كثر هم من ينتظرون انجلاء الأمور في أزمة تفشي وباء كورونا الشغل الشاغل للاعبين المحليين والإقليميين في الملف السوري، لأن الرهان على عودة اشتعال الجبهات في إدلب كبير. الفيروس هو الذي يؤخر موعد انطلاق العمليات العسكرية التي لا مفر منها عاجلاً أم آجلاً.
عمليات التعبئة والحشد العسكري وإرسال المزيد من المقاتلين والآليات إلى المنطقة يؤكد ذلك. تركيا رفعت عدد نقاطها العسكرية في المنطقة إلى 60 بعدما كانت تفاهمات سوتشي تتحدث عن 12 نقطة مراقبة. والنظام المدعوم من قبل الميليشيات الإيرانية يواصل إرسال التعزيزات والاستعداد لمعركة إيصال النظام إلى الحدود التركية السورية.
طبول الحرب ستقرع في إدلب لكننا لا نعرف أولوية الجبهات وطريقة ترتيبها والهدف منها: حسم ملف جبهة النصرة أم تحريك جبهة جنوب غرب إدلب أم إشعال جبهة جبل الزاوية العالقة؟ اختيار مكان اندلاع المعارك في إدلب سيساعدنا أكثر على استشفاف مسار المرحلة العسكرية والسياسية المقبلة.
السيناريو الأول الذي بدأ يظهر إلى العلن هو الاستقالات والانشقاقات في صفوف “هيئة تحرير الشام” والمجموعات الراديكالية المحسوبة عليها واحتمال وقوع المواجهة بين “النصرة” و”حراس الدين” ومن يدعمهما على الجبهات في معركة حسم النفوذ. الكفة ستميل حتما لصالح النصرة الأقوى على الأرض فهل هل سيعني ذلك خروجها منتصرة في المنطقة ونجاحها في البقاء على قيد الحياة؟
السيناريو الثاني وهو الأقرب للتنفيذ أيضا احتمال التصعيد التركي ضد مجموعات الهيئة وداعميها في إدلب وهي المواجهة المؤجلة والتي يبدو أنها حسمت في أعقاب لقاء موسكو بين الرئيسين التركي والروسي في مطلع شهر آذار المنصرم. التنسيق التركي الروسي غير مستبعد هنا حسب التطورات العسكرية والميدانية. البديل لذلك قد يكون قناعة قيادات النصرة أنها تدخل معركة خاسرة مكلفة تدفعها لحل نفسها وإنهاء وجودها وترك الراغبين المعتدلين في صفوفها الالتحاق بالفصائل وهناك أيضا أكثر من موقف ومؤشر حول تقدم هذا الاحتمال.
المرتقب إذا هو إنهاء تواجد ونفوذ الجماعات المتشددة والمتطرفة والجهادية في إدلب وإبعادها عن المشهد لفتح الطريق أمام تنفيذ تفاهمات ميدانية أوسع تسبق تحريك الحوار السياسي. المفاجأة قد تكون وجود صفقة ثلاثية تركية روسية أميركية على إخراج كل هذه المجموعات بما فيها الميليشيات المحسوبة على إيران والموجودة تحت ذريعة دعم النظام السوري في حربه على الإرهاب وهدف استرداد سيطرته على كامل الأراضي السورية. ترك إيران تحرك أنصارها في إدلب بهذه السهولة هدفه توريطها أكثر فأكثر في سيناريو التفاهمات الثلاثية وتوجيه ضربة لهذه المجموعات تسجل كرسالة عسكرية سياسية لإيران حول قرار الاستغناء عن خدماتها. تسلم مصطفى الكاظمي مهام تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وبالعودة إلى شخصيته وعلاقاته ومواقفه السياسية رسالة أخرى أميركية إقليمية تعني طهران بالدرجة الأساسية شئنا أم أبينا، وهي لا يمكن فصلها عن مخطط إضعاف وعزل إيران في المشهدين العراقي والسوري وقطع الطريق على أية محاولة لها بلعب ورقة انعاش داعش مجدداً.
بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي يقول إن تقرير منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” الأخير يُعتبر “دليلاً جديداً ضمن مجموعة كبيرة ومتزايدة من الأدلة” على أن نظام الأسد يشن هجمات بالسلاح الكيماوي ضد شعبه واعتبار وزير الخارجية الأميركي أنه “على الرغم من الجهود التضليلية لداعمي رئيس النظام السوري بشار الأسد في روسيا وإيران من الواضح أن النظام السوري مسؤول عن هجمات كيماوية عدة” يؤكد ثبات الموقف الأميركي حيال النظام ورفض حملات الغزل الدبلوماسي التي يقودها اليوم بعض العواصم العربية باتجاه دمشق.
التقدير الروسي المنشور في جريدة “نيزافيسيمايا غازيتا ” الروسية حول وجود تفاهمات تركية ـ روسية على تحويل إدلب إلى مناطق تقاسم نفوذ، وأنه لا خيار أمام النظام سوى قبول هذا الواقع الجديد يساعدنا ربما على تحليل مسار المرحلة المرتقبة في ملف إدلب ومصير مجموعات النصرة. إذا ما أضفنا لذلك حديث المشرف على الملف السوري في واشنطن جيمس جيفري حول بحث أميركي روسي لفرص التنسيق في سوريا فإن احتمال وجود الصفقة التركية الروسية الأميركية في سوريا يتقدم يوما بعد آخر . نقاط كثيرة بحثت كما يبدو بينها حسم ملف هيئة تحرير الشام والجماعات الراديكالية وفتح الطريق أمام المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا في الشمال السوري وحسم موضوع قسد كقوة نفوذ ثالثة في المعادلة السورية، مقابل إضعاف النفوذ وترتيب طاولة الحوار الثلاثي الأوسع في سوريا . هناك أيضا طرح مسألة سجون داعش في شرق سوريا والموجودة تحت إشراف قسد ومصير حوالي 5 آلاف مقاتل لهذه التنظيمات هو كذلك حلقة من النقاشات الثلاثية التي تتطلب حلا لهذه المعضلة حتى لا تتحول إلى عقدة أكبر تعرقل التسويات والتفاهمات في الملف السوري .
بقدر ما يمكن القول أن أنقرة تستعد لأكثر من سيناريو على أكثر من جبهة في إدلب يمكن القول أيضا أن زيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الخاطفة إلى دمشق كانت من أجل التحضير لعملية النصرة أكثر من احتمال إطلاق يد النظام مجدداً.
النصرة تستعد لحسم موقفها قبل انطلاق العمليات، وهي جاهزة ربما لتسلم مهام إخراج المجموعات المتطرفة الأخرى من المشهد الإدلبي مقابل الحصول على الضوء الأخضر للالتحاق بقوى المعارضة السورية المعتدلة التي تنسق مع أنقرة. تصعيد قيادات حراس الدين ضد أنقرة والتصعيد المقابل لقيادات النصرة ضد هذه المجموعات في الآونة الأخيرة يعزز فرص تقدم هذه الصيغة للتسويات الميدانية مع النصرة في إدلب وإلا فإن الخيار السوريالي المتبقي أمامها سيكون قبولها أي اقتراح إيراني بتوحيد جبهات القتال في إدلب طالما أنهما بعد الآن بين أهداف التحرك الثلاثي الجديد. فطهران يهمها بقاء وصمود النصرة في إدلب لأنها ورقتها الوحيدة التي تمسكها لتبرر وجودها العسكري في إدلب. المعركة ستكون مع النصرة لكنها ستكون أيضا مع النفوذ الإيراني وانتشار ميليشياته في المنطقة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت