لم يستشعر نائب قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، خليل الحية، حرجا من نفسه ومن دماء السوريين، عندما قال: “لقاؤنا مع الأسد هو يوم مجيد..”. كما نقلت عنه قناة الميادين. ولم يخجل من المؤتمر الصحافي الاحتفالي، الذي عقده في دمشق، بعد أن منَّ الرئيس السوري، الملوّثة يداه بدماء السوريين والفلسطينيين، على حركة حماس واستقبلها ضمن وفد الفصائل الفلسطينية، ليعلن بعدها الحيّة طي صفحة الخلاف مع سورية، وكأن الخلاف معها كان على قضيةٍ سياسيةٍ جزئيةٍ، جرى تجاوزها بزيارة من الحيّة ومن معه من قيادات “حماس”، وأن الخلاف كله كان قد تسبب به فعل فردي، لم تقرّه قيادة الحركة.
هل خليل الحيّة ومن ورائه قيادة “حماس” مقتنعون بأن “اللقاء مع الأسد تعبير صادق عن أن روح المقاومة ومحورها العصي على الانكسار، وهو اليوم يتجدّد بقوة ويتآلف من جديد” كما نقل موقع “حماس” عنه؟ فإذا كانت الحركة تدرك ما جرى في سورية، وهي تتجاهله أو تنكره من أجل مصالح فئوية ضيقة، فهذه مصيبة، وإذا كانت تجهل ما جرى ويجرى في سورية خلال الأحد عشر عاماً المنصرمة فالمصيبة أعظم.
من حق القوى السياسية بناء التحالفات التي تراها مناسبة لخدمة قضيتها، على ألا تتناقض هذا التحالفات مع قضيتها الرئيسية، وإذا تناقضت فلا يمكن تبرير ذلك، ببراغماتية العمل السياسي، وأن الغاية تبرّر الوسيلة. وحتى هذا المبدأ المغرق في أنانيته والبائس لا يمكنه تبرير علاقة مع قاتل لشعبه، ثم يجري الحديث بعدها أن “العلاقة مع سورية تعطي قوة لمحور المقاومة ولكل المؤمنين بالمقاومة”. عن أي سورية وأي قوة تعطي العلاقة معها قوة للمقاومة يجري الحديث؟! بأي منطقٍ يتحدّث الحيّة وأي سياسة تمارس حركة حماس؟!
ما لا يفهمه الحيّة ومن ورائه قيادة حركة حماس أن قضايا الضحايا واحدة، لا يمكن فصلها لا أخلاقياً ولا سياسياً، ولا يمكن الوقوف مع القاتل بحجّة دعم المقاومة، في وقتٍ تتنكّر فيه الحركة لآلامٍ تسبّب بها النظام لملايين السوريين التي بين قتيل وجريج ومعاق ومفقود ومشرّد. كل هذا الدم السوري الذي سال على يد النظام، لا تراه حركة حماس، أو تريد أن تخفيه بجرّة قلم اليوم، وترى موقفها السابق المعترض على هذا الإجرام خاطئاً وفردياً، ولم تقرّه قيادات الحركة، وبالتالي، كان السوريون مخطئين عندما طالبوا بحريتهم من نظام رد عليهم بالقتل الوحشي. بذلك تؤيد “حماس” النظام القاتل في مواجهة ضحاياه. ويكرّر الحية “أكّدنا للرئيس الأسد أننا مع سورية ووحدة أراضيها ودولتها الواحدة وأننا ضد أي عدوان يستهدفها”. أي دولة وأي عدوان يستهدفها؟ ماذا عن عدوان نظامها على الشعب السوري؟ وماذا عن الدمار الذي أوقعه النظام في عموم سورية، بما فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين؟ أي وحدة أرض يتكلم عنها هذا الرجل وأي دولة واحدة مزّقها النظام بالمدفعية وبالبراميل المتفجرة وبالقتل الجماعي لشعبه؟ أي سورية التي تأتي “حماس” لتزيّن صورتها؟ سورية آل الأسد الذي جَوّع الشعب السوري وأوصل أوضاعه إلى الحضيض. وضد أي عدوان تقف “حماس” مع سورية؟ تقصد العدوان الإسرائيلي المستمر منذ سنوات، والذي لم تترك إسرائيل منطقة سورية لم تقصفها، ولم يرد النظام ولا بطلقة على الاعتداءات الإسرائيلية الوقحة، إلا بمزيد من قتل شعبه وإفقاره تحت شعارات المقاومة والممانعة التي لم تعد تقنع حتى الأطفال الصغار.
في سلوكها المدان بالمصالحة مع القتلة في دمشق، لا تسيء حركة حماس للسوريين وآلامهم وقضيتهم وحقهم بالحرية فحسب، بل أيضا للقضية الفلسطينية بوصف هذه القضية عنوانا للعدالة والحرية. وهذه القضايا لا تنفصل، ولا يمكن أن تكون صاحب قضية عادلة، من ظلم تاريخي وقع عليك وسلبك حقوقك وحريتك وأرضك، ومعركتك مع العدو الإسرائيلي الذي قام بذلك، هي قضية حرية وحقوق. ولأنها كذلك، لا يمكنك الوقوف مع قاتلٍ وضد شعب طالب بحقوقه وبحريته في بلده. الوقوف مع القاتل هو الوقوف ضد القضية الوطنية الفلسطينية. والاصطفاف مع القاتل ليس عملاً ضد القضية السورية فحسب، التي يجري فيها استخدام “حماس” غطاء لجرائم النظام، بل هي عمل ضد القضية الوطنية الفلسطينية ذاتها، بالمعنى الحقيقي للقضية كقضية حرية.
لا تبرّر الضغوط السياسية الوقوف مع القتلة، والعلاقة التي تستعيدها حركة حماس اليوم مع القتلة في دمشق، بضغط من إيران، حرصاً على موازناتٍ مالية تأتي من هناك، وهذا السلوك السياسي يجعل “حماس” متشابهة مع من تتحالف معهم، بوصفها سلطة متعسفة على الشعب في قطاع غزة، لا بوصفها مشروع مقاومة. كما لا يبرّر لقوى تعتبر نفسها صاحبة حق، ومناضلة من أجل الحرية والعدالة، الوقوف ضد قضية عادلة وتؤيد جلاد هذه القضية، وقضية حرّية السوريين في مواجهة النظام، لا تقلّ أهمية عن القضية الفلسطينية، وعلى الفلسطينيين أن يكفّوا عن النظر إلى قضيتهم بوصفها القضية المركزية، والقضايا الأخرى ثانوية، أن ينظروا جيداً إلى آلام الآخرين ويتضامنون معها، لا أن ينكروها، وإلا استخفّ الآخرون بالقضية الفلسطينية، وتجاهلوا الألم الفلسطيني واعتبروه هامشياً، وعاملوه مثلما تعامل “حماس” آلام السوريين وقضيتهم.
من المخزي أخلاقياً وسياسياً أن تقف القوى السياسية الفلسطينية، وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس، مع نظام القتل في سورية وضد حرية السوريين. ولأن قضية الحرية والعدالة واحدة في فلسطين وسورية، أدين وبشدّة الموقف المخزي لهذه الفصائل، وأتقدّم بالاعتذار من ضحايا النظام سوريين وفلسطينيين عن هذه المواقف.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت