رغم الهدوء الأمني الذي تشهده مدن الساحل السوري حالياً، وعدم ظهور ردود فعل علنية في الشارع، إثر الزوبعة التي سبّبها ظهور رامي مخلوف على مواقع التواصل الاجتماعي، ضد ما أسماه “الظلم” الذي لحق به، إلا أن الخطوة أحدثت شرخاً اجتماعياً قوياً بين أنصار النظام، في أكثر حاضناته الشعبية “تماسكاً”؛ لاسيما أن شعبية مخلوف، لا تقل عن شعبية الأسد في هذه المناطق، التي يُعتبر معظم سكانها من محدودي الدخل.
في مدينة جبلة مسقط رأس مخلوف، يحظى ابن خال بشار الأسد، بشعبية كبيرة، كنتيجة للدعم الذي قدمته “جمعية البستان الخيرية” لمؤيدي النظام خلال السنوات الأخيرة.
إذ استطاع مخلوف، بظهوريهِ عبر “فيسبوك”، استمالة شريحة واسعة من موالي النظام لصفه، وهم الذين فسروا ما يحدث، على أنه محاولة لإسقاط رمز اقتصادي داعم للفقراء، ولأبناء ريف اللاذقية الموالين، خاصة من عائلات الطائفة التي ينتمي لها مخلوف والأسد.
وجال مراسل “السورية.نت”، في شوارع جبلة وقرى حولها(دون إعلان هويته كمراسل)، محاولاً استنباطَ الموقف الحقيقي، لمن التقاهم، وهم من عائلاتٍ شديدة الولاء لنظام الأسد.
يتساءل أحدهم، واسمه حسان، طالب جامعي من قرى ريف جبلة، عن أسباب اقتصار حملة النظام في “مكافحة الفساد”، على رامي مخلوف، مضيفاً:” من مثله قدم للفقراء وللوطن خلال سنوات الحرب. يكفي أنه لم يغادر البلاد بأمواله وأتمنى تدخل الرئيس بشار”.
“غيمة عابرة” !
على الكورنيش البحري الذي يشكل متنفساً لأهالي جبلة، تكاد لا تغيب سيرة مخلوف عن النقاشات بين الناس، فيما وضع صاحب إحدى المقاهي هناك، صورة لمخلوف بشكل علني، وبجانبه صورة لرمز النظام بشار الأسد.
أما في وسط قرية بستان الباشا، التي ولد بها مخلوف، وجاء منها اسم “جمعية البستان”، فإن مظاهر الحياة تبدو شبه اعتيادية؛ إلا من طوابير المراجعين للجمعية العائدة لمخلوف، التي يبدو أنها لا تقدمُ “المساعدات والخدمات” كالعادة، وهو ما اعتبره أحد السكان “أمراً مؤقتاً”.
ويشير ذات المتحدث، إلى التغيّرات التي طرأت على مدينة جبلة والقرى المحيطة:”منذ بداية خروج خلاف مخلوف للعلن، لم يكن رامي مخلوف رمزاً كما هو اليوم في قرى ريف جبلة، معظم النقاشات بين الناس، تتمحور حول دعمه لأبناء المنطقة(…)لا زال معظمهم هنا ينادونه بالأستاذ، وإن كان هناك فئة قليلة كانت مقتنعة منذ وقت سابق أن مخلوف ومن شابهه من الأغنياء هم الفئة المستفيدة من هذه الحرب وأن من يُقتل هم أبناء الفقراء فقط”.
أما حسان، وهو مقاتل سابق في ميليشيا “صقور الصحراء”، وأحد المستفيدين السابقين من خدمات “جمعية البستان”، عبر تأمين طرق صناعي له إثر إصابته في إحدى المعارك، يرى أن ما يحصل هو “غيمة عابرة ولا يمكن لأي فتنة أن تحدث خلاف حقيقي بين عائلة الأسد”.
ثِقل آل مخلوف
من جانبه ذكر مسؤول “لجان التنسيق المحلية” في مدينة جبلة، أبو يوسف جبلاوي، في حديث لـ “السورية نت” أن الأوضاع الأمنية في المدينة هادئة، لكن هناك أحاديث عن تكتلات بين عائلات قوية، وذات نفوذ واسع في الساحل السوري؛ مثل “آل مخلوف”، و”آل جديد”، و”آل خيربيك”، و” آل جابر”، وهي عائلات لها ثقلها في ريف الساحل السوري و”يُقال أنها تضغط لصالح مخلوف في الخلاف الحاصل”.
ويضيف ذات المتحدث:” استطاع مخلوف بخطابه الديني(في الفيديو) كسب عواطف مؤيدي الأسد بشكل واسع، وتحويل الأمر إلى استهداف طائفي، هذا الأمر خلق نقمة تجاه أسماء الأسد التي يرى المؤيدون أنها من يقف وراء هذا الأمر، وهذا ليس مؤكداً”.
ولا يتوقع جبلاوي، أن يتحول الأمر لاشتباك بين الموالين في الساحل السوري، في الوقت الراهن؛ إلا أن هذا الأمر إن حصل وفق رأيه، سيكون له “تداعيات كبيرة على المستوى الاجتماعي في المنطقة، لاسيما أن عائلة مخلوف لها امتداد واسع في ريف اللاذقية، وميليشيا عسكرية ممثلة سابقاً بمليشيا البستان والحزب السوري القومي الاجتماعي.. هذا بالإضافة لنفوذ واسع داخل أجهزة النظام الأمنية وضباط رفيعي المستوى”.
انتقاد للأجهزة الأمنية
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت متنفسا للسوريين؛ مؤيدين منهم ومعارضين، تجاهلت معظم صفحات الساحل المحلية(الموالية)، ما يجري، إلا أن القلة القليلة منها التي تناولت الموضوع، انتقدت ظهور مخلوف واستخدامه الفيسبوك لايصال رسالته وإظهار الأمر للعلن.
وحمل منشور على صفحة “اللاذقية الآن” الموالية، مرفقاً بصورة “مخلوف” كقرصان، انتقاداً له، و”فساده وبذخ أولاده”، رغم تجاهلها سابقا الحديث عن هذه الأمور، إلا أن معظم التعليقات على الصفحة( من موالين أيضاً) حملت استنكاراً كبيراً للتهجم على مخلوف، مُتهمين قوى أمنية لم يسمونها بأنها وراء نشر مثل هذه المنشورات.
وعلّق همام يوسف، على اتهام مخلوف بالفساد ، قائلاً:”كنت استرجي نزل هيك بوست واحكي هيك حكي من سنة ونص وين كنت قبل؟ ليش ماكنت شايف هالشي؟” بينما دافع شخص آخر يدعى غدير عباس بالقول:” حماك الله أستاذ رامي رجل الخير والفقراء”.
لم يعتد مؤيدو الساحل السوري منذ بدء سنوات الثورة، أن يجدوا أنفسهم بين طرفين، كلاهما يحسب على “العائلة الحاكمة والطائفة ذاتها”، إلا أن هذا الخلاف يعيد للأذهان أحداث الثمانينات بين رفعت الأسد وأخيه حافظ الأسد، وفق ما يرى محمود وهو مهجر من مدينة جبلة ويقيم في إدلب.
ويرى الرجل الأربعيني، أن الخلاف الحالي “لا يعدو إلا كونه خلاف مكاسب مادية ولن ينتهي إلا بصلح يرضي الطرفين كما حصل حين استأثر الأسد الأب بالسلطة لسنوات وذهب الآخر بأموال الشعب السوري”.