نشر “معهد الشرق الأوسط” تحليلاً عن شخصية وأدوار حسام لوقا رئيس إدارة المخابرات العامة في سورية، والذي برز اسمه خلال السنوات الماضية كثيراً، سواء في إطار “المصالحات” التي يعلن عنها النظام السوري بين الفترة والأخرى، وفي بعض الملفات الخارجية المرتبطة بدول عربية وأجنبية.
وجاء تحليل المعهد تحت عنوان: “عنكبوت خناصر والنجم الصاعد حسام لوقا السوري“، ونشر اليوم الجمعة، مستعرضاً سلسلة المحطات التي تردد فيها اسم هذا الرجل الاستخباراتي.
ويورد التحليل أن “نجاحات لوقا على مدى السنوات العشر الماضية في إعادة بسط سلطة النظام السوري في مجتمعات المعارضة قد تجعله مرشحاً رئيسياً ليحل محل مملوك وتولي ملف المفاوضات الأكبر”.
ومع عودة جزء كبير من سورية إلى سيطرة الأسد، يواصل النظام محاولة تسليح أعدائه المتبقين بقوة في “تسويات تفاوضية”، على غرار ما يسمى باتفاقات “المصالحة” التي شهدت طرد آلاف العائلات من منازلهم وآلاف الرجال الآخرين.
لكن أثبتت مناطق شمال شرق سورية والمناطق التي تديرها تركيا في شمال وشمال غربي البلاد أن “تهديدها بالنسبة للأسد أكثر صعوبة من تهديد بلدات المعارضة المحاصرة”.
وحتى الآن تم إسناد عملية التفاوض بشأن تسليم هاتين المنطقتين المستقلتين المتبقيتين إلى علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي، البالغ من العمر 76 عاماً.
وجاء في التحليل أن “مملوك، المخضرم في الحرس البعثي القديم، يشرف نظرياً على جميع أجهزة المخابرات السورية الأربعة. ومع ذلك، وفقاً لأولئك الذين التقوا به، فهو متواضع وعاجز. وبالمثل، فشلت محاولات دمشق الأخيرة لاستعادة بقية سورية”.
ومن هذا المنطلق، قد يبدأ نظام الأسد في البحث عن رجل جديد يفرض إرادته على ما تبقى “من عقبات أمام النصر الكامل”.
وبما أن الطبيعة الفاسدة للقيادة الأمنية والعسكرية للنظام تعني أن قلة من الرجال اليوم لديهم الكفاءة والمكانة والثقة لتولي منصب مملوك، فقد تمكن ضابط واحد من لعب دور في كل خطوة تقريباً من خطوات الثورة المضادة للنظام السوري.
ويشير التحليل: “هذا الضابط هو حسام لوقا الذي بنى شبكة من الشبكات عبر معظم أنحاء سورية، بينما كان يشق طريقه صعوداً إلى السلالم الداخلية المعقدة للمخابرات”.
من هو لوقا؟
ولد اللواء حسام لوقا في عام 1964 في بلدة خناصر بريف حلب، على بعد حوالي 30 ميلاً جنوب شرق المدينة.
في عام 2019، بدأ لوقا حياته المهنية كملازم شرطة في حلب عام 1984، ثم انتقل في النهاية إلى مديرية الأمن السياسي بعد حصوله على رتبة عقيد.
بعد قضاء بعض الوقت في مديرية المخابرات الصغيرة في عفرين ودمشق، تم تعيين لوقا رئيساً لفرع الأمن السياسي في حمص في عام 2004.
وفي بداية الثورة عام 2011 تم نقله لرئاسة فرع حماة، ولكن سرعان ما تم إعادته إلى حمص مع اشتداد الاحتجاجات وقمع النظام.
لعب لوقا دوراً مركزياً في القتال في مدينة حمص لمدة خمس سنوات، وخلال هذه الفترة اتُهم بتدبير مجازر متعددة بحق المدنيين وعاقبته الولايات المتحدة بسببها.
في يوليو/تموز 2016، تمت ترقيته إلى مساعد مدير مديرية المخابرات العامة، المعروف أيضاً باسم فرع أمن الدولة، والذي لعب دوراً رئيسياً في صفقات “المصالحة” التي بدأها النظام السوري في جميع أنحاء البلاد.
في غضون ذلك قاد لوقا شخصياً المفاوضات لطرد مسلحي المعارضة السورية من حي الوعر بحمص في مايو/أيار 2017.
وفي شهر نوفمبر 2018، عُيّن مديراً للأمن السياسي، وبعد ثمانية أشهر أصبح رئيس شعبة المخابرات العامة، ولايزال في هذا المنصب حتى اليوم.
ماذا وراء الصعود؟
الصعود المستمر لحسام لوقا في صفوف المخابرات السورية يخفي الدور الأكثر تعقيداً الذي لعبه طوال الحرب، والسمات المحددة التي من المرجح أن تجعله يتقدم أكثر، وفق تحليل “معهد الشرق الأوسط”.
ويوضح أن “صعود لوقا من ملازم شرطة إلى رئيس إحدى مديريات المخابرات الأربع في سورية أمراً لافتاً بحد ذاته. إنه حقق ذلك كشركسي من ريف خناصر، محروم من الامتيازات وشبكات المحسوبية التي يمكن الوصول إليها من قبل معظم العلويين والنخبة السنية في المناطق الحضرية، حتى أكثر من ذلك”.
“أولئك الذين يعرفونه أو التقوا به يصفون لوقا بأنه رجل ذكي ومتحدث ماهر، تجعله حياته المبكرة في ريف حلب ماهراً بشكل خاص في التفاوض مع قادة المعارضة بطريقة المدرسة القديمة لضباط البعث والعلويين غالباً ما يكونون غير قادرين على ذلك”.
ويضيف التحليل: “لقد نجحت طبيعة لوقا القاسية والهادئة في حشد حلفائه الأقوياء من حلب إلى اللاذقية ودمشق، مما أكسبه لقب العنكبوت”.
“بين الداخل والخارج”
وخلال السنوات الماضية لم يكن الضابط المخابراتي في نظام الأسد كثير الظهور، بل على العكس غابت ملامح وجهه وحتى كامل شخصيته عن وسائل الإعلام، واقتصر ذكره ضمن نشرات العقوبات الدولية الأخيرة، التي صدرت ضده من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
لكن وبعد أكثر من عشر سنوات من الثورة السورية وما رافقها من حرب شنها النظام السوري ضد مناهضيه في مختلف البقع الجغرافية يبدو أن هناك شيئاً قد تغير، فحسام لوقا وفق ما رصد فريق “السورية.نت” في وقت سابق بات حاضراً في مشهد الداخل بعمليات إشراف أمنية من جهة، وفي المقابل ضمن إجراءات تنسيق مع الأجهزة الأمنية في الخارج.
وكان قد لعب دوراً بارزاً وأساسياً في اتفاقيات “التسوية” الأخيرة التي شهدتها محافظة درعا في الجنوب السوري، كما أثبت حضوره في معظم عمليات “التسوية” التي أعلن عنها النظام السوري بالتدريج، خلال الأشهر الماضية في الغوطة الشرقية وريف حلب ومحافظة دير الزور.
علاوة على ذلك كان قد أطل بحضور خارجي أواخر العام الماضي، من خلال حضوره لـ”المنتدى العربي الاستخباراتي”، الذي أقيم في العاصمة القاهرة.
ونشرت وسائل إعلام مصرية، في نوفمبر 2021، صوراً للشخصيات الأمنية التي حضرت المنتدى، وكان لافتاً من بينها حسام لوقا، الأمر الذي أثار حديث صحفيين وناشطين سوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن اجتماع “المنتدى الاستخباراتي” ليس الأول من نوعه بل يأتي ضمن تراتبية متواترة، إلا أن حضور لوقا فيه أثار التكهنات عن مدى ارتباط ذلك بما يشهده الجو الإقليمي العام اتجاه سورية، والمعنون بـ”قطار التطبيع العربي مع الأسد”.
“تشكيل مستقبل النظام”
وفقاً لتحليل “معهد الشرق الأوسط” تشمل مسيرة حسام لوقا المسار الوحشي الذي رسمه النظام السوري لنفسه. “من قتل المتظاهرين السلميين إلى إنشاء ميليشيات إجرامية إلى المصالحة القسرية بين المجتمعات المعارضة. هو شارك في كل خطوة في استراتيجية الأسد المضادة للثورة”.
وفي الوقت الحالي “ربما يرى النظام السوري حسام لوقا أكثر ملاءمة لمنصب علي مملوك، كونه أثبت ولائه، وكذلك قدرته على بناء علاقات مع تلك المجتمعات التي غالباً ما يتجاهلها الحرس القديم للنظام”.
ومع ذلك، يضيف التحليل: “حتى لو تولى لوقا منصب مملوك كرئيس لمكتب الأمن القومي، فمن غير الواضح كيف ستترجم مفاوضاته السلسة إلى تغييرات دبلوماسية حقيقية”.