تعرضت “مواقع الدعم” التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في سورية لهجمتين منذ بداية شهر يناير/كانون الثاني الحالي، ورغم معرفة الجهة المسؤولة عن تنفيذها وهي ميليشيات إيران، إلا أن طبيعة تعاطي الطرف المستهدف و”قلّة استجابته” تثير إشارات استفهام.
وأشار مقال تحليلي نشرته مجلة “نيوز ويك” الأمريكية، اليوم السبت، إلى أن “قوات التحالف الذي تقوده أمريكا في سورية تتعرض بانتظام لهجمات من قبل القوات المدعومة من إيران، ومع ذلك نادراً ما ترد الأخيرة عسكرياً على مثل هذه الضربات”.
وما سبق يتناقض بشكل صارخ مع الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الجماعات الإيرانية في سورية، ورد فعلها غير المتكرر.
وفي الرابع من الشهر الحالي استهدف صاروخان قوات التحالف في “موقع دعم المهمات” في حقل كونيكو النفطي بريف دير الزور، وقادت جميع المعطيات إلى ضلوع جماعات مرتبطة بإيران في عملية الإطلاق.
ثم في 20 من شهر يناير استهدفت ثلاث طائرات بدون طيار قاعدة التنف العسكرية التي تنتشر فيها قوات أمريكية، وفي هذا الحادث أسقطت طائرتان بدون طيار، بينما جرحت ثالثة عنصرين من قوات “سوريا الحرة” الشريكة للولايات المتحدة.
“شبه صامت”
وكان الرد الأمريكي على الهجومين المذكورين “محيراً وشبه صامت في ساحة المعركة”.
وجاء في المقال التحليلي أن الحوادث المذكورة لم تكن الوحيدة، وفي العامين الماضيين منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه كان هناك 80 هجوماً على القوات الأمريكية أو المتعاقدين في العراق وسورية.
إذ أطلقت الجماعات المدعومة من إيران أكثر من 230 قذيفة، بما في ذلك 170 صاروخاً و60 طائرة بدون طيار، وفقاً لجهاز تعقب الصواريخ التابع لـ JINSA.
ووقع 56 هجوماً من بينها 170 ذخيرة في العراق، فيما أطلقت الجماعات المرتبطة بإيران 65 ذخيرة على الأقل خلال 24 هجوماً استهدفت قوة صغيرة قوامها حوالي 900 جندي أمريكي في سورية.
ومع ذلك، شنت إدارة بايدن ثلاث جولات فقط من الضربات الجوية الانتقامية على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسورية.
وأمر بايدن باستخدام القوة العسكرية لأول مرة في 25 فبراير/شباط 2021، بعد مقتل مقاول أمريكي، وإصابة جندي آخر في العراق.
كما أذن الرئيس الأمريكي مرة أخرى بشن غارات جوية في 27 يونيو/حزيران 2021، بعد هجمات بطائرات بدون طيار على القوات الأمريكية في العراق.
وفي أغلب الأحيان، وفق المقال التحليلي في المجلة كانت هذه الأعمال الانتقامية ضارة بالحد الأدنى، واستهدفت البنية التحتية التابعة للجماعات المدعومة من إيران، في وقت لم تلاحق إدارة بايدن قط الإيرانيين المسؤولين عن تسليح الميليشيات السورية والعراقية.
وقال متحدث عسكري إن الولايات المتحدة تقوم بمعايرة الضربات الجوية “للحد من خطر التصعيد وتقليل مخاطر وقوع إصابات”، خوفاً من أن تؤدي المزيد من الضربات أو أكثر فتكاً إلى تصعيد مع إيران.
ويضيف المقال: “في الواقع كان الرد الأمريكي المتقطع والمحدود هو الذي أدى إلى مزيد من العدوان”.
وبعد كل غارة جوية أمريكية، استأنفت الجماعات المدعومة من إيران مهاجمة القوات الأمريكية، حيث ما لا يقل عن 14 هجوماً على القوات الأمريكية والمتعاقدين في الأشهر الثلاثة التي تلت كل غارتين جويتين لبايدن.
وعند مقارنة ما سبق بكيفية تعامل إسرائيل مع إيران في سورية، وعلى مدى السنوات الثماني الماضية يلاحظ “فارق كبير في طريقة الرد والاستجابة”.
واستهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية بشكل متكرر القوات والميليشيات والإمدادات الإيرانية في سورية، بهدف محدد هو منع نقل الذخائر الموجهة بدقة إلى “حزب الله” اللبناني.
في العامين الماضيين – نفس الفترة التي تعرضت خلالها القوات الأمريكية للهجوم 80 مرة ولم ترد إلا ثلاث مرات – نفذت إسرائيل ما لا يقل عن 88 غارة في سورية، وعانت من ثلاث هجمات فقط قادمة من سورية، وفقاً للبيانات التي جمعتها JINSA.
في غضون ذلك وفي الآونة الأخيرة تبنت إسرائيل “مبدأ الأخطبوط” في عهد رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، مما أدى إلى تكبد الميليشيات الإيرانية تكاليف مباشرة.
لماذا لا ترد؟
وخوفاً من حرب واسعة النطاق مع “القوة الإسرائيلية المتفوقة”، لم يرغب شركاء إيران السوريون في شن هجمات انتقامية ضد إسرائيل من أراضيهم.
وبدلاً من ذلك، وافق أعضاء “فيلق القدس” الإيراني و”حزب الله” اللبناني ووكلاء إيران الآخرون في سورية والعراق واليمن في عام 2021 على البدء في الرد على الضربات الإسرائيلية من خلال استهداف “خصم أكثر ليونة وأقل استجابة” هو: القوات الأمريكية في سورية، ولا سيما في التنف.
ويرى كاتب المقال آري سيكوريل وبليز ميتشتال مساعد مدير السياسة الخارجية ونائب الرئيس للسياسة، على التوالي، في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA) أنه و”لإحباط دليل إيران، تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة على غرار العمليات الإسرائيلية”.
ويقول: “يجب أن تمارس (أمريكا) قوة أكثر اتساقاً ضد أولئك الذين يهاجمون الأمريكيين وأن تطور وسائل أفضل لحماية القوات”.
كما يضيف: “يجب على القيادة المركزية الأمريكية إلقاء اللوم على الهجمات بشكل سريع وعلني، ويجب على الرئيس بايدن توجيه القيادة المركزية إلى استخدام عمل عسكري متسق وقوي لاستباق الهجمات على القوات الأمريكية، والانتقام منها من خلال استهداف المسؤولين، بما في ذلك إيران”.
وكما كشف التناقض بين الهجمات على القوات الأمريكية من قبل إيران وعلى إيران من قبل إسرائيل، فإن “عدوان طهران سيستمر دون عمل عسكري أمريكي متسق وقوي”.
واعتبر الباحث أن “ضبط النفس غير الضروري لم يغير حسابات إيران. لقد حان الوقت لإدارة بايدن لتكثيف الضغط على النظام بالرد”.