خلال يوم واحد.. نشاط دبلوماسي غير مسبوق حول إدلب
شهد يوم الجمعة، نشاطاً دبلوماسياً كثيفاً حول محافظة إدلب، التي تتعرض لأسوأ هجوم من قبل قوات الأسد وروسيا، وسط تقطع السبل بمئات ألاف المدنيين، الذين باتوا ينزحون ضمن مساحة آخذة بالتضاؤل أكثر فأكثر، في حال لم تتوقف الحملة الروسية، ويستجيب النظام للدعوات الدولية بوقف فوري لإطلاق النار.
وعلى رأس تلك التحركات جاء اتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي أكد فيه على ضرورة كبح جماح نظام الأسد في إدلب، وإنهاء الأزمة الإنسانية هناك، وشدد على أن الحل في إدلب يَكمن في تطبيق كامل لمذكرة “سوتشي”. ووفق البيان، فقد “أكد أردوغان وبوتين التزامهما بكافة الاتفاقيات (المبرمة حول إدلب)”.
وقبيل هذا الاتصال الذي ما تزال نتائجه غير واضحة، في وقت تتأهب فيه تركيا لشن عمل عسكري ضد قوات الأسد في إدلب إن لم تنسحب بنهاية فبراير/شباط الجاري إلى حدود اتفاق “سوتشي”، تباحث الرئيس التركي هاتفياً بشأن الوضع في إدلب مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ودعاهما إلى “اتخاذ خطوات ملموسة من أجل منع كارثة إنسانية”، بحسب بيان صادر عن الرئاسة التركية.
بموازاة ذلك أعربت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، الجمعة، عن تمنيها بتحسّن الأوضاع بمحافظة إدلب، بأقرب فرصة ممكنة، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته في العاصمة البلجيكية، بروكسل، بعد انتهاء قمة جمعت الدول الأوروبية حول موازنة الاتحاد.
وشددت ميركل، على أهمية تأمين وقف إطلاق النار في إدلب، وإيجاد حل سياسي، وذكرت أن مئات الآلاف من الناس يعيشون حالة من اليأس، في ظروف إنسانية صعبة. وعبرت عن استعداد ألمانيا للمساعدة في تحسين ظروف إيواء اللاجئين.
وتابعت: “أتمنى تحسن الأوضاع بشكل سريع في إدلب، ونبذل جهودنا أنا والرئيس ماكرون للخروج بحل سياسي”.
والخميس، أعلنت برلين في بيان أنّ ميركل وماكرون أعربا عن “القلق” حيال “الوضع الإنساني الكارثي” في إدلب خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قمة رباعية
بدوره طالب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الجمعة، بعقد قمة رباعية حول سورية “في أقرب وقت ممكن” بمشاركة بلاده وألمانيا وروسيا وتركيا بهدف وقف المعارك في إدلب، وتجنب أزمة إنسانية.
وقال الرئيس الفرنسي في تصريحات أدلى بها عقب قمة أوروبية في العاصمة البلجكية، بروكسل بشأن موازنة الاتحاد “ينبغي علينا عقد قمة في أقرب وقت ممكن (بمشاركة) ألمانيا وروسيا وتركيا، ونحن سنشارك فيها” في إسطنبول، مضيفاً أنّ “قوات نظام دمشق، مدعومة من الروس، تواصل تقدمها في إدلب شمال غربي سورية،رغم الدعوات إلى وقف الهجوم”.
وتابع “بالنسبة لي، ولـ”(مستشارة الألمانية أنغيلا) ميركل فإن الوضع بإدلب يمكن حله من خلال وقف فوري لإطلاق النار، ولقد طلبنا هذا من روسيا ونظام الأسد”.
وشدد ماكرون على أن “المستشفيات بإدلب تتعرض لهجمات، وهذا أمر غير مقبول”، مُشيراً إلى أن “ارتفاع التوتر العسكري هناك ليس أمراً محموداً، لا سيما بعد مقتل جنديين تركيين الخميس، ومن قبلها العشرات، الوضع خطير وقد يؤدي لأزمة”.
وفي موسكو، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الجمعة إنّ “احتمال عقد قمة (بالخصوص) قيد البحث”،مضيفاً أنّه “لا وجود لقرار واضح بعد”.
وفي السياق، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الجمعة، من أن استمرار العمليات العسكرية للنظام وحلفائه في محافظة إدلب ستكون له “عواقب وخيمة لا يمكن التنبؤ بها”، مؤكداً أن القتال يتقدم الآن إلى مناطق بها نسبة تجمعات سكنية عالية الكثافة، منوهاً إلى أن نحو 900 ألف شخص -غالبيتهم العظمى من النساء- نزحوا من مناطق الشمال السوري.
وأعلن غوتيرش عن إطلاق نداء إنساني عاجل للمانحين الدوليين بقيمة 500 مليون دولار؛ لتغطية “احتياجات النازحين الجدد خلال الأشهر الستة المقبلة”، مبيناً أن “هناك ما يقدر بنحو 2.8 مليون شخص في شمال غربي سورية يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية”.
ندوة حول إدلب
إلى ذلك عقدت ندوة تحت عنوان “سوريا والأزمة في إدلب”، استضافها، الجمعة، مركز ” الشرق الأوسط” الذي يتخذ من العاصمة الأمريكية، واشنطن، مقرًا، طالب خلالها عدد من الخبراء، الدول الغربية بالتحرك العاجل من أجل التدخل في الأزمة الإنسانية التي تشهدها إدلب وذلك في إشارة إلى صمت تلك الدول حيال الأوضاع هناك.
وشارك في الندوة كل من تشارلز ليستر، باحث أول بمعهد الشرق الأوسط، وزاهر سحلول، طبيب سوري-أمريكي، رئيس منظمة “ميدغلوبال” الإنسانية التي تقدم خدماتها الطبية في سورية ، وإليزابيث تسوركوف، خبيرة معهد أبحاث السياسة الخارجية.
وفي كلمة لها خلال الندوة سلطت الخبيرة تسوركوف، الضوء على آخر تطورات الأوضاع بإدلب بعد هجمات روسيا وقوات الأسد، منتقدة في هذا السياق الموقف السلبي للدول الغربية والأمم المتحدة حيال إدلب، وأكدت أن ما يقرب من مليون شخص هُجروا من أماكن إقامتهم خلال الأشهر الثلاث الأخيرة.
وأوضحت الخبيرة أن هذه الأعداد نزحت صوب الحدود التركية، لافتة إلى أن النازحين غير قادرين على العودة ثانية لمنازلهم خوفًا على حياتهم في انتظار إعلان لوقف إطلاق النار بالمنطقة مجدداً.
وأوضحت الخبيرة الأمريكية، أن المدنيين في إدلب هم أفقر الناس مقارنة باللاجئين السوريين عموماً، وأنهم لا يملكون القدرة على الهجرة بإمكانياتهم الخاصة، موضحة أن منظمات الإغاثة في المنطقة غير كافية تقنيًا لتقديم المساعدة للجميع.
وذكرت تسوركوف أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تتدخل مباشرة في الأزمة الإنسانية بإدلب، وأنها باتت غير قادرة على استقبال مزيد من اللاجئين على أراضيها، وأنها لذلك تزيد من وجودها العسكري هناك.
وأشارت المتحدثة إلى صور التعذيب والإعدام التي يرتكبها جنود ينتمون إلى نظام الأسد، أو جماعات مدعومة من إيران، مشددة على ضرورة استجابة المجتمع الدولي بشكل عاجل للوضع، وإلا فإنه سيواجه أزمة إنسانية جديدة وأكثر شمولاً.
العالم الغربي وجهًا لوجه مع مزيدًا من هجرة اللاجئين
بدوره قال الدكتور زاهر سحلول، إن الأطباء القادمين من مختلف البلدان لتوفير الخدمات الصحية للأشخاص هناك، يتعرضون كالسكان المحليين للاستهداف أو القتل أو التعذيب بشكل متعمد.
وتابع قائلا “إذا أصبحت الخدمة الصحية غير متوفرة في سورية، بعد استهداف الأطباء، فسيواجه العالم الغربي هجرة أكبر من اللاجئين”، داعيًا الولايات المتحدة ودول أخرى للتدخل بشكل عاجل لوقف هذا الوضع.
واستطرد سحلول قائلا “بالإضافة إلى ذلك، فإن لامبالاة وسائل الإعلام الدولية تجاه سورية لعبت دورًا رئيسيًا في الأزمة الإنسانية بإدلب”.
وأردف قائلًا “فقد 50 ألف شخص لمنازلهم في سورية ليس بالعدد الكافي لجذب انتباه وسائل الإعلام أو السياسيين. لكن أن يفقد في آخر شهرين 900 ألف شخص لمنازلهم فهذا كاف للفت الانتباه”.
وتطرق سحلول كذلك إلى قصور الدور الأممي في إدلب، مشيراً لعدم وجود أي مسؤول أممي بالميدان.
الساسة عندنا لا يهتمون بسورية
من جانبه استنكر الباحث تشارلز ليستر، عدم توصل المجتمع الدولي لنقطة مشتركة حول سورية، لافتًا إلى أن فرنسا اقترحت لدى مجلس الأمن الدولي نشر بيان يلفت الانتباه للأزمة الإنسانية بإدلب، لكن رورسيا رفضت حتى نشر مجرد بيان بسيط.
وأردف ليستر قائلا “كما أن الدول الغربية ابتعدت عن كونها لاعباً مهماً في العالم. وهذا ما يوضحه بشكل جلي صمتها حيال الأزمة الإنسانية في إدلب. فساستنا لا يهتمون في الأساس سورية”.