جرائم الأسد أمام “أسمى” محكمة دولية.. جدلٌ حول الأهمية والتأثير
وصل ملف جرائم نظام الأسد في سورية إلى “محكمة العدل الدولية”، التي تعرف بأنها أعلى محكمة في الأمم المتحدة، في سابقة قضائية هي الأولى من نوعها منذ 2011.
وجاء ذلك بعد رفع كل من هولندا وكندا دعوى قضائية ضد نظام الأسد في المحكمة، بسبب خرقه لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وبعد مفاوضات مع نظام الأسد لإيقاف الانتهاكات، لكن “دون جدوى”.
وبين دعوى الدولتين ورفض النظام، اعتبر قانونيون أن هذه التحركات تشكل أداة ضغط حقوقي، للوقوف بوجه موجة تعويم الأسد والتطبيع معه من قبل عدد من الدول.
بينما قلل قانونيون آخرون من أهمية هذه الخطوة القضائية، ووصفوها بأنها “زوبعة إعلامية” ما لم ترتبط بمحاسبة الأفراد المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.
دعوى بعد تفاوض
وبدأت الخطوات الأولى للتحرك القضائي عام 2020، عندما أعلنت هولندا تحميل نظام الأسد مسؤولية ارتكاب جرائم “مروعة” بحق السوريين.
وذلك بعد تقارير حقوقية أثبتت تعرض عدد كبير من السوريين للتعذيب والقتل والإخفاء القسري والهجمات بالغازات السامة، منذ عام 2011.
وحسب بيان صادر عن الخارجية الهولندية، فإنها أرسلت مذكرة دبلوماسية إلى نظام الأسد طالبت فيها بوقف الانتهاكات وتعويض الضحايا.
كما طالبت النظام بالدخول في مفاوضات قبل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية “في حال فشلت”.
ولم يتأخر رد النظام على الدعوة الهولندية، حيث أصدرت خارجيته بياناً بعد ساعات، اعتبرت فيه أن “الحكومة الهولندية تستخدم محكمة العدل الدولية لخدمة أجندات سيدها الأمريكي”.
ووصف البيان، الذي نقلته وكالة أنباء النظام “سانا”، الحكومة الهولندية بأنها “التابع الذليل للولايات المتحدة الأمريكية”.
وفي عام 2021، انضمت كندا إلى هولندا في المطالبة بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، ومحاسبة النظام على الانتهاكات.
وأكدت الخارجية الكندية في بيان أنها طالبت نظام الأسد مراراً وتكراراً بوقف الانتهاكات ضد السوريين، عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إلا أن النظام رفض وتجاهل المطالب واحترام حقوق الإنسان، حسب تعبيرها.
وقررت هولندا وكندا الأسبوع الماضي رفع دعوى ضد النظام في المحكمة بعد فشل التفاوض معه.
وأصدرتا بياناً جاء فيه أن هولندا وكندا أكدتا في طلبهما للمحكمة أن “سورية ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، بقمعها العنيف للمظاهرات المدنية”.
وأكد البيان أن الانتهاكات تشمل “استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة للمحتجزين”.
و”الظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”.
كما تشمل الانتهاكات أيضاً “استخدام الأسلحة الكيميائية التي كانت ممارسة بغيضة بشكل خاص لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، مما أدى إلى العديد من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة”.
ما هي اتفاقية “مناهضة التعذيب”؟
يعود أصل القضية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لـ”مناهضة التعذيب“، عندما صادقت عليها دول عدة عام 1987، بينها هولندا وكندا وسورية.
وتنص الاتفاقية، التي تتكون من 33 مادة، على اتخاذ الدول الموقعة إجراءات لمنع أعمال التعذيب بحق مواطنيها ومحاسبة المسؤولين عن التعذيب.
ويوضح عضو فريق المستشارين للخارجية الهولندية، إبراهيم علبي، لـ”السورية. نت” تفاصيل الدعوى المرفوعة ضد نظام الأسد.
ويقول علبي إن هولندا وكندا فعّلتا مسؤولية النظام ضمن اتفاقية مناهضة التعذيب.
وهو أن “أي دولة عضو في هذه الاتفاقية ترتكب انتهاك التعذيب، يحق للدول الأعضاء الأخرى التواصل معها بهدف كف هذه الانتهاكات وتصحيح الالتزام بالاتفاقية”.
وبحال فشل التفاوض يحق للدول المعترضة اللجوء إلى التحكيم، وفي حال فشله أيضاً يحق لها التوجه إلى “محكمة العدل الدولية”.
وأكد علبي أن هولندا وكندا عقدتا جلستين مع نظام الأسد لكن المفاوضات فشلت.
ما دفعهما إلى اللجوء للتحكيم الذي فشل أيضاً، قبل التوجه إلى محكمة العدل الدولية.
وأشار علبي إلى أن القانون الذي تم الاعتماد عليه برفع الدعوى هو “اتفاقية مناهضة التعذيب” وخاصة المادة 30 منه.
وتنص المادة 30 من الاتفاقية على أنه “أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول فيما يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية أو تنفيذها ولا يمكن تسويته عن طريق التفاوض، يطرح للتحكيم بناء على طلب إحدى هذه الدول”.
و”إذا لم تتمكن الأطراف في غضون ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الموافقة على تنظيم التحكيم، يجوز لأي من تلك الأطراف أن يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية، بتقديم طلب وفقاً للنظام الأساسي لهذه المحكمة”.
جدلٌ حول الأهمية والتأثير
بعد رفع الدعوى، صدرت آراء من قبل قانونيين وحقوقيين حول أهميتها والبناء عليها لاحقاً ضد نظام الأسد.
بينما قلل آخرون من أهميتها كونها “لا تحاكم أفراداً وإنما مختصة بالدول”.
الباحث في القانون الدولي ممتاز سليمان، اعتبر أن هدف الدعوى هو “الضغط الدبلوماسي” فقط.
وقال في حديثه لـ “السورية نت” إن الحاجة تتطلب التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية وليس إلى محكمة العدل الدولية.
وليس بإمكان محكمة الجنايات التحقيق في الجرائم المرتكبة في سورية، بسبب عدم وجود ولاية لديها هناك.
وذلك لأن سورية ليست عضواً في “نظام روما الأساسي”، المعاهدة التي أنشأت محكمة الجنايات الدولية.
كما أن وجود الفيتو الروسي في مجلس الأمن، يمنع تحويل الملف السوري إلى الجنايات الدولية، بحسب سليمان.
مضيفاً أن الدعوى ضد الأسد عبارة عن “زوبعة إعلامية”، ما لم تصل إلى محكمة الجنايات الدولية، حسب تعبيره.
بالمقابل، أكد مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، على أهمية هذه الدعوى.
ووصفها، في حديثه لـ “السورية نت”، بأنها “خطوة غاية في الأهمية ومرحلة جديدة نحو الأمام”.
وتعود أهمية الخطوة، حسب عبد الغني، لعدة أسباب، أولها أن محكمة العدل هي “محكمة العالم” التي تتبع للأمم المتحدة، وكل دول العالم أعضاء فيها ومصادقة عليها، من بينها روسيا وسورية.
ويعود الأمر الثاني إلى أن الدعوى “هي الأولى من نوعها في المحكمة ولا يوجد مثلها ضد دولة خرقت اتفاقية التعذيب”.
ورفع الدعوى ضد أي دولة، بحسب عبد الغني، يعني أن نظامها وصل لمرحلة من “التوحش والبربرية”.
مؤكداً أن الدعوى هي “رسالة سياسية ضد نظام الأسد لكل دول العالم”.
ورد عبد الغني على المشككين بأهمية الدعوى، الذين يعتبرون أنها ضد الدولة السورية وليست ضد النظام الحاكم.
بقوله إنها “إدانة لنظام الأسد بصفته المتحكم بالدولة السورية وممثلها، وهو من خرق اتفاقية التعذيب”.
من جانبه، شدد الحقوقي إبراهيم علبي على أهمية الدعوى، كونها تسلط الضوء على الانتهاكات المرتكبة في سورية، وتعيد ملف التعذيب إلى “أسمى محكمة”.
وقال إنها “أكبر أداة ضغط حقوقي قضائي موجودة الآن، ويمكن أن تعطي فرصة للناجين والناجيات من سجون الأسد رؤية هذا الملف على طاولة دولية”.
كما “تعطي فرصة للتقارير الحقوقية، التي تم التشكيك فيها سابقاً من قبل بعض الدول، للطرح مجدداً أمام المحكمة الدولية”.
وتتألف محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً، وتعطي الفرصة لإثبات السردية في موضوع التعذيب، بحسب علبي.
نتائج “مرجوة” من محكمة العدل
صدرت خلال السنوات السابقة العديد من التقارير الحقوقية، التي تثبت تورط الأسد ونظامه بارتكاب جرائم وانتهاكات.
لكن صدور قرار من محكمة العدل الدولية ينقل هذا الأمر إلى مستوى دولي آخر، بحسب قانونيين.
القانوني السوري ممتاز سليمان، اعتبر أن صدور أي قرار من محكمة العدل الدولية سيكون “برتوكولياً” فقط، وليس تنفيذياً.
وذلك لأنه “لا يحق للمحكمة مطالبة النظام بتسليم أشخاص ومحاكمتهم”.
أما عضو فريق المستشارين للخارجية الهولندية، إبراهيم علبي، أكد أن ما يمكن أن ينتج عن المحكمة هو “قرار إدانة من أسمى محكمة في العالم لنظام الأسد”.
لافتاً إلى أن المحكمة “قد تطالبه بفتح السجون وزيارتها في المرحلة المقبلة”.
وفرّق علبي بين محكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية فيما يخص محاسبة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات.
وقال إن محكمة العدل تختص بالخلافات بين الدول، وبالتالي تحمّل الدولة المسؤولية وليس الفرد.
وهذا يعني أن المحكمة “تستطيع النظر في جميع الانتهاكات التي حدثت بالدولة بخصوص التعذيب في جميع أفرع الأمن والسجون”.
كما يمكنها تسليط الضوء على ملف الكيماوي، كما ورد في مذكرة كندا وهولندا، إضافة إلى ملف التعذيب الجنسي.
وأشار علبي إلى أن المحكمة ليس من اختصاصها طلب اعتقال أشخاص ومحاكمتهم، والتي هي من مهام محكمة الجنايات الدولية.
ووصف محكمة العدل والجنايات بـ”المكملين لبعضهما”.
لكن العدل يوجد فيها كل أعضاء الأمم المتحدة، بينما الجنايات تضم فقط الدول الموقعة على “نظام روما”، وسورية ليست منها.
أما مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أعرب عم أمله بصدور حكم ضد نظام الأسد في محكمة العدل.
واعتبر أن ذلك “أهم عشرات المرات من كل الدعاوى بالولاية القضائية العالمية”.
وذلك “لأن محكمة العدل تدين الدولة ككل، بمعنى تدين النظام كله وليس الأفراد داخله”.
وأكد أن صدور الحكم “قد يأخذ وقتاً لكنه مأمول، لأن النظام لن يتجاوب، وحتى إذا تجاوب فهناك أدلة ضده”.
وقال إن “الشبكة السورية” زودت الحكومة الهولندية والكندية بوثائق تدين النظام وتكشف تورطه بالتعذيب “بشكل ممنهج وواسع النطاق”.
وحسب بيانات الشبكة، فإن أكثر من 15 ألفاً قتلوا تحت التعذيب في سجون الأسد من عام 2011 وحتى اليوم، بينهم 190 طفلاً و94 امرأة.