“جرعات بالتدريج”..ماذا وراء “ميزات الأسد” للكوادر الطبية في سورية؟
تحاول حكومة نظام الأسد ترميم نقص الكوادر الطبية في مختلف الاختصاصات، عبر منح الأطباء “ميزات”، تعتبر الأولى من نوعها.
ويعاني القطاع الصحي في سورية من نقص في عدد الأطباء، ضمن اختصاصات معينة مثل “التخدير”، بعد هجرة قسم كبير منهم، لأسباب تتعلق بالوضع المعيشي وتهاوي سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار.
وفي محاولة لوقف “حالة الاستنزاف” هذه، اتخذت حكومة الأسد عدة خطوات خلال الأشهر الماضية، وترصدها “السورية.نت” ضمن الآتي.
“بالخدمة العسكرية”
في 10 من أغسطس/آب الماضي، أصدرت وزارة الدفاع في حكومة الأسد قراراً إدارياً سرحت بموجبه الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة، إضافة إلى إيقاف استدعائهم للخدمة الاحتياطية.
ووفقاً للقرار فإنه “ينهى الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين (الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة) باستثناء الأطباء أخصائي التخدير والعناية المشددة والطوارىء”.
كما نص القرار على تسريح “الضباط (الأطباء البشريون وأطباء الأسنان والصيادلة) الملتحقون بالخدمة الإلزامية”.
وقبل ذلك بأشهر، في شهر أبريل / نيسان، حددت وزارة العدل خدمة العلم للأطباء (بشري وأسنان) بسنة ونصف فقط، على أن يسرحون بنهايتها مباشرة دون احتفاظ، في حين تحدد مدة الخدمة العسكرية في سورية بعامين.
ونص القرار على أن “الدورة العسكرية تنفذ على رأس العمل، وفي المكان المفرز إليه الطبيب أو الصيدلاني”.
كما نصر على فرز “الأطباء (بشري ـــ أسنان) والصيادلة حسب رغباتهم إلى أقرب مؤسسة صحية عسكرية للمكان المطلوب، ويُفرز الأخصائيون (بشري ـــ أسنان ـــ صيادلة) إلى المشافي والمراكز الطبية التخصصية.
“ميزات جامعية”
في غضون ذلك وفي 29 أغسطس/آب أصدر الأسد مرسوماً نص على “قبول عدد من طلاب كليات الطب والمعاهد التقنية الطبية والصحية وكليات العلوم الصحية والتمريض، ومن حملة الإجازة في الطب كملتزمين بالخدمة لدى الجهات العامة المعنية بالقطاع الصحي”.
وحسب الرسوم “يلتزم المقبول بخدمة الدولة مدة عشر سنوات، وتعد خدمة العلم من مدة الالتزام”.
وحسب وزير التعليم في حكومة نظام الأسد، بسام إبراهيم، فإنه وفقاً للمرسوم تمت إضافة شريحة ثالثة إلى دراسة الطب، إذ كان سابقاً يوجد قبول عام وموازي بعد الشهادة الثانوية، أما الآن أصبحت ثلاثة شرائح ولها مفاضلة خاصة ويحق للطالب الاختيار.
وأكد إبراهيم أن الشريحة الجديدة هي “إعطاء الطالب فرصة القبول في كلية الطب عبر زيادة الأعداد المقبولين”، مقابل التزامه الخدمة في الدولة لمدة عشر سنوات، بما فيها سنة الامتياز والخدمة العسكرية.
وأشار إبراهيم إلى أنه سابقاً كان متاح 3 بالمئة فقط للطلاب الأوائل خريجي المعاهد التقنية في المجال الطبي والصحي الالتحاق بكلية الطب، لكن الآن أصبح 10 بالمئة، وفق المرسوم، ويقبل بالسنة الثانية، شريطة متابعة دراسته في الاختصاص الذي كان مختص به في أثناء دراسته بالمعهد كاختصاص التخدير أو الأشعة.
أما خريجي كليات التمريض والعلوم الصحية يقبل 10 بالمئة من الطلاب الأوائل في السنة الثالثة بكلية الطب.
كما حدد المرسوم قبول الطلاب المتخرجين من كلية الطب والراغبين في دراسة الاختصاص، لكن الطالب يدرس الاختصاص بناء على ما يحدده مجلس التعليم العالي للطالب.
وأكد وزير التعليم أن مجرد قبول الطالب الشروط، فإنه “لا يمنح أي وثيقة أو مصدقة تخرج أو شهادة أو كشف علامات إلا بعد الانتهاء من مدة العشر سنوات”.
من جانبه قال وزير الصحة في حكومة الأسد، حسن محمد الغباش، إن المرسوم أعطى الفرصة للطلاب الراغبين بدراسة الطب البشري، وسيكون الطبيب بعد انتهاء دراسته الجامعية وتخصصه الالتزام لصالح الجهة القطاع الحكومي، وبشكل مباشر دون وجود مسابقة لتعيينه.
واعتبر الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن المصطفى، أن الهدف من المرسوم هو محاولة الاستفادة قدر الامكان من هؤلاء الأطباء، خاصة وأنه يطبق لأول مرة على قطاع مدني، في حين كان سابقاً في قطاع الشرطة عندما يخدم المتطوع مدة خمس سنوات من أجل إسقاط الخدمة الإلزامية عنه.
وأشار مصطفى وهو أيضاً زميل غير مقيم في “معهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط(timep)”، إلى أن الراتب سيكون “راتب الجهة المتعاقد معها، وهي هنا مؤسسة مدنية، ويأخذ الراتب المقابل لشهادة العلمية بحسب جدول الرواتب المتعارف عليه، وينطبق عليه قانون العاملين الأساسي بالدولة.
واعتبر أن الطبيب سيفضل الهجرة إلى خارج سورية بسبب المردود المادي الكبير، إضافة إلى عدم رغبة عدد من الأطباء بهذه الوظائف في القطاع الحكومي، لمدة عشر سنوات.
ما وراء تحركات النظام؟
وأكد وزير التعليم أن المرسوم الأخير جاء نتيجة معاناة القطاع الصحي ونقص الكوادر الطبية في مختلف الاختصاصات، لذلك تم وضع آلية قانونية من قبل وزارة الصحة والتعليم والدفاع، لتعويض النقص الحاصل في القطاع الطبي.
أما وزير الصحة أكد أن القطاع يعاني من نقص حاد وشديد في اختصاصات معينة، وخاصة في قطاع التخدير والأشعة، وأن “المرسوم هدفه ترميم النقص”.
بدوره يقول عميد كلية الطب البشري في “جامعة حلب الحرة” في شمال سورية، جواد أبو حطب، إن الواقع الصحي في مناطق النظام “سيء جداً”، بسبب هجرة عدد كبير من الأطباء إلى خارج سورية، لعدة أسباب منها بحثاً عن الأمان وعن الرواتب الجيدة.
وأضاف أبو حطب لـ”السورية. نت” أن النظام يعاني بشكل كبير من نقص واستنزاف هائل في الأطباء، مستدلاً على ذلك بأنه قبل 2011 كان الطبيب بحاجة إلى واسطة من أجل التدريس في الجامعة، أما اليوم كل من بقي أصبح مدرساً حتى “المغضوب عليهم” من قبل النظام، حسب تعبيره.
وأوضح أبو حطب أن قسم كبير من الأطباء هاجر إلى الخليج العربي، وخاصة الإمارات وقطر والسعودية، إذ أن كبار الجراحين الذين كانوا في سورية باتوا اليوم في الإمارات، وافتتحوا مراكز طبية هناك.
وأشار: “قبل 2011 كان تعداد الأطباء السوريين على مستوى سورية يصل إلى 40 ألف طبيب”، فيما هاجر قسم كبير منهم، بينهم 10 آلاف طبيب إلى دول الخليج.
واعتبر الدكتور أبو حطب أن “أسوأ ما يعانيه نظام الأسد اليوم هو عدم وجود أطباء أصحاب خبرة”.
ويتابع: “في دمشق وحدها كان يوجد في السابق بين 2 و3 آلاف استشاري درسوا في جامعات كبيرة، في حين لا يوجد لدى النظام اليوم سوى الخريجين الجدد الذين لا يملكون خبرات واسعة”.
وأشار أبو حطب إلى أن هجرة الأطباء من سورية لا يقتصر على مناطق النظام فقط، وإنما تعاني مناطق الشمال السوري أيضاً من هجرة الأطباء، إضافة إلى أن أغلب الأطباء في تركيا بدأوا يبحثون عن دول أخرى، بحثاً عن الاستقرار.
“أرقام وإحصائيات”
وحسب رئيسة “رابطة التخدير وتدبير الألم” في نقابة الأطباء، زبيدة شموط، فإن “الكادر الطبي خسر من أطبائه أكثر من 60 بالمئة حتى إن هناك بعض المشافي انخفض فيها عدد الأطباء بشكل واضح”.
وأكدت شموط، حسب صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، يوم الخميس الماضي أن “أعداداً كبيرة من الأطباء وصلوا إلى سن التقاعد، وبالتالي فإن الوضع يحتاج إلى حلول جذرية للحفاظ على الكادر الطبي في سورية”.
وأكد نقيب أطباء ريف دمشق، خالد قاسم موسى، أن القطاع الطبي يعاني من نقص في قطاعات معينة، وأن هذا النقص كان موجوداً قبل 2011 باختصاصات التخدير وجراحة الأوعية والصدرية الداخلية، و”مع الحرب قل عدد الأطباء في هذه الاختصاصات”.
وقال موسى، في تصريح لإذاعة ميلودي إف إم المحلية، في فبراير/ شباط الماضي، إن “الطبيب السوري يحصل على تسهيلات من بعض الدول سواء للهجرة الشرعية أو غير الشرعة، ولاسيما من أوروبا، وهذا يندرج تحت مشروع خطير لتفريغ الكوادر من البلد”.
وأضاف أن “نقابة ريف دمشق يوجد فيها 2850 طبيب مسجل فيها. 50 بالمئة منهم طب عام والباقي أخصائيين، وأطباء التخدير المسجلين بالنقابة 12-13 فقط، ونفتقد لاختصاص الأوعية والصدرية”.
وأشار إلى أن الأطباء السوريين يتوجهون إلى ثلاثة دول هي: موريتانيا والصومال واليمن وتتراوح رواتب الأطباء هناك بين 1200 – 3000 دولار أمريكي.
وفي مارس/ آذار العام الماضي، أوضح تقرير أصدرته لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) أن “نحو 70 بالمئة من العاملين في القطاع الصحي غادروا سورية، حتى أصبح طبيب واحد لكل 10 آلاف سوري”.