها منشأ كوري وصيني وفيتنامي، وكل جهاز له خصائص وميزات تختلف عن الجهاز الآخر، حسب حسام، الذي أشار إلى أن سعر “انفرتر” بسعة 2000 واط يصل إلى 200 دولار، وسعر 3500 واط يصل إلى 410 دولارات، بينما يصل سعر “الانفرتر” سعة 5500 كيلو واط إلى 525 دولاراً أمريكياً.
أما المكون الثالث هو البطارية الخازنة للكهرباء من أجل استخدامها بعد غياب الشمس، ويختلف سعرها باختلاف منشأها (ألماني- فيتنامي)، و لها أنواع ومقاسات وأسعار عدة، إذ أن بطارية بسعة 100 أمبير يصل سعرها إلى حدود 190 دولاراً أمريكياً.
وإلى جانب الاستخدامات الفردية، ظهرت خلال الأسابيع الماضية مبادرات جماعية باستخدام الطاقة الشمسية، كإنارة طرقات، إذ عمل سكان حي “الحميدية” في حمص على مشروع بمشاركة أبناء الحي وبعض المغتربين، لإنارة شارع الحي، حسب ما قال موقع “سناك سوري” المحلي.
كما قال قال المحامي نور الدين سلمان، وهو من أحد أبناء حي مخيم اليرموك في دمشق، عبر صفحته في “فيس بوك”، إنه “تمت الموافقة على إنارة شوارع فلسطين واليرموك ولوبيه بالطاقة الشمسية من قبل جهة متبرعة”.
اهتمام حكومي
على مدى السنوات الماضية ظهر اهتمام كبير لدى حكومة الأسد بالطاقة الشمسية، وتمثل ذلك من خلال التصريحات الحكومية والمشاريع التي أشرفت عليها سواء الصغيرة منها كتوليد الكهرباء للمدارس والمستشفيات وإنارة الطرقات.
أو الكبيرة كإنشاء مشاريع كبيرة للطاقة يتم وصلها إلى الشبكة الكهربائية العامة في البلاد لرفدها بالتيار الكهربائي، وكان أول مشروع هو تدشين أول محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في الكسوة بريف دمشق في 2017، باستطاعة 1.26 ميغاواط.
وقال رئيس حكومة الأسد، حسين عرنوس، خلال افتتاح مشروع للطاقة المنتجة عبر الألواح الشمسية في مدينة حماة الشهر الماضي، إن “الحكومة تقدم كافة التسهيلات اللازمة للمستثمرين لإقامة مشاريع الطاقات لا سيما الرياح أو الواح الطاقة الشمسية”.
وأضاف عرنوس، لوكالة “سبوتنيك“، أن هناك “توجه جديد للبلاد نحو تأمين الطاقة الكهربائية للمنشآت الصناعية والتجارية من خلال اعتماد نظم الطاقات البديلة”.
من جهته أكد وزير الكهرباء في حكومة الأسد، غسان الزامل، خلال الاجتماع المركزي لاتحاد العمال في 12 من الشهر الماضي، أن الوزارة تعمل على أن “تكون نسبة إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة ٤٠% من إجمالي انتاج الكهرباء في البلاد”.
في حين قال الزامل في فبراير/ شباط الماضي، إن “الوزارة توصلت الوزارة إلى اتفاق مع إحدى الشركات لإنشاء محطة توليد كهروضوئية باستطاعة 33 ميغاوات في المنطقة الصناعية بحلب”.
كما شجعت حكومة الأسد الاستثمار في هذا القطاع، إذ أطلق أحد المستثمرين أول محطة كهروضوئية في بلدة عين شقاق بريف جبلة، منتصف الشهر الماضي، بطاقة إنتاجية تصل إلى 100 كيلو واط ساعي، في حين تبلغ المساحة الإجمالية للمشروع ألف متر مربع، وعدد الألواح الشمسية 244 لوحاً باستطاعة 410 واط لكل لوح، وبلغت التكلفة التقريبية للمشروع 160 مليون ليرة سورية، حسب وكالة “سانا“.
فكرة قديمة أحيتها الظروف
رغم أن السنوات القليلة الماضية، شهدت توجهَ السكان لتأمين الكهرباء عبر “الطاقة الشمسية”، بعد أن زادت ساعات انقطاعها بشكل كبير، إلا أن عملية توليد الكهرباء في سورية من “الطاقة الشمسية” هي فكرة قديمة، كان النظام قد اتخذ خطوات في سبيل تشجيعها.
إذ شهد العقد الماضي، وخاصة في 2007 و2008، حسب المحلل الاقتصادي يونس الكريم، تحركات باتجاه تأمين الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وقال لكريم لـ”السورية. نت” إن فكرة الطاقة البديلة تم طرحها في الولاية الثانية لرئيس النظام، بشار الأسد، عندما زار بادية حمص لإقامة مشروع الطاقة الشمسية، لكن ظهرت عدة نقاط عوائق.
وأول هذه العوائق، حسب كريم، كانت طبيعة الشبكة الكهربائية المتهالكة، لنقل الطاقة الشمسية، وبالتالي يوجد فاقد كبير للكهرباء ما يجعل العملية من غير جدوى، إضافة إلى التكلفة النهائية للمشروع والتي تتضمن كلفة الألواح الشمسية وكلفة الصيانة وكلفة المحولات، إلى جانب التكلفة التشغيلية المستمرة.