تشهد الحدود الأردنية- السورية تصعيداً أمنياً يصفه محللون أردنيون بـأنه “حالة حرب”، وتطور “خطير” من تهريب المخدرات إلى الأسلحة.
ولا تقتصر التحديات الأمنية التي يواجهها الأردن عند حدوده مع سورية، على تهريب بعض الأشخاص لحبوب الكبتاغون المخدرة، إذ تعدى ذلك إلى تسلل “جماعات” وتهريب أسلحة صاروخية.
ويصف المتحدث باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، الوضع على الحدود السورية بأنه “إشكالية كبرى”.
وخلال أسبوع واحد، أعلن الجيش الأردني إحباط خمس محاولات تهريب، لكميات كبيرة من المخدرات قادمة عبر الحدود السورية، التي شهدت خلالها اشتباكات أسقطت قتلى وجرحى من الجيش الأردني.
آخر العمليات كانت، أمس الاثنين، عندما أعلن الجيش عن اشتباكات بين قوات حرس الحدود، مع جماعات حاولت تهريب أسلحة صاروخية وكميات كبيرة من المخدرات.
وضبط الجيش الأردني نحو خمسة ملايين حبة كبتاغون ونحو 13 ألف كف حشيش، إضافة إلى “صاروخ نوع روكيت لانشر عدد (4)، وصاروخ نوع آر بي جي عدد (4)، وألغام ضد الأفراد عدد (10)، وبندقية قنص نوع جي3، وبندقية نوع م16 مجهزة بمنظار قنص”.
كما أدت الاشتباكات إلى “تدمير سيارة محملة بالمواد المتفجرة، إضافةً إلى ضبط كميات كبيرة جداً من المواد المخدرة”.
وأكد بيان الجيش أن التحقيقات الأولية لهذه العمليات “تستهدف الأمن الوطني الأردني”، متوعداً بالقيام بما يلزم من أجل ردعها وملاحقتها.
من يقف وراءها؟
ويتهم مسؤولون أردنيون بشكل متكرر ميليشيات مدعومة من قبل إيران، بالوقوف وراء عمليات التهريب، لكن التطور الأخير أثار العديد من التساؤلات، حيال تطور كبير قد يحمل في طيات فاعليه عدة رسائل.
ويرى المحلل السياسي الأردني منذر الحوارات، أن ما حدث على الحدود، ليس وليد اللحظة “إنما هو جزء من سلسلة محاولات الاختراق الأردنية”.
ويؤكد الحوارات لـ”السورية.نت”، أن تهريب المخدرات هو ظاهرياً، لكن “جوهر العملية هو محاولة اختراق الحدود الأردنية، والفاعل الرئيسي هو إيران”.
ويتفق وزير الإعلام الأردني السابق سميح معايطة، بأن الموضوع خرج عن قضية تهريب المخدرات، إلى “حرب أمنية وسياسية وعسكرية على الأردن، تقوم بها ميليشيات معروفة الولاء والارتباط”.
وقال لـ”السورية.نت”، إن تزايد عمليات التهريب تؤكد أن “المهربين ليسوا تجار مخدرات، لأن التاجر عند تعرضه لأي محاولة إطلاق نار أو اعتقال أحد من جماعته يحاول الاختباء لبعض الأيام”، مشيراً إلى أنها “عمليات عسكرية عدائية تجاه الأردن من قبل ميليشيات طائفية”.
وأضاف معايطة لـ”السورية.نت”، أن الأردن يعرف تماماً بأن “إيران هي من ترعى هذه الميليشيات الطائفية على الحدود السورية، وهناك تواطؤ واضح من الجهات العسكرية والسياسية الموجودة في سورية”.
من جانبه قال الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد، لـ”السورية. نت” إنه ورغم استغلال المهربين لظروف الشتاء والضباب الكثيف الذي يوفر ساتراً لهم، فإن هناك ميليشيات مدعومة من النظام السوري وإيران تقوم بعمليات التهريب.
وقال الرداد إن “ميلشيات تتبع لإيران وميليشيات ضمن الأجواء المعروفة بعدم سيطرة النظام في سورية، وتعاون بعض أوساط الأخير معها على مستوى الجيش والأجهزة الأمنية وحرس الحدود السورية المتعاونة معها، هي التي لازالت تقوم بالعمليات لأغراض تجارية”.
وأضاف الرداد أن “مسألة عدم قدرة النظام في السيطرة على الميليشيات، باتت وفق التقدير الأردني، موضع شكوك عميقة ارتباطاً بأدوار أصبحت معروفة لدى أوساط النظام السوري، حيث تتولى المسؤولية وتتعاون مع هذه الميليشيات”.
وجاء التصعيد على الحدود الأردنية بعد لقاء جمع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش لقائهما في الأمم المتحدة، وتحذيره من استمرار عمليات التهريب.
وكانت وزارة الخارجية الأردنية قالت في بيان لها، إن الصفدي حذر خلال لقاءه عبد اللهيان من استمرار محاولات تهريب المخدرات والسلاح من سورية.
وقال الصفدي إن الأردن سيتخذ كل الخطوات اللازمة لمنع استمرار هذا التهديد، وأن المسؤولين عن الاعتداء على أمن الأردن لن يفلتوا من العقاب وسيدفعون ثمن عدوانهم وجريمتهم”.
وقال الناطق باسم الحكومة، مهند المبيضي، لقناة “العربية” “أبلغنا إيران بضرورة وقف عمليات التهريب من قبل ميليشياتها بسورية”.
رسالة إيرانية
وخلال العامين الماضيين، صدرت تحذيرات من قبل مسؤولين أردنيين من التموضع الإيراني في سورية وتوسع ميليشياتها جنوباً، إذ قال الملك الأردني عبد الله الثاني العام الماضي، إن “التدخلات الإيرانية تطال دولاً عربية، ونحن اليوم نواجه هجمات على حدودنا بصورة منتظمة من ميليشيات لها علاقة بإيران”.
وكانت صحيفة “ذا هيل” الأمريكية، حذرت في مقالٍ لمدير سابق في مجلس الأمن القومي لشؤون الخليج العربي ينيث بولاك، بأن تكون الأردن “قطعة الدومينو التالية لإيران”.
وقال الكاتب إن “الأردن هو الضحية الواضحة التالية في موجة التخريب الإقليمية التي تقوم بها إيران، وهي تقع على الحدود مع سورية، حيث تمتلك إيران بالفعل أعداداً كبيرة من الأفراد العسكريين وشبكة واسعة النطاق من القواعد”.
وحول أهداف إيران يرى المحلل السياسي الأردني منذر الحوارات، أن طهران تريد إرسال رسائل إلى الأردن وأمريكا والمنطقة مفادها أنها “حاضرة وقادرة على خلط الأوراق وأن تفعل ما تريد”.
كما أن ما يجري على الحدود هدفه “خلق أمر واقع من التوتر، يفرض معادلة عسكرية وسياسية على الأردن، يؤدي ذلك إلى نتائج سياسية”.
بدوره اعتبر معايطة أن ما جرى على الحدود الأردنية “جعل ايران في أعلى قائمة أعداء الأردن واهله وهويته”.
وبينما يتفق الخبير العسكري والاستراتيجي هشام خريسات، بأن إيران هي المسؤولة الأولى عن تهريب المخدرات والأسلحة من سورية، إلا أنه ربط بين ما يجري في غزة ومحاولة إيران فتح جبهة جديدة، وبين زيادة عمليات تهريب الأسلحة.
وقال خريسات لـ”السورية.نت”، إن “ما يجري على الحدود السورية وزيادة عملياته التهريب ظاهره مخدرات وباطنه تهريب أسلحة ومرتزقة لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل”.
وأضاف أن “سورية بلد ممزق من الحرب ومقسم وحولته إيران إلى دولة فاشلة لذلك فهي الجهة المقبلة التي يمكن لطهران فتحها”، في حال تصاعد تداعيات حرب غزة في المنطقة.
وأشار إلى وجود مستودعات أسلحة تتبع لطهران في معبر القائم – دير الزور على الحدود السورية العراقية، وتضم أسلحة إيرانية وصواريخ وطائرات مسيرة.
ما خيارات الأردن؟
عمليات التهريب من سورية إلى الأردن تُشكل قضية معقدة تمتد لسنوات ماضية، ورغم محاولات عمان لحلها سياسياً عبر إعادة العلاقات بين نظام الأسد، وتقدم مبادرته الدبلوماسية، إلا أن هذا فشل في تغيير سلوك النظام وإيقاف عمليات التهريب.
ويؤكد الوزير الأردني السابق سميح معايطة في حديثه لـ”السورية.نت”، أن بلاده حاولت حل الملف سياسياً ولم يكن هناك أي استجابة، وكان هناك “تذاكي إيراني للماطلة لكن دون اتخاذ أي إجراء، لأن الإيرانيين لديهم عقدة من الاردن لعدم قدرتهم على الاختراق”.
وأشار إلى أحد المسؤولين الأردنيين قابلوا بشار الأسد، العام الماضي وتحدث معه عن تهريب المخدرات، لكن الأسد لم يكن لديه جواب وتحدث عن وجود فساد وفوضى وانفلات، وهذا “غير مقبول من رئيس جمهورية عن آداء واجبه من ضبط حدوده”.
وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قال في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن “عمليات تهريب المخدرات زادت بعد الحوار الذي عقده الأردن مع الحكومة السورية”.
وذكرت صحيفة “الدستور” الأردنية في عددها الصادر، اليوم الثلاثاء، أنه رغم المساعي الأردنية لإعادة سورية إلى الحاضنة العربية “لكن القادم من الطرف الآخر ما هو إلا مقابلة الجميل بالسوء وهذا غير مقبول وغير مفهوم المبررات”.
ومع تصاعد عمليات التهريب شن الطيران الأردني غارات جوية على مواقع داخل سورية، آخرها كان، أمس الاثنين، استهدفت “منازل كبار تجار المخدرات” حسب ما ذكرت وكالة رويترز نقلاً عن مصادر من “المخابرات الإقليمية ومصدر دبلوماسي غربي”.
لكن شبكة “السويداء 24” قالت إن القصف أدى إلى استهداف منزل لشخص يرعى الأغنام، وأدى إلى مقتل طفلين وامرأة.
وكان 7 مدنيين قتلوا إثر ضربة جوية نسبت للأردن، مطلع مايو/ أيار الماضي، واستهدفت منزل مرعي رويشد الرمثان المتهم بتجارة المخدرات، الواقع في أقصى جنوب شرق محافظة السويداء.
وحول خيارات الأردن المستقبلية اعتبر المحلل رامي الدباس في حديث لـ”السورية.نت”، أنه في حال استمرار عمليات التهريب، من الممكن أن نشهد ضربات جوية إضافية داخل الأراضي السورية حماية لأمن الأردن.
في حين اعتبر الرداد أنه “ربما تصل عمان إلى ضربات لمراكز تخزين ومراكز القيادة للعصابات داخل الأراضي لسورية، إذا ما استمر زيادة تهريب المخدرات باتجاه الأراضي الأردنية”.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي منذر الحوارات، أن الأردن أمام “حالة حرب مدعومة من إيران”، وفي حال استمرار عمليات التهريب وزيادة العمليات العسكرية من قبل الميليشيات فإن “الأردن بحاجة لدعم لوجيستي من دول الجوار والدول المتضررة من محاولة إيران خلق حالة عدم استقرار”.
وفي سياق ذلك، طالب المحلل السياسي ماهر أبو طير، بمراجعة العلاقات مع روسيا والنظام السوري والاتصالات مع الإيرانيين، كون أن كل الضمانات المقدمة “لم تؤد إلى ضبط الحدود”.
كما اعتبر، في مقالة لصحيفة “الغد” الأردنية، أن الأولى كانت أن تقام منطقة عازلة بين الأردن وسورية رغم كلفتها المالية الكبيرة، مؤكداً أن “هذه الأزمة لم تعد أردنية، وهي بحاجة إلى شراكة عربية ودولية على مستويات مختلفة، من أجل التعامل مع هذه الأخطار”.
في حين يرى الوزير الأردني السابق، محمد داودية، في مقالة لصحيفة “الدستور“، أن المهربين “يطلعون من تحت جناح عليه أن يتحمل مسؤولية حماية حدوده معنا، مما يدعونا إلى أن نعيد مجدداً، صياغة قواعد الاشتباك، لتطبيق قواعد قتال الأشرار خارج الأسوار”، في إشارة إلى نظام الأسد.