حماس والنظام السوري.. علاقة الضحية بجلادها
يقترن إعلان حركة حماس بتطبيع العلاقة مع النظام السوري مفهوم التغييرات السياسية التي تطرأ على المنطقة ومنها التحالفات، والتحالفات المضادة والتي تخص القضية الفلسطينية. ويُنتج هذا الاقتران مفهوماً مغايرا لما أتى عليه بيان الحركة في وصف العلاقة وأهميتها مع النظام، في ظل تصعيد العدوان الإسرائيلي على مواقع النظام.
الإعلان عن رغبة حماس بعلاقة وطيدة مع النظام في لحظة تاريخية فارقة تنفي عنها تأثرها بما حدث لأبناء الحركة وأبناء فلسطين في سوريا، وما تعرضوا له من مذابح وتحطيم سيبقى جزءا من التاريخ والذاكرة الفلسطينية والعربية المعاصرة.
تأكيد البعد النظري في بيان “حماس” على أهمية العلاقة مع النظام السوري، بشعارات “فضفاضة وكليشيهات” دون معنى، لن يساعد حركة حماس على تجنب النقد وما وراءه من خسارة رصيدها في الشارع. وكل التبريرات لم تعد صالحة لا لحركة حماس ولا لأي جهة أو فصيل فلسطيني أو حركة تحرر تحاول إقامة علاقة مع نظام الأسد، فجرائمه لا يمكن تغطيتها والقفز عنها بأي مسمى ضخم أو صغير.
ولأن حماس حركة مقاومة، ساحتها الرئيسية أرض فلسطين، كانت لها علاقة طيبة وممتازة مع المجتمع السوري الذي حطمه وقتله وهجره وقصف مساجده الأسد، ولأن علاقتها ذات طبيعة اجتماعية خاضعة لشروط “أخلاقية وقيمية ودينية” تؤمن بها الحركة وتوظفها سياسياً واجتماعياً فلن يكون بمقدورها في العلاقة مع نظام ارتكب فظاعات بقاعدتها الأخلاقية وبعمقها العربي والإسلامي؛ أن تُحدث التغيير في علاقة نظام الأسد مع القضية الفلسطينية، وبيقين التجربة والتاريخ الذي مرت بهما علاقة النظام مع حركة التحرر الوطني الفلسطيني، ومنها حماس التي فقدت وخسرت جزءا من كوادرها بتصفيتهم وإعدامهم في مرحلة الثورة السورية في المخيمات الفلسطينية في سوريا، وما نالها من تخوين وعداء كالذي تتلقاه من المؤسسة الصهيونية بتصنيفها بالإرهاب ودعمه.
من هذه الوجهة، تعد العلاقة بالنظام السوري إخلالاً بالشروط التي تؤمن بها الحركة نفسها وتناقض التوصيفات الأخلاقية والوصم الاجتماعي لعمقها في المجتمع السوري الذي سار نحو أفق من التطلعات الجماعية، نحو الحرية والكرامة والتخلص من طاغية ومجرم ومستبد لا يمكن الاستثمار فيه ومعه بغير مشاركته الجرائم؛ التي غدت إرثاً ثقيلاً وخاصية أساسية في تركيبة نظام يتولى أي قضية عادلة فيدمرها ويدمر حواملها. والحوامل الاجتماعية لحركة حماس كما لحركة التحرر الوطني الفلسطيني الممثلة بشعبها وشارعها السوري والفلسطيني لن تعود من القبور والمنافي ومن تحت الحطام، ولن تخرج من الزنازين لتهتف باسم المقاومة كما السنين الخوالي.
يجسد اختفاء وتدمير المجتمع الفلسطيني في مخيم اليرموك، وظهور طبقة فلسطينية لا تقترب من الفظاعات التي حدثت للفلسطينيين؛ عملية تزوير وتلميع للمجرم، ولا علاقة لها بما يحدث وحدث من جرائم بما يضمن استمرار لعلاقة شائكة ومعقدة مع المجرم، فإذا كانت حركة المقاومة ومنها حماس تمتلك الرصيد الأخلاقي والنضالي والفكري، فذلك يغنيها عن الاستعانة بمفردات لدعم الطاغية، فهي تعرف حدود وأبعاد دعمه ووظيفته بما يخص مهامها في تحرير فلسطين، ويجعلها لا تتقزم أمامه وتعملق مخازيه ببطولات فارغة.
فهل حقيقةً حركة حماس أو كل المقاومة الفلسطينية بحاجة لعلاقة مع نظام الأسد، أم بحاجة للمجتمع السوري، ضحية جرائمه مع شقيقه الفلسطيني؟ في السياسة، العلاقة غير مفيدة، لإفلاس برامج النظام السياسية كلها بما يخص المقاومة، وفي الأمن والعسكر، يكفي إبداع المقاومين في صناعتهم لسلاحهم من “روث البقر” بديلاً عن ترسانة النظام العسكرية التي لها بوصلة لا تحيد عن قتل السوريين. وهذا ليس شعاراً مع الأرنبة التاريخية حيال العدوان الإسرائيلي عليه، فلا يوجد أي جانب يمكن التعويل عليه من العلاقة، لا في الحفاظ على مكتسبات وحياة الفلسطينيين وقضيتهم ولا في الوقوف بجانبهم والقتال ضد عدوهم.
في الزاوية التي فضحت شعارات النظام السوري، عن “الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي” والرد في المكان والزمان الذي لم يأتِ مطلقاً نصرة لفلسطين، وكشفت الوظيفة الدور المناط به لإجهاض أي حالة نهوض في المنطقة، كانت المعجزة السورية في الثورة على النظام في آذار/ مارس 2011 المفصل الحقيقي والبيان الذي لا يقبل التأتأة، بما هو مرتبط مع القضية الفلسطينية ومع حرية الشعب الفلسطيني في مخيماته بسوريا.
البعض الفلسطيني ومنهم قادة لا يحب سماع أو قراءة أخبار فاجعة الشعب الفلسطيني في سوريا، ويتحدث عن حرصه على إقامة علاقة مع النظام خدمة للشعب الفلسطيني وللقضية، وهو يعرف عمق هذه الأكذوبة ومدى فجاعتها على الضحايا السوريين وأشقائهم، وعندما تسألهم أي شعب تقصدون، الذي قتله الأسد وهجره وذبحه؟ يجيب بعضهم بالإنكار.
إذاً على ماذا تراهن حركة حماس، وكل المؤشرات تقول إن قرارها مرتبط بضغوط روسية وإيرانية للتطبيع مع الأسد، أي لا علاقة هنا لفلسطين والمقاومة بهذه العلاقة، فهم ليسوا بحاجة لهكذا نظام مشغول بقتل وتحطيم العمق الطبيعي للشعب الفلسطيني، فهذا رهان مدمر وخاسر أيضاً بحقائق التاريخ الفلسطيني وخبرته.
أما التطبيع الفصائلي أو السلطوي مع الأسد والتحالف معه على الطريقة العربية المخادعة، لاعتبارات تخص هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك خدمة لأجندة لا علاقة لها بدعم القضية نفسها، فهذا ممكن لكن دون تزوير وطمس لمعاناة الفلسطينيين والتحدث باسمهم ولمصلحتهم بالتستر على قتلهم واغتصابهم كرمى للقضية، وبعضهم لم تزل جثته غير معروفة المصير في فرع فلسطين، والبعض الآخر لا يعرف مصير أبنائه هل هم في حفر الإعدام، أم في أفران الموت التي أنشأها الأسد.
أخيراً، لن يقرأ بيان حماس في تطبيع العلاقة مع الأسد من يقبع في معتقل فرع فلسطين، والعلاقة لن تكون في صالح الكشف عن جثث أبناء فلسطين، ولن يكون التطبيع مقدمة لمحاكمة النظام على جرائم اغتصاب نساء فلسطين، ولا إدانته على جريمة تدمير مخيمات الفلسطينيين بطائراته وحرقه كواشين أرضهم، ولن يكون مقدمة لتصويب بوصلة النظام نحو القدس وغزة وحيفا ويافا، والجولان، فهذه الشجاعة والجرأة بحاجة لأحرار لا لجلاد.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت