خلافات تولّد اصطفافات..هوةٌ تتعمق بالمعارضة و “مسد” يناور بالهوامش
النظام يتجه لتنظيم "الانتخابات" الرئاسية
تقف أطراف المعارضة السورية مع دخول الثورة عامها العاشر، أمام مرحلة تبدو حاسمة، ففي الوقت الذي تُغلق فيه الأبواب أمام العملية “الدستورية”، تطفو على الواجهة من جديد خلافاتٌ وتحركات تُظهر أن المعارضة قد تتجه لتشظٍ جديد، في وقت يتجه فيه نظام الأسد، لتنظيم “الانتخابات” الرئاسية.
الخلافات كانت قد خرجت بشكل خاص من داخل “هيئة التفاوض السورية”، والتي تضم عدة مكونات على رأسها “الائتلاف الوطني السوري” إلى جانب كل من منصات: “القاهرة” و”موسكو” و”هيئة التنسيق الوطنية”، وتطورت لتصل إلى حد قطع الدعم المقدم من قبل المملكة العربية السعودية، ومقاطعة بعض الشخصيات للجولة الأخيرة من اللجنة الدستورية في جنيف.
وبعيداً عن التفاصيل التي ترددت بشأن الأسباب التي أوصلت حال “هيئة التفاوض” إلى ما هي عليه الآن، فمن الواضح أن المشهد السياسي للمعارضة السورية، قد دخل في مسارات اصطفاف جديدة، وهو ما بدا واضحاً من خلال التحركات التي أقدمت عليها المنصات الثلاث: “موسكو” و”القاهرة” و”هيئة التنسيق”، بعد لجوئها إلى الأمم المتحدة، وأيضاً روسيا، في تحرك تمثل بـ”حلف يتبلور أنه مضادٌ ” لـ”الائتلاف الوطني”.
بالتوازي مع ذلك، كان هناك تحرك من نوع آخر، تصدره “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، والذي يحاول في الوقت الحالي تدوير تحالفاته السياسية، مستنداً على عدة عوامل، أولها: اللعب على وتر الخلافات التي تعصف بـ”هيئة التفاوض” من جهة، ومن جهة أخرى التعويل الذي يرتبط بسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن.
“مرحلية ومؤقتة”
حتى الآن لم يصدر أي بيان رسمي من “هيئة التفاوض السورية” يوضح حجم الخلاف الذي عصف بها، والأسباب التي تقف ورائه، وفي مقابل ذلك لا يلوح في الأفق أي حلٍ قريب، لا سيما مع تعنت المنصات الثلاث المذكورة سابقاً بتحجيم دور “الائتلاف”، وتحويل عملية اتخاذ القرارات من التوافق إلى التصويت.
وبالعودة قليلاً إلى ما شهدته الأيام الماضية، فقد أظهرت الخلافات الداخلية التي خرجت من “هيئة التفاوض”، وجود طرفين متضادين؛ الأول هو “الائتلاف الوطني السوري”، أما الثاني فهو المنصات التي ترتبط بشكل أو بآخر بالدول الراعية لها كموسكو من جهة والقاهرة من جهة أخرى، إلى جانب “هيئة التنسيق الوطنية” التي تتخذ من دمشق مقراً لها.
وتجمع “هيئة التفاوض” مكونات مختلفة تحت مظلتها، بعد كانت قد انبثقت عن محادثات مؤتمر “الرياض 1″، في ديسمبر 2015، وحينها تم تعريفها بأنها ستكون المرجعية السياسية لتوحيد المعارضة السورية، لكن مُحللين سوريين، يرون أن هذه “الوحدة” ولّدت تشتتاً، في ظل ارتكاءِ كل منصة على ظهيرها الدولي أو الإقليمي، وهي أطرافٌ تختلف توجاهتها بالملف السوري.
يقول عضو منصة القاهرة، أحمد شبيب، إن “الخلافات التي نشاهدها داخل هيئة التفاوض مرحلية ومؤقتة”، متحدثاً عن وجود “حوار مكثف بين مكونات هيئة التفاوض لتجاوز القضايا الخلافية”.
ويوضح شبيب في حديثه لـ”السورية.نت”: “نحن في منصة القاهرة جزء من هذا الحوار. وبالنسبة لنا نؤمن أن تعافي هيئة التفاوض، مسؤولية وطنية، إذ لابد من التعامل مع العديد من المستجدات، وخاصة فشل الجولة الخامسة لأعمال اللجنة الدستورية، ومآلات الحل السياسي الذي يشكل اليوم الطريق الوحيد للانتقال ببلدنا سورية إلى حالة التعافي”.
“دليل تعافي”
ويعطي حديث شبيب مؤشراً على أن الخلافات لن تؤثر على كيان “هيئة التفاوض” ككل، على خلاف التكهنات التي شهدتها الأيام الماضية، والتي رجحت تفكك هذا الجسم السياسي، على حساب ظهور تحالفات واصطفافات سياسية جديدة.
ويرى شبيب المقيم في القاهرة أن “التكتلات السياسية الجديدة” وفي حال ظهورها، فهي “تعتبر دليل عافية، حيث تم تعطيل الحياة السياسية في سورية لعقود طويلة”.
ويشير عضو المنصة إلى أن “الشعب السوري وحده من سيقرر نجاح التشكيلات السياسية من عدمه، وهذا بناءً على الآيديولوجيا ونوع الخطاب والمشروع السياسي المطروح”.
وبوجهة نظره، فإن “مشاركة التكتلات الجديدة من عدمه في العملية التفاوضية مرتبط بإرادة دولية وإقليمية”.
في مقابل ما تحدث به شبيب، فهناك من يرى في المعارضة السورية، أن الخلافات القائمة قد تمثل خروجاً عن الاستراتيجية الكاملة والمرسومة لـ”هيئة التفاوض السورية”، وهو الأمر الذي ورد ذكره في عدة مرات على لسان أعضاء “الائتلاف الوطني”.
“مسد” يدخل على الخط
رغم أن الخلافات الداخلية في “هيئة التفاوض” ليست وليدة اليوم، إلا أنها وصلت الآن كما يبدو إلى ذروة لم تبلغها من قبل، ومن شأنها أن تؤثر على عدة مسارات، أبرزها مسار العملية الدستورية، والتي ورغم أنها لم تحقق أي هدف مأمول منها، إلا أنها قد تستمر في المرحلة المقبلة، حسب ما تظهره مواقف الدول الراعية فيها.
ومن التفاصيل الداخلية المتعلقة بـ”الهيئة” كان لافتاً تحركات لاحت بموازاتها من جانب “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، والذي اتجه للحديث عن مشروع سياسي يحضّر له للمرحلة المقبلة، رابطاً الأمر بمفاوضات يجريها مع ثلاث منصات وهي “موسكو” و”القاهرة” و”هيئة التنسيق”.
وتأتي أهمية المفاوضات التي يجريها “مسد” من كونها تستهدف الأطراف التي كانت المسبب الأول للخلافات داخل “هيئة التفاوض”، والمحرك الذي دفع إلى خروجها على العلن.
وكان الرئيس المشترك لـ”مسد”، رياض درار قد قال الاثنين الماضي، إن المجلس الذي يرأسه، وجه عدة دعوات رسمية إلى “الائتلاف الوطني” للحضور والمشاركة بالمؤتمرات السورية الداخلية، التي عقدت خلال العام الماضي، بهدف تفعيل الحوار السوري- السوري.
وأضاف درار في تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط”: “وجهنا دعوات مماثلة إلى الأنشطة واللقاءات التي عقدناها في عواصم غربية، لكنهم تجاهلوا الرد، الأمر الذي دفعنا إلى التوجه لمنصات المعارضة الأخرى”.
وأوضح درار أنه “جرت حوارات وتفاهمات، ووقعت اتفاقية مع حزب الإرادة الشعبية برئاسة قدري جميل رئيس منصة موسكو العام الماضي”، ولديهم محادثات مع منصتي “القاهرة” و”هيئة التنسيق الوطنية”.
وفي سياق حديثه لـ”السورية.نت” أكد عضو منصة “القاهرة”، أحمد شبيب، أن “حوار السوريين واشتراكهم في تشكيل تكتلات وأحزاب ومنتديات سياسية هو دليل عافية، وهذا سيكون له نتائج ايجابية في المستقبل”.
وفيما يتعلق بالمشروع الذي يعمل عليه “مسد”، يقول شبيب:”لا علم لي بتفاصيله والهدف من إنشائه. نحن في منصة القاهرة لم نناقش هذا المشروع”.
صعودٌ لـ”مسد”؟
يرتبط صعود ” مسد ” بسياقات متعددة، حسب ما يقول الباحث السوري، بدر ملا رشيد.
ويضيف الباحث في الشأن الكردي، خلال تصريحات لـ”السورية.نت”، إن “من هذه السياقات مستقبل سوية الانخراط الأمريكي في الملف السوري، في ظل ارتفاع أصوات بعض الأطراف الدولية وداخل أمريكا بضرورة إعادة النظر في العقوبات المفروضة على نظام الأسد، وعلى طريقة تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع حكومة النظام”.
ورغم صعوبة تغيير سياسة الولايات المتحدة اتجاه نظام الأسد، يتابع الباحث “إلا إنه في حال زيادة المؤشرات بهذا الاتجاه فهو أمر مؤثر على مدى استمرار رغبة مسد بالتقارب من المعارضة”.
ويحاول “مسد” الاستمرار في سياسة “مسك العصا من الوسط” في طرحه السياسي، ويوضح بدر ملا رشيد: “من جهة يصرح بتوجهه لعقد مؤتمرٍ تحضيري لما يمكن أن تكون منصة جديدة، ومن جهة أخرى يبقي أبواب التفاوض المنفرد مع النظام مفتوحة”.
ويرى ملا رشيد، أن مجمل خطوات “مسد” وبالأخص في اتجاه المعارضة السورية، ستتوقف على مسار الحوار الكُردي – الكُردي، واحتمالات نجاحه وتمكنه من إحداث تغيير حقيقي في بنية “الإدارة الذاتية”، عبر مغادرة عناصر “حزب العمال الكًردستاني” سورية، وكتابة وتطوير عقد اجتماعي جديد، وشروط أخرى وضعها “المجلس الوطني الكُردي” للموافقة على الانخراط في عملية تفاوضية مع “حزب الاتحاد الديمقراطي” والمؤسسات المرتبطة به.
“مرحلة جديدة”
ويبدو أن الحوار الكردي- الكردي سيستأنف في وقت قريب، وهو ما ألمح إليه قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، بحديثه الأحد عن الاستعداد لمرحلة جديدة من هذا الحوار، الذي بدأ بدعم دولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وقال عبدي في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، 31 من كانون الثاني / يناير الماضي، إنه من واجب الجميع الاستعداد لمرحلة “الوحدة الجديدة”، مضيفا أن هدف “قسد” نجاح الحوار، والاتفاقات التي توصلت إليها الأطراف “مهمة وتحمي مصالح شعبنا”.
وتجمع محادثات القوى الكردية في سورية، حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” (PYD)، و”المجلس الوطني الكردي”.
وكانت الناطقة باسم حزب “الاتحاد الديمقراطي”، سما بكداش، قالت إن المحادثات الكردية- الكردية، تُستأنف في شباط/ فبراير الحالي، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية تحاول إشراك الكرد في العملية السياسية السورية.
“سجلٌ غير مستقر”
وعلى اعتبار أن “مسد” يحاول الدفع باتجاه تفعيل الحوار الكردي- الكردي، وفي ذات الوقت يبحث عن اصطفافات سياسية جديدة، إلا أنه يمتلك سجلاً غير مستقر من التحالفات.
ويقول الباحث بدر ملا رشيد إن “أحزاب الإدارة الذاتية الرئيسية كانت عضوة ضمن هيئة التنسيق الوطنية، وهو تحالف انتهى مع إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية بداية العام 2014”.
ولاحقاً وقعت حركة المجتمع الديمقراطي (حزب الاتحاد الديمقراطي والأحزاب والتنظيمات التابعة والمقربة منه) اتفاقاً مع “تيار الغد”(يقوده أحمد الجربا) منتصف العام 2016، وهو تحالف انتهى في أثناء معركة الرقة.
ويتابع الباحث السياسي:”في منتصف العام الماضي وقع مسد تفاهماً مع منصة موسكو، لذا عملياً لم يتبق أمامه إلا خيارات محددة، منها الاتفاق مع المنصة الرئيسية للمعارضة السورية والمتمثلة بالائتلاف الوطني، وهو خيار صعب التحقق حالياً”.
أما الخيار الثاني، برأي ملا رشيد، فيرتبط بما يحاول “مسد” تطبيقه الآن، وهو الاتفاق مع شخصياتٍ من ضمن كافة منصات المعارضة، ومحاولة تشكيل منصة جديدة تقوم بطرح نفسها في وقتٍ تزداد أزمات هيئة التفاوض، وخلافات “الحكومة المؤقتة” و”الائتلاف الوطني”.
ويعتمد “مسد” لتحقيق ما سبق عامل الخلافات ضمن مؤسسات المعارضة، وفشل مسار اللجنة الدستورية، وارتفاع احتمالات بقاء أمريكي أطول في مناطق شرق الفرات، مع تسلم إدارة أمريكية جديدة.